لا تدري كيف تنتقي حروف معايدتك ، ففي كل عام تغمرك نفحات التفاؤل ، وتجفف دموع العين كذبا وتدعي أن القادم لعله يكون أجمل ، ولكن الأحداث تجري سراعا في عالمك العربي بزخم غير مسبوق ، منذ ذلك اليوم الذي أحرق فيه " البوعزيزي " نفسه .
أرجوك لا تعتقد أنك في خضم الحديث عن مقارنات " ما قبل وما بعد " فليس ما كان بخير من الذي حضر ، إلا أن العديد من المشاهدات باتت تؤلمك وتؤلم كل من ألقى قلبه في مواجهة مباشرة مع ما تشاهد وتسمع في كل يوم ، بل في كل ساعة وبضع من دقائق .
لن تختص بالحديث عن بلد بعينه ، بل على مداد السطور الآتية ستروي كيف استحال الإنسان العربي إلى آلة تدار ببطارية القمع وإقصاء الطرف الآخر ، وليس هذا فحسب ، بل لعلك تتجنب الإسهاب في تفاقم مشكلة الأخلاق واستفحالها إلى كارثة تكاد تودي بشعبك إلى غياهب التهلكة والإنقراض .
ولست هنا كي تلعب دور مصلح إجتماعي وتقترح حلولا مثالية للمشكلات ، ولكن قد تحاول التأمل برهة بوقتك الثمين الضائع في حوادث سير قاتلة ومشاجرات جماعية بالجملة و مشاكل عائلية لا تعد ولا تحصى ، منها أسباب نفسية وأكثرها تعود في الأساس لقلة الحيلة وضنك العيش .
أطفال تتسول في كل مكان ، في الشوارع وخلف أعمدة الشاخصات المرورية ، وأطفال يتامى بسبب حروب بين الإخوة الإعداء ، وأطفال تنتهك براءتهم بمظاهرات واعتصامات لتأييد أنظمة قمعية أو الصراخ في وجه أحزاب وتيارات سياسية أو دينية ، وأطفال تقف خلف أهلها تحت مظلات أسواق الباعة المتجولين ، لتكمل سيرتهم الأولى في البؤس والشقاء .
وكل هذا ولا تزال تشكو جرحا انت حتما صاحبه ، فأنت عدو الجهل والتطرف والمغالاة والعنصرية والفقر والتخلف ومن يقبضون الدين من أطرافه ويستمسكون بقشوره دون لبابه ، وتستغرب كيف استحال الحقد والغل بين أبناء جلدتك حتى أصبح الكلام ذنبا يستدعي حمية الجاهلية في نفوسهم .
ربما يجدر بك أن تمحص في دواخل نفسك وتستجدي منها المحبة والمودة ، وعندها قد تكتمل الدائرة بينك وبين الناس ولا تخشى أن تبادلهم تهنئة على مدار العام ، وليس بالخوف من غد قريب يستدعي أن تقول لهم بحذر وجزع " كل يوم وأنتم بخير " .