الجمعة، 27 مايو 2011

صباحك سكر

في كل دورة للكرة الأرضية حول الشمس ، يناظر ساعته بتمعن شديد ، ويحث عقاربها مع بداية كل نهار على القفز فوق حواجز الخانات الأحادية ، فسبع ساعات فرضتها جغرافية خطوط الطول الوهمية بين بقاع الأرض وأقطابها الشمالية والجنوبية ، كانت تقف كالمتراس أمام أشواقه التي تنتظر شروق الشمس في أرض محبوبته .

كيف يزجي عجلة الوقت في دروب الانتظار بعد أن رفضت الشمس كل محاولاته في استجداء عطفها لتوقظ عيون حبيبته التي لا تزال نائمة تحت ضوء القمر ؟

فيقرر الذهاب في سبات عميق مع ذاكرته التي أعلنت أنها أصبحت انتقائية ، أمام تفاصيل أحداثهما العشقية ، في توحد غير مسبوق مع حاسة السمع التي لا يملك سواها في عبور القارات التي تفصل بينهما .

لطالما كان يؤمن بتلاقي الأرواح قبل الأجساد ويجزم بأن المحبة الحقيقة تتدفق كالبحر بين شواطىء القلوب مهما كان لسلطان بُعد المسافات من قيود .

كم كانت تبادره بسؤال يعجز دوما عن إيجاد إجابته النموذجية في سر حبه وتعلقه بها إلى هذا الحد العشقي المتطرف على الرغم من عدم احتواء أية بقعة أرضية لهما في مكان واحد ، فيجيبها أن الأذن تعشق قبل العين دوما عند الحديث عن الحب الأسطوري الذي ليس له من حدود .

فتقول له مبتسمة : (( أنت مجنون )) ، فيجيبها على طريقة (( فريدريش نيتشه )) قائلا : (( دائما ما يوجد بعض الجنون في الحب، لكن دائما ما يوجد بعض المنطق في الجنون أيضا )) .

فتبتسم مجددا لتقول له : (( أتجتمع لديك الحكمة والجنون في آن واحد )) ، فيقول لها : (( خذي الحكمة من أفواه العاشقين )) .

فتصمت عن الكلام لتعانق مسامعه بتنهيدات حزينة كأيامه ، لاتلبث أن تتحول إلى آهات غير مسموعة لعصفورة تم احتجازها في قضبان واقع الحياة ، والتي يعجز هو عن تحرير أقفالها ، كي تتمكن من الطيران بحرية في سماء السعادة المسلوبة رغما عنهما .

ولكنه يقطع ذلك الصمت قائلا : (( لا تحزني يا مليكتي الآن ، فالقلب لايتسع لكل هذه المساحات من العذاب ، في أوقات وهبتها لنا الأقدار لكي نقتات فيها من السعادة التي قد لاتتكرر مجددا في صفحات أيامنا إذا تمكن اليأس في حبنا من اغتيال الأمل )) .

يستيقظ بعدها من غفوة ذاكرته على صوت عقارب الساعات السبع التي أكملت دورتها ، فتتحسس أصابعه الطاولة بحثا عن الهاتف ، وتستجدي أزراره في الإسراع بقرع أجراس هاتفها ، وأنفاسه المحمومة بنيران الأشواق تتصاعد اشتعالا عند سماعه لصدى قرع أجراس تمضي وليس لها من مجيب ، ولكنه يتشبث بالأمل عند بداية المحاولة الرابعة والتي يعلم تماما أن نهايتها هو الرضوخ لأوامر سيدة ستطالبه بالتوقف عن محاولاته في قرع الأجراس ، ليترك للقلب الذي يطلبه رسالة صوتية ، ولكن صوت حبيبته سبق صوت تلك السيدة ، فيرقص قلبه رقصة (( زوربا )) ولكن بجنون الفرح وليس بجنون الحزن ، وبنشوة الانتصارات وليس بفجائع الهزائم التي تفرضها واقعية الحياة ، فيقول لها مبتسما : (( صباحك سكر )) .

الخميس، 19 مايو 2011

في وصف حبيبتي (( 1 ))

عاشق مجنون ليس مدرجا في صفحات أيام هذا الزمان ، يتذكر قول سيدة الأدب العربي أحلام المستغانمي عندما قالت (( الحب يجلس دائما على غير الكرسي الذي نتوقعه ، تماما بمحاذاة ما نتوقعه حبا )) ، وهذا ما حدث معه بعد عصور جفت فيها أقلام نبضات قلبه عن الخفقان ، لا تسعفه حروف كلماته التي ما فارقها القحط والجفاف لتقارع أمواج حروف كلماتها التي فجرت صخور شواطئه الصامتة عن الاعتراف بلذة العشق الأبدي .

كان يؤمن دائما بالمثل الذي يقول : (( مفتاح باب قلب الرجل في عيونه أما المرأة ففي أذنيها )) ، ولكنه اكتشف أنه عشقها قبل أن يراها ، ليثبت لنفسه بذلك أنه عاشق الكلمات وليس عاشق الأجساد ، لم يكن مهتما للتفاصيل ولم تجذبه أنوثة قد تقاسمتها في لون عيونها أو سحر ابتسامتها أو رشاقة جسدها مع الأخريات ، بل كان مسافرا في بحور كلماتها العميقة الأثر على عقله وفؤاده ووجدانه .

