الجمعة، 1 يونيو 2012

قصص حب لم تجد لها حبيب ... القصة الثالثة (( مارغريت )) 1

لا تلهمني ذاكرتي على استحضار صاحب هذه المقولة : (( قد ترفض المرأة دينك لكنها لا ترفض حبك )) ، ولست أدري لماذا استعين بهذا الاقتباس قبل الشروع بسرد تفاصيل هذه الحكاية ؟ مع أنني أعلم تماما أن بطلة هذه القصة قد رفضت ديني وحبي معا ، بعد إغوائها لي بشتى المكائد النسائية ، وذلك كي تبعدني عن صديقتها التي ارتضت ديني وحبي ، فخنت عهدها مع أقرب الناس لقلبها ، في حين غفلة عن خبث النوايا التي أطاحت بقلبي وحيدا على ناصية القهر والحرمان .

الأحداث بدأت في حفلة تقيمها جمعية شبابية تعنى بالنشاطات الاجتماعية والثقافية لأبناء وبنات طائفة (( مارغريت وصديقتها )) ، وكان يحظر في مثل هذه الحفلات دخول أبناء الديانات والطوائف الأخرى ، خوفا من الاختلاط غير المبرر بين العقول وما تنضح به من أفكار ومعتقدات ، ومفاهيم مضادة قد تودي إلى درب التهلكة لشباب المستقبل الذين سيحملون على أكتافهم هذه الديانات والمعتقدات وسيحاربون من أجلها بالمال والنفس والولد ، وهذه الحروب الطاحنة بين الطوائف والأعراق والأديان المتباينة تكاد تنقرض إن لم تكن قد انقرضت في الدول الكبرى ، و التي يتفيؤ في ظلال قوانينها كل مواطن ينتمي إليها ، ويتساوى الجميع في الحقوق والواجبات ، فلا فضل لمواطن عن مواطن إلا بالقانون ، ولا حكم لدم أزرق أو أحمر أو أصفر ، ولا مهابة لمسؤول أو ثري أو صاحب نفوذ وسلطة ، فهم يعيشون بمبادىء لقوانين تستمد روحها من ذلك السوط الذي ضرب فيه العبد ابن الأكرمين في حمى الفاروق ، والذي مازلنا ننتظر له خليفة في هذا الزمان ، فالحقيقة المؤلمة التي نحاول دوما إنكارها ، تتلخص في القوة الكاسحة لأبناء الشعب الواحد في أي بلد عربي حين يتم تسخيرها في القتل والذبح والتنكيل فيما بينهم ، ومن ثم تقديمهم كقرابين على أطباق من الدم لأعداءهم . 

صديقي كان على علاقة غرامية بفتاة متواجدة في تلك الحفلة ، وهي من دعته إلى الحضور بعد أن يتخذ كافة التدابير الزائفة للتنكر كفرد من أفراد طائفتها ، والذي بدوره أقنعني بمرافقته رغم إنكاري الشديد للتظاهر باعتناق ديانة أخرى ، ولكن فضولي لاكتشاف هذا النوع من الحفلات ورغبتي في الاختلاط بالفتيات ولهفتي في سبر أغوار هذه الفئة من المجتمع ، والتي يضرب المثل بها دوما عند الحديث عن المدنية والحضارة والرقي ، جعلتني لا أتلكؤ في الموافقة على عرضه والسير معه في دروب المجهول ، دون احتراز لما قد يحف نواصيها من مخاطر لا يمكن تقدير عواقبها على وجه الدقة . 

وعند وصولنا إلى البوابة الرئيسة لقاعة الحفلة ، دخلنا بأسماء وهمية تنتسب لعائلات عريقة في تلك الطائفة ، وهذا جعلنا من أصحاب الحظوة لدى منظمي الاحتفال ، فاستقبلنا مدير الجمعية وقد تعاظمت أساريره بالانفراج ، وبدت عليه علامات الدهشة وهو يسألني عن والدي وأعمامي المهاجرين إلى بلاد الغرب منذ أمد بعيد ، فقد كانت تربطه بهم صداقة وزمالة منذ أيام الطفولة ، ثم انقطعت أخبارهم عنه منذ هجرتهم ،  فتلعثمت قليلا ولعنت حظي العاثر الذي جعلني أختار هذا الاسم ، ثم ما لبثت أن تداركت الموقف ووعدته بحرص شديد على نقل سلامه وعتابه لوالدي ، بمجرد زيارتي له في العطلة الصيفية ، فأنا ووفقا لخطة انتحال الشخصيات الوهمية ، عدت إلى الوطن لدراسة الأدب المقارن بين الشرق والغرب ، كمتطلب لاستكمال دراساتي العليا هناك ، ونجحت الخطة في النهاية و دخلنا الحفلة وجلسنا على طاولة رفيقة صديقي وصديقتها ، والتي تمكنت من الاسترسال معها في حديث تعارف مختصر ، ما أوقفته سوى أغنية لم أتردد إثر سماعها من بسط كفي لها ، كدعوة جريئة للصعود إلى منصة الحفلة والرقص سويا على أنغامها .

