السبت، 31 يوليو 2010

( شارع الوكالات ) و أشياء أخرى

لا يجهد نفسه في التفكير مطولا حول كيفية تزجية الوقت في كل مساء ، فالبدائل والخيارات المتاحة أمامه واضحة المعالم ولاتبعث أية محاولات عابرة للحيره .

فما أن تسقط الشمس في أعماق جبال مدينته حتى ينطلق مسرعا إلى ( شارع الوكالات ) ليقحم نفسه بين غابات الأقدام التي تسير ذهابا وإيابا ، ويبدأ رحلة نظراته شبه الدائرية مابين فضول وترقب لمحاولات شديدة الحذر في تجاذب إعجاب متبادل مع امرأة أو في بث موجات ضحك مفتعلة عند الإجابة على مكالمة هاتفية كمحاولة لجذب انتباه العيون غير المكترثه .

أحيانا أثناء مطاردة عيونه لإحدى فريساته الأنثوية المحتمله ، تتقاطع نظراته بشكل غير مقصود مع فحول الصيادين الآخرين مما يجعله عرضة للوقوع في مشاجرة لا يدرك تماما حقيقة مسبباتها إلا بعد فوات الآوان .

نصحه العديد من الأصدقاء باتباع استراتيجيات متنوعة لكي يتمكن من اجتذاب إعجاب النساء ، فمنهم من نصحه بشراء قيثارة والتشبه بملوك الغجر الإسبان ، ومنهم من أشار عليه بعقد حلقات في زوايا الشارع لاستعراض مواهبه في الغناء ، ومنهم من أكد عليه أن مواهبه في تقليد الأصوات وبخاصة تلك المتعلقة بأصوات الحيوانات هي الوسيلة التي سيتمكن خلالها من اجتذاب المعجبات وذلك تطبيقا للمقولة الشهيرة : (( من السهل أن تجعل امرأة تبكي ولكن من الصعب أن تجعلها تبتسم )) .

ولكن بعد فشل كل تلك الاستراتيجيات قرر أن يتبع خطة جديدة كان قد سمع أنها نجحت في العديد من المناسبات ، تتلخص في ارتدائه لبدلة رسمية والجلوس في أحد المقاهي المتواجدة في الشارع ، ليبدأ بعدها مطاردة هاتفية ( بلوتوثية ) مع كل أسماء الإناث التي ستظهر في قائمة جهازه الخلوي ، ولكن حظه العاثر يلازم كل تحركاته ومحاولاته ، فقد اكتشف أنه كان يتبادل تلك الرسائل ( البلوتوثية ) مع شاب مثلي كان يتواجد في ذات المقهى .

قرر أخيرا التوقف عن كل المحاولات والاكتفاء بالجلوس على أحد المقاعد المزروعة في وسط الشارع ، ليبحر في خياله مع كل امرأة عابرة ويتمنى لو أنها تكون حبيبته حتى ولو للحظات ، كم كان يذرف الدموع عندما تحاصره مشاهدات متتالية لعشاق يتجولون أمام لوعة حرمانه ، فيتخذ قرارا في التوقف عن الحضور إلى هذا المكان ولايلبث أن يتراجع عنه سريعا بمجرد عبور أول امرأة تلوح أمام ناظريه خلف مواكب العشاق ، ليبدأ مجددا مشوار الخيال في تمثيل دور حبيبها المفترض .

الغشاء الذي يحيط عقول معظم الشباب كما يحيط السوار بالمعصم ويقف حاجزا بين أية انجازات محتملة للإبداع والتميز في أي مجال ، سببه الكبت المفروض عليهم في واقع مجتمع يفيض بالمتناقضات المتعددة ، فهو مجتمع منفتح ومنغلق بذات الوقت ، فيه نساء تمشي شبه عاريه وأخريات تمشي في جلابيب ، فيه أشخاص ينطلقون للصلاة في المساجد وآخرون يذهبون لقضاء الليالي الحمراء في الملاهي الليلة ، فيه أشخاص يتشبهون في لباسهم ومظهرهم وحتى بطريقة كلامهم بالغرب وآخرون يصرون على التشبث بهيئة العرب الأوائل المتوارثة عبر القرون ، ومن المفروض مشاهدة كل تلك المتناقضات و المحافظة على العقول ضمن منسوب متوازن والإدعاء بأن لنا هوية متميزة عن الآخرين ، أحقا لا زلنا نجهل سبب التصرفات غير السوية بين الشباب في هذا المجتمع ؟