لم تعد تعنيه قصيدة عملاق الشعر نزار قباني التي التصقت بذاكرته منذ زمن بعيد وارتبطت مع كل فنجان قهوة يحتسيه ، فحبيبة قلبه أصبح لها أرض ووطن وعنوان ، واقتنع تماما أن امرأة واحدة قد تغدو هي الدنيا وليس كما كان يقال في الأفلام أن امرأة واحدة لا تكفي ، استسلم تماما لتلك الأقدار التي قادته إليها دون تخطيط مسبق وبدون أية مقدمات أو إعلانات استثنائية توهم متلقيها بتميز ما تدعو له في حين أنها لا تكون كذلك أبدا .

ماهو سر تلك الرسائل الخفية التي كانت مختبئة وراء حروف كلماتها ؟ تلك التي أشعلت فتيل ذلك العشق المجنون في فؤاده الذي اعتراه الرماد الداكن الكئيب بعد أن اتخذ قرار الإعتزال عن ممارسة طقوس العشاق و اقتنع تماما بفشل كل محاولاته الماضية في العثور على ذلك العشق الأسطوري الذي لا تتعدى حدوده الأقليمية الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال .

هي أنثى تتقن تماما وضع السكر في كل ما تقول وبالوقت ذاته لديها موهبة فطرية في نزع الملح من كل ما يقوله لها ، ترفض الوقوف في الأماكن الرمادية ويفصل بين حروف كلماتها دائما أدوات جزم يذوب فيها أية احتمالات لمعاني الشك والريبة في صدق أحاسيسها عند الحديث .

هي أنثى ترفض تماما مقولة (( أن أقصر طريق لقلب الرجل هي معدته )) ولا تبذل مجهودا في إقناعه دائما أن سحر كلماتها هي طعامه وشرابه وغذاء روحه التي يتوجب أن يترفع بها عن كل ملذات جسده البالية ، دائما كانت لديها قدرة خارقة في التحكم بمشاريع أحلامه المحتملة وبث هيمنتها في فرض كل التفاصيل فيها كما يحلو لها وهو ماكان يملك سوى الإذعان والخضوع الجميل في رسم تلك التفاصيل والأحداث دون أن تبادره أية وسوسات متمردة في الخربشة على لوحات تلك الأحلام الوردية .


هي لا تدرك مقدار محبته وعشقه لها على الرغم من إنه يدري أن موت خطيبها السابق لايزال يطارد سعادتها التي لا تكتمل معه بمجرد أية مداعبة لذاكرتها التي ترفض الانعتاق من سجن الماضي .

كان يتجنب كل منعطفات ذاكرتها ويحاول أن يرسم معها أياما أجمل لعمر لم يولد بعد ، فهو قد استبدل تاريخ شهادة ميلاده بيوم خطبته عليها بينما هي ارتبطت به بتاريخ لا يزال مجهول المعالم على خارطة الوقت ولكنها كانت دائما تشعر بالأمان والراحة وهي معه .

كثيرا ما كانت تتلعثم في تلفظ اسمه وذلك لأن قلبها كان يصر على إجبار لسانها على مناداة الماضي في كل لحظة وحين ، وهي كانت تحاول جاهدة أن تضع الحواجز والقيود أمام مقصلة صوتها التي توشك دائما على تنفيذ حكم الإعدام لقلبه المتيم بعشقها .

كم كان يكره ذلك الدفتر الأحمر الذي لايفارقها أينما ذهبت والذي تحتفظ فيه بكل خواطرها وأشعارها التي كتبتها لذلك الشخص الذي يفرض حضوره في أية جلسة تجمعهما ويكون شريكا ثالثا يقطع أية خلوة عاطفية محتملة الحدوث بين قلبيهما .

ولكنها وبشكل مفاجىء تقول له : (( أحقا تغار من رجل ميت ؟ )) فأجابها بشجاعة المحارب الذي يرفض الاستسلام على الرغم من إدراكه للحظة هزيمته : (( بل أغار من قلبي الذي وحده يحبك أكثر مني )) .


هي امرأة تجعل نيران الأشواق في قلبه دائمة الاشتعال في حضورها وغيابها على حد سواء .

هي امرأة لديها قدرة عجيبة في التحكم عن بعد بحاسة البصر لديه فيصبح كالكفيف عند مصادفة أية امرأة أخرى .

هي امرأة تتمكن من زرع الابتسامة فوق شفتيه حتى وهو في قمة غضبه وحزنه من نوائب الدهر التي تصيبه .

هي امرأة لايقتنع أبدا مهما فعل لأجلها أنه أجاد التعبير عن مدى محبته وعشقه لها .

هي امرأة مع كل كلمة تنطقها تسافر به إلى بلاد فردوس ما وطأتها أقدام بشر .

هي امرأة بارعة في إزالة غبار أية حفنة ملل قد تعرف طريقا إلى محبته لها .

أحبك والبقية تأتي ...