الخميس، 15 مارس 2012

شامك شامي يا أم الأولاد

على سرير يتهاوى كل ليلة بين أرقها وخوفها وقلقها ، وفوق وسادة تغرق فيها الأنفاس بسيل من عبراتها ، أضمها لصدري وأربت على رأسها بكفي التي ارتعشت أناملها ، وأداعب جدائلها كي تغفو ، فترجوني كالأطفال أن أروي لها حكاية قبل المنام ، وحين أخبرها أن حكايتنا ستكون عن الشام ، تنفرج أسارير محياها ، وتهز كتفي كي تعجل في فك عقدة لساني ، وهي تهتف بلكنتها الشامية المحببة لقلبي (( قولا بقى )) .

يا ابنة الفيحاء الأبية لا تحزني ، ولا تتنهدي بحسرة كلما ألفيت أزقة الشام العتيقة يغسلها الدم ، واصبري ولا تجزعي في كل يوم جمعة حين تأتيك أخبار الإنفجارات التي ابتدعها من لا يخشى الله في العباد ، فهي ستكون قاب قوسين أو أدنى من خطوات أبيك أو أخيك أو أمك ، وحينها فليستمر التطبيل والتزمير بين كل أطراف النزاع ، فهذا يريد كرسيا وذاك يرغب بالحفاظ عليه ، وآخر يود الانتقام لمن أهانه في وسائل الإعلام وسيدفع أمواله لكل متطوع سيجاهد في سبيل رد إعتبار مشيخته ، وآخرون سيدعون حرصهم على حقوق الإنسان وهم أكثر من سفكوا الدماء بأيديهم و أيدي حلفائهم في مشارق الأرض ومغاربها ، وجيران سيترقبون بشغف نشوب حرب أهلية كتلك التي حدثت يوما في لبنان ، وكل هؤلاء لا يدرون أن أهل الشام لا ينتمون إلا للشام ، لربوتها وساحاتها ، لمساجدها وكنائسها ، لأحيائها وأسواقها وحضارتها القديمة بقدم الإنسان .

أنا لست بعثيا ولا قوميا ، ولم أكن في يوم اشتراكيا أو ليبراليا ، وبكل الأحوال لست أيضا من الرأسماليين ، ولست منضما لجماعة الإخوان المسلمين ، أنا شخص يمقت كل التشريعات الوضعية التي خطتها أقلام البشر ، ولا أسمع أو أتكلم أو أرى إلا بكتاب رب العالمين حين قال : (( الفتنة أشد من القتل )) ، فكم هو عدد المتورطين في ذبح شامنا بتفرقتهم إلى شيع ومذاهب يترفع لساني عن ذكرها ؟ 

لك الله يا شام ، فهذه أمة اعتادت أن تذبح أبناءها لأسباب تتعلق بالخلافة والسلطنة والرئاسة ، ومن يشكك في هذا فليقرأ التاريخ بعد وفاة سيد الخلائق والبشر ، وليسأل الصديق و ذي النورين و أبا موسى وابن العاص ، وابن الزبير وابن مروان ، وخلفاء بني أمية وبني العباس ، وأبناء القسطنطينية و الحجاز وبلاد الشام ، والانقلابات العسكرية المتعاقبة بعدها ، وبلادنا مع كل هذا تظل على حالها تهوي في غياهب المذلة بين الأمم . 

ماذا أقول لك يا زوجتي الحبيبة ؟ أأقول تبا لهذا الربيع الذي يروي أيامه بالدماء ، كيف يمكنني أن أبعث في نفسك السكينة بعد كل كابوس يجتاحك في المنام ؟ وأنت تصرخين عاليا : (( أبي ... إمي ... أخي )) ، كيف أستطيع أن أرسم الابتسامة على شفتيك مجددا ؟ وشامك يقتتل عليها كتائب وجيوش نظامية وحرة ، وشيوخ من بلدان نفطية ، وشرذمة مرفهة تعيش في بلاد اوروبية ، بل إن شامك أصبحت ذريعة لاشتعال حرب عالمية ، يتنازع فيها النسر والدب والتنين  ، بعد تعميدها بالشمعدان السباعي ، فهنيئا لكم يا أمتي على خيبتكم وتضافروا في قتل بعضكم كما كان حالكم دائما منذ أيام الغساسنة والمناذرة ، فهؤلاء رفعوا راية الروم وهؤلاء رفعوا راية الفرس ، واليوم أنتم تعيدون الكرة ذاتها ، فعجبا من أمة لا تتعلم الدروس التي لم تتلقنها إلا بالدماء.  