القضية ليست قضية حريات شخصية بل هي قضية مجتمع لم يعد له من هوية واضحة المعالم ، مذبذبين نحن لا إلى الغرب ولا إلى الشرق ننتمي ، فمن نحن إذن ؟

الثلاثاء، 27 يوليو 2010

حديث المرايا

المشهد الأول :

توقف أمام المرآة بطريقة غير مسبوقة وهو الذي اعتاد تجنب المواجهات المباشرة بينه وبين المرايا ، كان يعتقد دوما أن أذنيه الممتدتين إلى منتصف رأسه ، ومقدمة أنفه الملامسة لامتداد بصره ، وشفتيه المتورمتين ، وعينيه الجاحظتين ، وجبهته العريضة ، وشعره الخشن الملتف ككرات خيوط صوفيه ، تختصر مسافات التردد أمام أية فتاة في رفض الإرتباط به .

المشهد الثاني :

ينتظر اللحظة التي يقف فيها أمام المرآة ليطلق العنان لكل موجات الغضب التي لا يجرؤ على البوح بها أمام تلك المرأة المتهكمة في سخريتها لأي قول أو فعل يصدر عنه ، فهو كالأسد يزأر أمام انعكاس طيفها في تلك المرآة ، التي تقف فيها أمامه مستكينة حد المذلة والإنكسار ، ولايغدو أكثر من هر يلوذ بالفرار أمامها خارج حدود المرايا إذا نطق بكلمة تعارض أقوالها ورغباتها .

المشهد الثالث :

يتراشق الشتائم دون توقف كلما نظر إلى نفسه في المرآة ، فهو على علاقة عاطفية مع أربعة نساء ، وقد تفوق في تمثيل دور الحبيب المفترض وفارس الأحلام المنتظر مع كل واحدة منهن ، ولكنه وبمجرد مغادرته للمرآة يشعر بسعادة مفرطة وهو يسمع هاتفه اللاهث بأشواقهن لسماع صوته .

المشهد الرابع :

لايتوقف عن الضحك في كل لقاء بينه وبين المرايا ، ففي كل يوم ينجح في اصطياد قناعات سيدة مخملية ، من خلال مهاراته الكلامية في الترويج لمجوهراته وبيعها لهن بأضعاف كلفتها ، بعد أن يطيل في وصف جمالهن وفتنة أنوثتهن المفرطة عند ارتداءها .

المشهد الخامس :

يطيل التأمل في صورته أمام المرآة ، وكأنه يستجديها للعودة به إلى ذلك العصر الذهبي لوسامته التي تهافتت عليها كل النساء ، ولكن الزمن لا يعود للوراء ، وهاهو يغدو وحيدا في شيخوخته ، فخوفه من الارتباط بأية امرأة في الماضي كي لا يخسر نجومتيه المطلقة على قلوب النساء ، هي ضريبة العزلة التي حان وقت سدادها بعد اعتقاده أن مندوب جباية الأيام لن يتمكن من العثور على مكان إقامته .

المشهد السادس :

كلما كان في زيارة خاطفة أمام المرآة يلملم ما تبعثر من معنوياته مع كل حلم يمضي ويعجز عن تحقيقه ، ولايجد سوى كلمات يتبادلها مع طيفه الحزين بضرورة البحث عن أحلام جديدة قابلة للتطبيق على أرض واقع الحياة التي ينقصه فيها قليل من الحظ والتوفيق .

المشهد السابع :

يقبل صورته كلما وقعت عيناه عليها في المرايا ، شديد الإعجاب بنفسه ، مقتنع بكل ما تمكن من إنجازه في مشوار حياته ، لاتنتابه أية هواجس في مراجعة ذاته والوقوف عند منعطفات أحداث كانت تحمل إشارات تحذير من الأشخاص من حوله بأنه يسير في دروب قرارات خاطئة .

السبت، 24 يوليو 2010

مشروع زواج جامعي

اثنتي عشرة سنة في التعليم المدرسي غير المختلط تعلل المجاعات العاطفية التي تبلغ ذروتها مع نهاية تلك المرحلة في حياة العديد من المراهقين ، ولذلك تكون الجامعة هي بوابة أحلام العديد من الشباب و الفتيات في إيجاد نصفهم الآخر الذي سيروي عطش سنين عجاف من رغبات متأججة في دهاليز الفطرة والغريزة التي يشعل نيرانها ذلك المناخ الذي بدأ يسود أيامهما في القدرة على التواصل دون حواجز ولاقيود .

