استفتح معها الحديث بذلك السؤال الاستنكاري الذي لم يكن لينتظر إجابته ، كيف أنت ؟ ، وكأنه حاول اختبار كبريائه المنكسر على صخور ذاكرتها المتصدعة بين الجفاء والنسيان ، واستعاد في ذلك موجة شوق وحنين إلى امرأة كان يتمنى أن تدرك صدق لهفته ورجائه بكتابة سطر جديد في رواية عشقهما الأبدي ولو كانت من طرف واحد على الأقل ، فهذا يكفي لتجنب الإسهاب والمبالغة في تصنيف حالات لم تكن مدرجة في قوائم الحب الناقص ، وعندها يكذب عقل العاشق ولا يصدق قلب المعشوق .
ظل يعتقد أنها لن تواجه الحياة في لحظات من السعادة قد لا تحتمل وجوده بالضرورة في مواقيت الأيام وبوصلة الزمن المعاكسة لكل الاتجاهات المؤدية إلى الرجاء ، وظن خائبا أنها امرأة لا تجيد فن المراوغة والاختفاء والإبحار إلى أبعد نقطة في أعماق محيط متجمد من العواطف التي غرقت قبل الرغبة الزائفة في اللقاء ، ولكن خارطة الطريق إلى أمنياتها بالحب ، استحالت إلى أحجية جغرافية وسياسية وتاريخية ، فهي حورية تقطن البحار وهو شامخ بغروره كالجبال ، وهو يساري ثوري في مشاعره وهي تخاف تيارات مناوئة للتغيير ، وبين الماضي والحاضر والمستقبل ظلت على خلاف معه في أيام قد تأتي وتكون أجمل .
في معجم اللغة ومرادفاتها ، من سيكون يا ترى الضحية ومن سيكون الجلاد ؟ ذلك اسم مذكر والآخر ارتبط بتاء التأنيث ، وكأن اللغة أيضا ترفض الاعتراف بظلم المرأة وجبروتها في حق الرجل ، فحين يغدقها حبا تتكبر وتوهمه بعدم الاكتراث ، وإذا بحث عن الحنان المفقود مع سواها تدعي أنه كاذب ومخادع ، أما إذا انكسر وانهزم واعتزل في صومعة الحزن ، تطمئن وتكمل حياتها بهدوء وسكينة وكأن شيئا لم يحدث ، وإذا سأل سائل عن المذنب لن تعترف أبدا بذنبها عند إشعال الحرائق في غابات قلبه ورحيلها دون الالتفات إلى مشاعره بعد ان تصبح كأعجاز نخل خاوية ، فحينها تصبح هي الحكيمة العاقلة ، وتدعي أن ما كان ليس سوى ضرب من الجنون جعلها تستيقظ قبل فوات الآوان ، فكم أنت غبي أيها الرجل بعد كل هذا حين تسأل المرأة عن حالها وتظن أنها ستعترف لك أنها عاشت في الجحيم طوال فترة غيابك !