قبل بلوغنا موعد التكليف الشرعي في مواقيت أعمارنا ، كنا نتسابق في إتمام ركعتي السنة بعد سلام الإمام في صلاة الجمعة ، وكنا نزاحم المصلين عند أبواب المسجد كي يفسحوا لنا طريقا للخروج الذي ينقصه الكثير من الخشوع ، ثم ننطلق عدوا على الطرقات الإسفلتية كخيول جامحة بلا لجام يوقفها ، قاصدين السور الحجري الذي يرقد بجوار دكان الحارة ، لتكون جائزة السباق مشروب غازي لأولنا بنقود آخرنا ، ثم نتبادل الخطط في كيفية التملص من نزهة إجبارية مع أهلنا في موعدها الثابت من كل يوم جمعة ، لعلنا بذلك نتمكن من إقامة مباراة في كرة القدم مع أولاد الحارة المجاورة ، وما أن تجتمع الحشود وهي تتهيأ لصافرة البداية ، حتى نفر إلى منازلنا بعد أول نداء من أمهاتنا ، كي نساعد آباءنا في نقل متاع الرحلة إلى صندوق السيارة .
وبعد بضع أعوام ، وجدنا أنفسنا نطير مع الإمام إلى سقف قبة المسجد ، وهو يسرد لنا أمجاد تاريخ أمتنا ودولتها العظيمة التي طرقت أوروبا من أوسع أبوابها ، فلم نجد حينها في صدورنا حرجا بعد انقضاء الصلاة من السير برؤوس عالية الجبين ، فقد اتخمتنا الكلمات زهوا وغرورا وكبرياء ، وأصبحنا نعود إلى سور الحارة كالطواويس ، ولا نكترث إلى نداءات أمهاتنا ولو تتابع فيها التهديد والوعيد ، فنحن منذ الآن على موعد مع التاريخ ، وهو ينتظرنا لكتابة أسمائنا بين دفتيه ونحن نحرر فلسطين .
وزاد ميزان العمر بمثقال من أعوام أخر ، وانتصف بنا عمر الشباب إلى أول أرباع القرن ، وكبرنا خلف الإمام بعد تكبيرة الإحرام والقيام ، ونحن على ثقة بالنصر على أعدائنا في العراق ، وخرجنا في جماعة من المسجد نهتف بتراب بغداد ونخيل دجلة والفرات ، وحين وصلنا إلى سور الحارة ، كتبنا على جدرانه عبارات تشتم أمريكا واسرائيل ، وأحرقنا أعلامهما و داست أقدامنا بهما نواصي الشوارع الإسفلتية الثائرة ، ولما سمعنا نداءات أمهاتنا وهي تتوسلنا بالعودة إلى المنزل وتجنب الانزلاق في وديان السياسة السحيقة ، رفضنا الإذعان وطأطأة الرؤوس ، حتى أكملنا تكبيرات العيد ، واحتفل الأعداء بأضحية الرئيس العراقي المخلوع .
ثم ابتعد بنا العمر في دروب السنين والأيام ، وتعددت المنعطفات التي نسير بها إلى الصلاة ، فتفرقنا بين المساجد ، وعدنا إلى سور الحارة ، ليردد كل منا كلمات الإمام الذي ولاه أمره في التفكير والتدبير ، و شطرنا أنفسنا إلى شيع ومذاهب ما أنزل الله بها من سلطان ، وصافحنا أعداءنا ، وأعلنا الحرب على أنفسنا ، لنصبح في زمن الأخوة الأعداء ، وتتابع نحيب أمهاتنا في جنازات صنعناها بأيدينا في كل يوم جمعة ، فعذرا من عقوقنا لك يا دين الإسلام ...
ثم ابتعد بنا العمر في دروب السنين والأيام ، وتعددت المنعطفات التي نسير بها إلى الصلاة ، فتفرقنا بين المساجد ، وعدنا إلى سور الحارة ، ليردد كل منا كلمات الإمام الذي ولاه أمره في التفكير والتدبير ، و شطرنا أنفسنا إلى شيع ومذاهب ما أنزل الله بها من سلطان ، وصافحنا أعداءنا ، وأعلنا الحرب على أنفسنا ، لنصبح في زمن الأخوة الأعداء ، وتتابع نحيب أمهاتنا في جنازات صنعناها بأيدينا في كل يوم جمعة ، فعذرا من عقوقنا لك يا دين الإسلام ...