ومرحلة المراهقة هي منعطف خطير جدا في حياة الإنسان ، فشخصيته لا تكون مكتملة النضوج ، وعواطفه من غير الممكن التحكم بمقدار اندفاعها ومدى استمراريتها وثباتها في مسار واحد ، فهي تكون عرضة للتغير المستمر مع كل يوم يمضي ، لأنها مرحلة اكتشاف للعقل الذي لا يملك العديد من التجارب والخبرات السابقة في معترك الحياة .

المراهق لا يدرك هذه الحقيقة لاعتقاده أن التغيرات الفسيولوجية ( الجسدية ) المرافقة لمرحلة بلوغه تعني اكتمال معرفته وخبرته ، مما يدفعه إلى المضي في دروب قرارات قد تتسبب في غرق مستقبله فيما بعد في بحر الفشل إذا لم يجد من يوجهه ويقدم له النصح والإرشاد ممن سبقوه في التجارب والسنوات .

وبالطبع لا تقترن النصيحة التي تقطف ثمارها مع المراهق بمحاولة إقناعه بحبس تلك الطاقات الهائلة المندفعة كحمم البركان ولكن تكون من خلال رسم ملامح المكان الصحيح الذي يمكن أن يحتويها دون حدوث أية أضرار جسيمة .

و أعتقد أن من أبرز المشاكل التي يعاني منها المراهقون في تلك المرحلة هي في عدم تمكنهم من تحديد أشكال وقوالب قنوات الإتصال بين ذكورهم وإناثهم .

ومن خلال تجربتي الجامعية الممتدة لقرابة سبع سنوات مابين مرحلة (( البكالوريوس والماجستير )) في الجامعة الأردنية التي تتميز بكثافة عدد طلابها وتنوع واختلاف البيئات التي تشكلت فيها شخصياتهم ، وجدت أن تلك المشكلة في طريقة الإتصال تتسبب في ذلك التشتت والتخبط في تحديد أولويات القرارات المستقبلية للعديد من الطلاب .

سأتحدث بشكل موجز عن مختلف الفئات التي صادفتها في حياتي الجامعية وعن قوالب قنوات الإتصال التي تشكلت فيما بينهم :

- القادمون من المدارس المختلطة أو بمعنى آخر من لم تكن أجواء الاختلاط حدثا جديدا في حياتهم ، حيث لاحظت أن المرحلة الجامعية لم تكن سوى امتدادا للأجواء التي كانوا يعيشونها بالسابق فالعلاقات بينهم لا تتجاوز حدود الزمالة والصداقة في أغلب الحالات وهذه الفئة مرتبطة بالطبقة العليا في المجتمع من أصحاب الثروات والنفوذ .

- القادمون من الطبقات المتوسطة ومنهم من انخرط بالفئة السابقة بكل يسر وسهولة نتيجة لاجتهاده الملحوظ الذي كان سببا في إزالة الحواجز الطبقية التي تفصله عنهم ، وهنا كان أساس العلاقة قائما على مبدأ المصالح المتبادلة بين منفعته المادية ومنفعتهم في استغلال تحصيله الدراسي ولكن هذا الاختلاط بين الطبقتين كان يؤدي في بعض الأحيان إلى نشوء علاقة عاطفية بسبب اختلال توازن نمطية المشاهدات بينهما مما كان يؤدي إلى الانجرار وراء أحاسيس التعلق بتلك الاختلافات التي لا تلبث أن تنتهي سريعا مع مرور الوقت و الغوص في أعماق الشخصيات فتنتهي اللهفة والإندفاع وتفتر تلك المشاعر تدريجيا لتعود أدراجها إلى مرحلة نمطية تتوقف عندها .