وفوق المنصة التي كانت تعج بالشباب والشابات المتلاصقة أجسادهم برقصة عاطفية ، وتحت الأضواء الخافتة التي تبرر حدوث قبلات خاطفة ، كان اللقاء بتلك الفتاة الشقراء ذات العيون الخضراء اللامعة ، وقد التف خصرها بذراعين غليظتين لشاب بدين أشقر ، فتلاقت عيوننا في لحظة لم تتجاوز بضع ثوان ، ثم تباعدت بعد سماع صوت رفيقتي وهي تنادي عليها : (( مارغريت ، أين كنت ؟ )) ، إذن هذا هو اسمها ، وذلك البدين بلا شك صديقها ، أتراها ترتبط به بعلاقة عاطفية ؟ أم أنها مجرد صداقة مجردة من الحب ؟ ولكن هل هناك حقا من رجل شرقي يرضى بدور فرعي في حكاية فتاة يرافقها إلى حفلة كهذه ؟ 

توقفت الأفكار والتساؤلات عن الدوران في رأسي عندما أزفت لحظة التعارف بهذه الفتاة الشقراء ورفيقها ، والتي أشرفت رفيقتي على كافة تفاصيلها ، وهنا تكرر حظي العاثر مجددا حين سألني ذلك البدين عن شخص يفترض أن يكون من أبناء عمومتي ومتواجد في الحفلة للأسف ، فما كان من خيار أمامي حينها سوى الاستئذان منهم وطلب رفيقتي لحديث خاص ، والاعتراف لها بالحقيقة ، ولكن علامات الدهشة والاستغراب لم تظهر على محياها ، بل ابتسمت ابتسامة صفراء ، وأكدت لي أنها تعلم كل شيء من رفيقة صديقي قبل حضورنا ، ولكنها من باب الحيطة والحذر لم تخبر (( مارغريت )) بالحقيقة بسبب عدم ثقتها برفيقها ، فتنفست الصعداء وعدنا إلى مقاعدنا ، ولكن حالة التوتر ظلت تلازمني بعد حضور (( مارغريت )) وصديقها وجلوسهم معنا على الطاولة ، وخصوصا بعد أن همست رفيقتي في أذن (( مارغريت )) بسري ، والذي جعل عيونها الخضراء تزداد لمعانا ، وكأنني أقرأ فيهما رسالة خفية بمشروع حب محرم سيجمعنا قريبا . 

وتأكدت هواجسي سريعا حين دعتني (( مارغريت )) للرقص معها ، فلم أتردد بتلبية طلبها ، وأمسكت يدها وقفزنا إلى المنصة ، وعيوني تطاردها من رأسها وحتى أخمص قدميها مع كل إيقاع للموسيقى ، وبدأت عمليات مقارنة التفاصيل بينها وبين رفيقتي ، ((مارغريت )) طويلة ورشيقة بعكس صديقتي القصيرة والبدينة ، ومع أنني لا أؤمن بالمظاهر الخارجية عند تقييم اندفاعي للنساء ، ولكنني لا أنكر أن جمالها كان مدهشا بكل المقاييس ، من بشرة حليبية إلى شعر أشقر مموج بخصل سوداء ، وعيون تشبه خضرتها أوراق الأشجار حين تتمايل فوق الأغصان في نيسان ، وهذا كان كافيا ليبعدها عن أية مقارنات مع رفيقتي التي أحضرت رفيق (( مارغريت )) لترقص إلى جانبنا ، وقد بدا عليها الخوف واضحا وهي تراقب نظراتنا التي فضحت قلوبنا بقصة عشقية ستكتبها الأيام لنا بلا أدنى شك .

حين تخشى الأنثى أن تفقد رجلها  ، تستدعي مكائدها بشتى الوسائل لاسترداده حيا أو ميتا ، فالغاية أن لا يكون لامرأة سواها ، وهذا ما فعلته رفيقتي عندما أخبرت رفيق (( مارغريت )) بسري ، والذي كانت نيران الغيرة قد التهمت قلبه منذ أول خطوة في رقصتي مع (( مارغريت )) ، فانطلق مسرعا نحو البوابة ، وحشد جميع أصدقائه لتمزيقي إربا على مرأى من عيون (( مارغريت )) حين أغادر الحفلة ، فأصاب رفيقتي الذعر وهي تشاهد تلك الحشود المتأهبة لذبحي ، وشعرت بالذنب يفطر قلبها ، وتوسلت (( مارغريت )) كي تتدخل في إنقاذي ، أما أنا وفي تلك اللحظات العصيبة ، ذهبت للجلوس بجانب صديقي والذي أدرك ما نحن فيه من مصيبة ستفتك بنا ، فبلغت القلوب الحناجر ، وذهبنا برفقة (( مارغريت )) نحو البوابة ، وأقدامنا بالكاد تحملنا من فرط الخوف ، ولكن (( مارغريت )) كانت تتقدمنا بشجاعة وجسارة لشخصية مهيبة الجانب ، وهذا عزز من درجة إعجابي بها ، وذلك حين صرخت بوجه صديقها كي يتنحى عن البوابة هو وأصدقاؤه ، فخرجنا أنا وصديقي ونحن لا نكاد نصدق أننا نجونا ، وأيدينا تلوح لـ (( مارغريت )) ورفيقتي ورفيقة صديقي ، ولكن سرا دفينا في نظرة (( مارغريت )) لم أتمكن من اكتشافه وهي تودعني في تلك اللحظات ، لم تكن تشبه نظراتها لي في أثناء رقصتنا ، ماذا تخفي هذه الفتاة لي يا ترى ؟ 

هناك 3 تعليقات:

  1. "حين تخشى الأنثى أن تفقد رجلها ، تستدعي مكائدها بشتى الوسائل لاسترداده حيا أو ميتا ، فالغاية أن لا يكون لامرأة سواها"

    حقيقة علمية ^_^

    ردحذف
  2. موناليزا :)

    حقيقة علمية وبكل تأكيد :)

    كل الود لحضورك

    ردحذف