الأربعاء، 13 مارس 2013

إلكترا العربية

في حالة من الارتباك المفتعل ، دلفت بكعبها العالي على المنصة المهترئة لحافلة النقل العام ، المقاعد كلها شاغرة إلا من مقعدين في الزوايا الخلفية ، أحدهما كان بجواري ، والآخر كان بجوار رجل في ضعف عمري ، تقدمت بخطوات مضطربة وهي تدرك أن عليها الجلوس بجانب ذلك الرجل العجوز ، على الرغم من رائحة عرقه التي تكفي اختناقا من كان يجلس في الصفوف الاولى ، ورائحة قدميه المتحررتين من نعليهما ، بعد عزلة مائية عن الاغتسال منذ اسبوع على أقل تقدير ، نعم جلست بجانبه واختارت رفيقا من القذارة لطريقها ، على ان تجلس بجانب شاب أهدر نصف قارورة عطر على ثيابه قبل أن يغادر منزله ، وذلك كي لا تذهب به الظنون بعيدا ويعتقد أنها وقعت في مصيدة الإعجاب الاول بعد أن تقاطعت عيونها بعيونه وهي تبحث عن مكان في الحافلة للجلوس . 

ذهبت إلى وظيفتي الاولى كأمين صندوق في مصلحة الهواتف ، وألقيت تحية الصباح على زميلي الذي يفصله عن سن التقاعد للشيخوخة غير المبكرة زهاء عام أو عامين ، وبدأ المراجعون يتوافدون إلينا كغيث السماء المتقطع ، إلى أن مزقنا أوراق الصحف ونحن نقاتل الوقت الذي لا يمضي من قلة العمل ، وفجأة أطلت علينا امرأة في ربيع العمر ، واتجهت بخطوات لا يشوبها التلكؤ نحو زميلي الهرم ، والذي كان يغط في سبات عميق على الهاتف مع زوجته حول احتساب تكاليف رحلة الحج المزمع عليها في هذا العام ، ولا يزال يناقش معها عروض الأسعار المعلنة عنها في الصحيفة التي حفظها عن ظهر قلب ، ولا تزال المرأة تنتظره كي يدمغ فواتير هاتفها الشهرية  بمنتهى الصبر ، دون أن تلتفت نحوي وتجعل المرض يتداعى في قلبي بين أوهام واحتمالات تخطىء الصواب بقدومها إلى نافذتي الخاوية من الزبائن ، فهي أنثى لها من الحياء مقام ، ولن تخاطر بسمعتها بالحديث مع شاب مثلي إلا في ظروف استثنائية تدفعها اليها الأقدار .  

كنت أقف على قارعة الطريق ، في حي من أحياء المدينة التي لا يعرف معالمها الجغرافية رجل مثلي ، ولقد طالت لحظات الانتظار التي أقحمني فيها صديق لا تجمعني به سوى المناسبات الحزينة ، وكان يقف غير بعيد عني ، رجل تجاوز عقودا خمسا من حياته على وجه الدقة ، وعلى ما يبدو أنه كان في محطة انتظار لا تختلف في ظروفها كثيرا عن محطتي ، ولكن وبنظرات فضول خاطفة تمكنت من الاستنتاج أنه غريب عن هذه المنطقة المزدحمة بالسكان ، تقترب من كلينا سيارة شديدة السواد ، وتتوقف كلية عند ذلك الرجل ، وتنزلق نافذتها غير المرئية المقابلة لسائقها آليا ، وينبعث صوت أنثوي يستفسر عن معلم بارز في ذلك الحي ، وإذ بعقدة تلو عقدة لا تنفرج بلسانه وهو يحاول جاهدا الادعاء بمعرفته للمكان ، تتجاهل السائلة وجودي ، وتشكر ذلك الرجل على محاولاته اليائسة في مساعدتها ، وتنطلق تائهة بين الطرق المتعرجة في ذلك الحي ، كي تقطع كل السبل المؤدية للحديث مع شاب في عمرها سيعتقد أنها تعمدت الوقوف من أجل التحرش غير المباشر  به .  


