الجمعة، 23 نوفمبر 2012

نتلي والهولوكوست وغزه

عند مدينة بولندية تقع على إحدى سواحل بحر البلطيق ، كان اللقاء ، هي مصادفة ، ربما ، ولكن الأقدار المكتوبة على جباه البشر ، قطعا هي من جعلت ذلك الشاب الفلسطيني يحتفظ بميراث آبائه وأجداده ، مفتاح وهوية لجوء ، يتشرد فيها بين بقاع الأرض منذ أكثر من أربعة وستين عاما ، ليجد نفسه عاملا في ميناء تلك المدينة البولندية ، ويلتقي بتلك الفتاة البولندية الشقراء ، وهي تقف شاردة أمام ذلك البحر المتجمد ، تذرف الدموع لأسباب جعلت الفضول يدفعه لإلقاء أوزار ما كان يحمله على ظهره من حمولة السفينة التي كان يعمل بها ، ويقترب منها بخطى مواربة ، كانت كافية لتوقظها من شرودها ، وتلتفت إليه مضطربة وخائفة من هيئته الغريبة عن شباب مدينتها .

اقترب منها أكثر ، وبعفوية العرب عند الحديث مع الغرباء ، سألها عن سبب بكائها ، و على الرغم من الدهشة التي كادت تفتك بها ، لجرأته على اقتحام خلوتها ، ولكن رغبتها في مشاركة الألم الذي كان يعصر قلبها حزنا وأسى على ما شاهدته في الجامعة التي تدرس بها ، والتي كانت تقيم حفلا تكريميا تحيي فيه ذكرى ضحايا معسكر اوشفيتز ، من خلال عرض فيلم وثائقي يسرد تفاصيل المذابح التي حصلت على أيدي النازيين بحق اليهود وبعض البولنديين والروس أثناء الحرب العالمية الثانية ، والذي أصبح ذكرى سقوطه فيما بعد مرتبطا بذكرى اليوم الدولي للهولوكوست ومافعله (( هتلر )) بيهود ألمانيا .

ابتسم الشاب الفلسطيني على الرغم من أنه كان يود البكاء ، أو الصراخ ، أو لطم تلك الفتاة على وجهها ، ولكنه وبأعصاب تماثل برودتها بحر البلطيق المتجمد ، قال لها : 

عندي حكاية قد تجعلك تحزنين أكثر ، نظرت إليه باستغراب ولكنها لم تعقب ، فتابع كلامه قائلا : 

انتهت الحرب العالمية في عام 1945 ، وبعدها بثلاثة أعوام ، شكل من بكيت عليهم في فيلمك الوثائقي هذا عصابات مسلحة (( الهاجانه ، ارجون ، شتيرن )) وبدأوا بذبح وتشريد وطرد شعب من دياره يسمى فلسطين ، واغتصبوا وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ المعتكفين في بيوت الله ، وعلى سيول تلك الدماء البشرية التي شربوا منها ، أقاموا دولتهم غير الشرعية على أرض مدينة الأنبياء والمرسلين ، والتي تعتقدين أنت وأمثالك من الساذجين أنها أرضهم وبلادهم .

وبعد مضي أربعة وستين عاما ، لا يزال شغفهم في إرهاق الدماء مشتعلا وخصوصا على الأطفال ، عملا بوصية زعيمتهم الملهمة (( جولدا مائير )) التي كانت تتمنى أن تصحو في كل يوم ولاتجد طفلا فلسطينيا واحدا على قيد الحياة .

ولاتزال مندهشة من كلامه ولا تجد من العبارات ما يعينها في الرد أو التبرير أو التعليل على موقفها المغاير تماما لكل ما حدثها به ، ولكنه أدرك ماهي فيه من حيرة واضطراب  ، فسألها عن اسمها ، فأخبرته متلعثمة (( نتلي )) ، فقال لها : أتعرفين يا نتلي البحر الأبيض المتوسط ؟ هناك مدينة تقع على إحدى سواحله تدعى (( غزه )) ، تعقبي أخبارها في هذه الأيام وستدركين حينها لمن يتوجب عليك أن تذرفي الدموع .    

