أحيانا تجد نفسك مندفعا إلى مواقف شديدة الحرج ، وتحاول جاهدا أن تبحث عن سبيل للخلاص غير المبرر لذنب لم تقترفه بالضرورة ، وأنت لا ينقصك الحياء ولا سرعة البديهة النافذة عبر المصادفات ، ولكن لا تدري إن كنت السبب المباشر أو غير المباشر في امتعاض كل فتاة لحظة خلوتها العاطفية ، وكأنها تود لو أن الأرض تنشق وتبتلعك في جوفها السابع ، بعد تواجدك كضيف ثقيل الظل لم يكن مدعوا في أي حال من الأحوال على مأدبة عشقية أعدتها لحبيبها المفترض .
فحين كنت تغط في سبات عميق قبل أن تتأهب الشمس للغروب بعد يوم عمل شاق ، أيقظتك رسالة غير متوقعة على هاتفك المحمول شبه المهمل ، يستجديك فيها صديقك الصيدلي كي تحضر إليه مسرعا في مناوبته الليلة ، لعلك تزجي عليه وحدته في جوف الليل الراكد ، وعندما تطرق باب الصيدلية شبه المغلق ، يستقبلك وهو يحاول جاهدا أن يخفي ملامح توتره التي لم تعلل أسبابها على وجه الدقة ، حين كان يستدرجك من حديث ويمضي بك إلى حديث آخر ، دون توجيه دعوة صريحة لك بالدخول إلى الحجرة الخلفية المتوارية خلف الصفوف المكتظة بعلب الدواء ، وفجأة ينبعث من هناك صوت أنثوي بسعال مفتعل ، وهو لايزال يسألك عن أخبار لا تعنيك على كل حال ، ولكنها كانت كافية لك كي تفهم الرسالة المخفية بين سطور الكلام المتواتر هنا وهناك ، فتودعه على أمل لقاء قريب ، بعد استعانته بكل الجمل المسبوقة بصيغ بلاغية للإعتذار عن سهرة استحالت فيها وحدته إلى ليلة حب كان فيها عاشقا وكنت فيها أنت العزول .
وبعد يوم وشبه ليلة ، تذهب في زيارة عائلية لتبارك نجاح ابنة شقيقتك على تفوقها في التحصيل العلمي لامتحانات الثانوية العامة ، وتجتمع في رفقة عائلية شديدة الازدحام ، فتبحث عن مكان لك للجلوس ، وتستكين راضيا في زاوية مهملة غير بعيد عن أحاديث لا ترغب في المشاركة بها كمنصت أو متكلم ، ولا يزال المهنئون يتوافدون ، حتى جاء أصغر أبناء شقيقك الأكبر ، متأبطا ذراع زوجة المستقبل ، ولقد هرع إلى مصافحتك والجلوس في الجانب شبه الخالي من المقعد الذي لم يكن شاغرا بعد ، مما كان سببا يدعو لكظم غيظ خطيبته وهي تضطر للجلوس على المقعد المقابل له ، وحينها تحاول جاهدا أن تقفل كل الأبواب المؤدية إلى أحاديث مشتركة بدافع الإشتياق غير المتبادل بينكما منذ أيام العيد المنصرم ، فنظرات خطيبته المشتعلة بنيران الغضب أحرقت بلهيبها الأرض من تحتك ، وأنت أصبحت في هذه الأيام معتادا على دور العزول الذي يرغمك عليه أقرانك من الرجال ، فتنسحب بهدوء غير مكتمل الحدوث ، وأنت تتعثر بأقدام تلك الفتاة وهي تنهض مسرعة للجلوس في مكانك ، ثم تخرج مودعا شقيقتك دون الالتفات خلفك ، ولا تدري أتضحك أم تبكي على دور العزول الذي يلازمك في هذه الأيام ؟