في المساء أجلس بقليل من الاهتمام لمتابعة مقابلة تلفازية لعصبة من النساء يتحاورون حول أسرار العلاقة بين ادم وحواء ، وإذ بي أدون في ذاكرتي مجموعة من الملاحظات وبشكل لا إرادي ، فكلما كان المتصل رجلا في أوج شبابه ، يحاولون إنهاء المكالمة وتجنب الخوض في نقاش منطقي لتساؤلاته ، وحين يكون المتصل رجلا أكل عليه الدهر وشرب بأفكاره القادمة من زمن الابيض والأسود ، أي أنه كان في عمر الشباب قبل دخول ألوان الطيف للتلفاز ، يحتدم النقاش ويتفاعلن بغبطة غير مسبوقة مع كل كلمة يقولها ، ففي عالمنا العربي هنالك دوما رموز وأساطير لا تتكرر قط ، وفي حالة هذا الرجل على وجه التحديد ، فإن الرجولة قضت نحبها من بعده ، ومن المستحيل أن يجيد شاب في عمر أبنائه التحاور مع النساء ، ولكن الوجه الخفي لذلك كله ، أن المراة العربية تعاني من عقدة إلكترا ، فهي لا تجد في صدرها حرجا من الحديث مع رجل في عمر أبيها في أي موقف يستدعي التفاعل بين الجنسين ، ولكنها تخشى أقرانها من الشباب ، معللة ذلك بالعبث والاستهتار الذي هو من سماتهم ، بعكس العجزة الهرمين والطاعنين في أرذل العمر ، فهناك تجتمع الحكمة والتجارب والخبرة التي لا تتكرر ، ولا زلنا نسأل أنفسنا معشر الشباب عن سبب اتساع الفجوة بين عالم الذكور والإناث ؟ 

هناك 4 تعليقات:

  1. برأيي أن حواء تتحدث براحة أكثر مع الرجال كبار السن لأن احتمال الاهتمام بهم أو بإقامة علاقة معهم قد انتفى أما في حالة الشباب فإن الشاب قد يظن وبسهولة أنها مهتمة به! إذا ما قاموا بمناقشة أي موضوع عام من مواضيع الحياة فضلا عن أن يكون موضوع التواصل والتفاهم بين الذكر والأنثى!
    عموما غالبا ما يتشبث الرجال بأفكارهم النمطية عن المرأة ويقومون بمهاجمة جنسها وبشدة بطريقة غير لطيفة تمنع من مواصلة الحوار وذلك وفقا لخبرتي
    الشخصية.
    أما عن اختيار كبير السن ذي الرائحة فعن نفسي فسأختار الشاب وليظن ما يشاء! والحال كذلك مع الموظف وليظن هو أيضا ما يشاء! :) حتى أنني قد أفضله على كبير السن لأنه قد يظهر اهتماما أكبر بموضوعي وذلك رغبة في "الاستعراض" أو ما إلى ذلك.
    المهم أن ما يظنه الناس لا يعنيني، ما يعنيني هو ما اعتقده أنا :)

    وشكرا
    سيرين

    ردحذف
    الردود
    1. اهلا وسهلا سيرين :)

      من زمان ما قرأنا تعليق منك :(

      صدقا عم بقرا كل سطر من السطور اللي كتبتيها والابتسامة ما عم بتفارقني والسبب هو حسن ظن حواء بالرجال الكبار في السن ... في حين ان الحقيقة في كثير من الحالات في هذه الايام هي العكس تماماً ... الكثير منهم يستغلون النظرة او الثقة الإيجابية التي تحيط بهم من قبل النساء بسبب كبر سنهم ويستغلون ذلك لأغراض غير بريئة وأتذكر في الماضي احد تعليقاتك التي تحدثت فيها عن مدير كنت تعملين معه يشبه الى حد كبير النمط الذكوري الذي اقصده ولكن بشكل عام انا اتفق معك بان الشباب هم عنصر اخطر في هذا الهجوم :)

      لك مني كل الود

      حذف
  2. فعلا انا مع الآنسة سيرين فعلا البنات الأيام هي على طول بحسنو الظن بالرجال الكبار بالسن لعتقادهم انه هالشخص مش رح ينظر اليهم بطريقة جنسية أو فيها حيا ، وانا برضو معك اشرف انه ختايرة ورجال كبار بالسن لسه نفسهم طرية ولسه الهم خاطر بكلمة حلوة من صبية من هون ولا من هون ههههههههه.

    ردحذف
  3. أهلا وسهلا نور :)

    صدقيني نفسهم طريه اكتر من الشباب ...مش كلهم عشان ما نعمم :)

    تحياتي يا نوارة المدونه :)

    ردحذف