هناك 6 تعليقات:

  1. صباح الخير أشرف
    عندما قرات هذه التدوينه تذكرت فيلم ((بيانيست )) وهو فيلم تدور احداثه عن اليهود وظلم هتلر لهم للاسف تعاطفت مع بطل الفيلم رغم انه يهودى ولكنى نظرت له نظره انسانيه فهو بشر على ايه حال
    لماذا لا نقوم نحن العرب بأنتاج افلام تتناول القضيه الفلسطينيه عسى ان يتعاطف معنا الغرب وهم يشاهدون المذابح والضحايا
    للاسف رغم ما تعرض له اليهود من ظلم على يد النازيين فما زالوا يمارسون الظلم خوفا من ان يقهرون فدائما يتبعون سياسه خير وسيله للدفاع هى الهجوم
    لعنهم الله وثبت اقدامنا

    ردحذف
    الردود
    1. يسعد صباحك هبه :)

      بالفعل هم دوما يلعبون دور الضحية ويستطيعون خداع الجميع وإيقاعهم بفخ أنهم يدافعون عن أنفسهم ضد الإرهاب ... في حين أنهم هم الارهابيون وهم من يبادرون بالعداء والقتل والذبح ...

      ولكن يظل تساؤلك في مكانه ... فنحن كعرب مقصرون وجدا في دعم وتناول القضية الفلسطينية ولربما من الأسباب المؤدية لذلك مقولة قرأتها لأحد الكتاب قبل عدة أيام وأعجبتني كثيرا (( منشغلون بحروب قابيل وهابيل العربية ))

      ماذا عسانا أن نقول ... كان الله في العون

      لك مني كل الود

      حذف
  2. فعلا كلام مزبوط سبحان الله هما ما بشوفو ولا بحسو بغير اللي هما مروا فيه من عذاب وقتل وتشريد بس مش شايفين اللي بعملة غلط في فلسطين ، لكن أكيد الله شايف حاسس وعارف وأكيد مارح ينساهم إلا ما يوم يجيهم الفرج والنصر من عنده لانه ربنا ما بنسا خلقه أبدا ، كل اللي في ايدنا نعمله هو انه الله يفرجها عليهم ويكون بيعونهم.

    ردحذف
    الردود
    1. نور :)

      طبعا هم ما بشوفو أي غلط بتصرفاتهم بل بالعكس لأنهم بفكروا انهم عم بدافعوا عن انفسهم وعن حق ما كان ولا رح يكون في يوم من حقهم ... والمشكله انو الكل كالعاده بس بوقف بيتفرج ... ما عندي حكي غير إني اضم صوتي لصوتك بالدعاء بالفرج القريب عليهم من هذا الحصار والاعتداء الظالم ...

      كل التقدير والموده

      حذف
  3. الإعلام الغربي مضلل للرأي العام ...واستطاع أن يستعطف الشعوب ويستغفل قلوبها وأبصارها مستغلا الموقع الجغرافي واللغة ...سأقص عليك هذا الموقف لترى مدى تعمق الصورة لدى الغرب وثقتهم بانسانيتهم :....هذا الموقف حقيقي
    " قبل سنتين تعرفت على صديقة أمريكية عمرها تقريبا 40 عام بينما كنت أحدثها عن الأوضاع لدينا في فلسطين و و... فإذا بها تلقي علي أحد أمانيها بأن يأتي الأسطول الأمريكي لسواحل غزة ليحررها من الظلم الواقع عليها من قبل اليهود ..في نظرها أمريكا هي الدولة العظمى وجيشها مهمته مساعدة الشعوب الضعيفة "...

    جميل ما كتبت هنا صديقي العزيز
    أسلوب سردي تقريري شيق..
    وطرح هادف

    تحيتي لك
    وسعيدة بعودتي لديكم

    ردحذف
    الردود
    1. زينه :)

      كم أنا سعيد بعودتك إلينا وكم نحن فخورون بكم يا أبطال غزه وأنتم في كل يوم تسطرون للعالم كله أروع قصص الصمود والمقاومة في وجه المتغطرسين المعتدين الصهاينه ...

      لربما لا نملك سوى هذا القلم لنقاوم به ونشرح للعالم من الظالم ومن المظلوم ولكن بالتأكيد نحن لا نستعطف أحدا فنحن أصحاب الحق وسنظل نقاوم كل منا من مكانه حتى يعود الحق لإهله ...

      لك مني كل الود والتقدير والوفاء

      حذف