الجميع أصبحوا مناضلين ومجاهدين ، وأولياء صالحين ، وسيرفعون راية مجد الأمة على جبل قاسيون ، فهم أصحاب ضمائر لا تفتأ ذكرا للحق ، وهم حريصون على حقوق الإنسان ، ويخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، بل إنهم يرفضون الظلم والمذلة والمهانة لأي شعب على وجه الأرض ، ويقفون بالمرصاد لكل الجبارين والمتغطرسين ، فالإنسان في عقيدتهم أغلى ما يملكون ، وحرية البشر ديدنهم وقسطاسهم المستقيم ، ولكن قبل الخوض بصفاتهم الحميدة ، أتمنى أن يجيبوني عن تساؤلاتي التي تذرفها الدموع :

فكم من الأطفال سيموت بعد ؟ وكم من النساء ستنتهك أعراضها ؟ وكم من الشيوخ سيذبحون كالشاة الجرباء ؟ وكم ... وكم ... وكم أيها القتلة المجرمون ؟ 

نامي يا عزيزتي ، فلكل ظالم يوم قصاص ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين رب العالمين حجاب ، وهذا هو إدراجي الذي أهديه لكل من تسبب في هدر دماء أبناء سوريا ، وأدعو العزيز الجبار أن ينتقم منهم ويذلهم ويخزيهم أجمعين . 

هناك 8 تعليقات:

  1. اللهم ااااااااااامين

    احسنت اخى الكريم
    وكلنا نشاركك الشعور والألم
    وندعو الله الواحد القهار ان ينتقم لابنائنا واخواننا ونسائنا بسوريا الحبيبة ويجعل كيد اعداءهم بنحرهم انه على كل شىء قدير

    حسبنا الله ونعم الوكيل

    احسنت ...احسنت بارك الله فيك وسلمت اناملك

    تحياتى الدائمة لك

    ردحذف
    الردود
    1. الأخت العزيزة ليلى

      هو ألم وقهر لا نملك معه إلا أن نحتسب وندعو بالفرج القريب ...

      أشكرك على كلماتك الدافئة ...

      لك مني كل الود

      حذف
  2. "فعجبا من أمة لا تتعلم الدروس التي لم تتلقنها إلا بالدماء." والله يا اشرف أمة لا تتعلم الدروس حتى بعد سفك الدماء

    ردحذف
    الردود
    1. أسيل

      يا أسفا على هذه الأمة المتعطشة دوما لدماء أبنائها :(

      لك مني كل الود

      حذف
  3. شامك شامنا يا ام الاولاد
    شامك شامنا وألمنا وحرقه قلبنا ....
    كوابيسك يا ام الاولاد تؤرقنا فنفزع من فراشنا وقد خنقتنا الغصات!
    ما عاد للكلام اي معنى امام الصيحات التي تستغيث ولا مجيب يلبيها !
    و ما عاد لاعمارنا اي قيمه امام الدماء التي تتفجر أمام اعيننا وليس لها من مغيث !
    ولا شيء اصعب علي الا شعور العجز هذا الذي يكتفنا ...
    ولم يبق لنا الا الله نستغيثه ليهلك الظالمين.

    اشرف...تدوينتك هذه لم تبق ولم تذر ,احسست بكل كلمه فيها كأنها سوط يجلدني من ايام المناذره والغساسنه الى ايامنا السوداء هذه....

    سلام للشام واهل الشام وتراب الشام وربنا يفرج كربهم قريبا ان شاء الله.

    ردحذف
    الردود
    1. نيسانة التدوين

      أبكتني كلماتك ... وغصت في قلبي عباراتك ... ماذا عساي أن أقول ؟؟؟

      ما عاد للكلام من معنى أمام ما يحدث يا نيسان :(

      لك مني كل الود

      حذف
  4. الله يارب يعينها ويصيرها على ما إبتلاها
    ترى حتى وإحنو مو شاميين ,لكنا بنتألم مثلهم بالزبط
    إشحال همه

    الله يفرجها عليها ويطمنلها قلبها ع أهلها يارب

    ويجيزك الخير اللي واقف بجنبها وعم بتخفف عنها
    أصيل,,

    ردحذف
    الردود
    1. أم عمر

      تسلمي يا رب ... فعلا ألمنا ووجعنا واحد ... يا رب يفرجها على هالامة ويهديها ...

      لك مني كل الود

      حذف