- القادمون من الطبقات الدنيا وهي فئة منغلقة على ذاتها بشكل كبير ولكن ما أن تحدث حالة يتم فيها الحديث بين شاب وفتاة من ذات الطبقة أو مع الطبقة الوسطى والعكس صحيح حتى تبدأ قصة حب عنيفة بين الطرفين وهذا أمر طبيعي جدا لأن ذلك التعلق ينتج أساسا من عدم وجود أية خبرة لديهما في طريقة التعامل مع الآخر ولذلك يتصرفان بفطرتهما ومشاهداتهما المختزنة في ذاكرتيهما عن طبيعة شكل العلاقة التي تربط الذكر بالأنثى و المتأتية بالأساس من صورة علاقة والديهما في المنزل ، وهنا تبدأ الأحلام والمشاريع المستقبلية التي تنحصر في الزواج والتي تستحوذ بشكل مطلق على تفكيرهما ومع أننا في الأردن لم نصل بعد إلى المراحل الخطيرة التي وصلت إليها بعض البلاد العربية في انتشار الزواج العرفي بين طلاب الجامعه ولكن هذا لا ينفي أن شبابنا وفتياتنا يعانون كثيرا من اختلاط المفاهيم مابين منظومة العلاقات التي تجمعهما في تلك المراحل العمرية غير الناضجة .

خلاصة القول أنني لا أؤمن بعلاقات الحب في المرحلة الجامعية ولا أتوقع لها استمرارية بأي شكل من الأشكال إلا في حالات نادرة جدا ، وبذات الوقت فالحب هو الالتزام أمام الطرف الآخر قبل أي شيء ، ولذلك فمن غير المعقول أن يتمكن الشخص في هذه المرحلة من تحقيق ذلك وهو لايزال قاصرا عن الإنفاق على نفسه و طبيعة مشاعره لاتزال متذبذبة وعرضة للعديد من التقلبات السريعة المرتبطة بالتعلق الذي يرافقه الملل بعد فترة قصيرة جدا ، وهذا إنما يؤكد على أن تلك المشاعر ليست بحب ناضج وإنما هي نزوات شبابية سريعة الزوال .

الخميس، 22 يوليو 2010

أهداف مستقبلية

وقعت ضمن اختيار نيسانة المدونين للكتابة عن أصعب موضوع في حياتي ضمن هذه المرحلة تحديدا ، فصورة المستقبل أمامي مشوشة جدا ولم أعد أستطيع التخطيط لها بشكل جيد كما كنت أفعل بالماضي ، لا أريد أن أقول أنها حالة إحباط عام بدأت تعصف بأيامي خلال هذه الفترة ولكن سأقول أنها هدنة لأجل غير مسمى بيني وبين عقلي الذي تراوده آلاف الأفكار يوميا في تحديد مسار حياتي خلال قادم الأيام .

سأضع أربع نقاط ولن استطيع أن أصفها بالأهداف بل هي أقرب ما تكون ضرورات ملحة تتطلبها المرحلة القادمة حتى تواكب عجلة أيامي سيرها دون تعثر :

1- تسديد التزاماتي لدى البنوك والتي قطعت شوطا كبيرا فيها .

2- البحث عن بيئة عمل مستقرة بعيدا عن البورصة وتقلبات أسعارها المجنونة .

3- مصالحة ذاتي والتوقف عن التشبث بمحطات الندم على مشوار حياتي خلال السنوات العشرة الماضية والتي تسكن تفكيري طوال الوقت مما يؤثر بشكل سلبي على قدرتي في رسم أية أهداف واضحة للمستقبل خوفا من تكرار ماحدث في تلك السنين .

4- وفي النهاية أعتقد أنه لابد من أن أتمكن من إجابة سؤال هام جدا حتى أستطيع النجاح في مساق مادة الحياة ، ألا وهو ماذا أريد من الحياة ؟


استسمحك عذرا يا نيسانة المدونين فأعتقد أنني كنت أكسل طالب لديك في هذا الواجب الجميل :)

ولكني في هذه الأيام صدقا لا أردد إلا ما قاله الشاعر السوداني الكبير الهادي آدم (( قد يكون الغيب حلوا إنما الحاضر أحلى )) .

وأخيرا فالدعوة عامة لكل من يقرأ هذا الإدراج إذا رغب في مشاركتنا بأهدافه المستقبلية قبل مونديال البرازيل في عام 2014 :)

الثلاثاء، 20 يوليو 2010

ميزان العواطف


ترتبط العلاقات وبخاصة بين الرجل و المرأة بما يسمى بميزان العواطف ، والذي غالبا ما لاتتساوى كفتيه بينهما ، ولكن هل بالضرورة أن يكون رجحان الكفة لصالح أحدهما دوما ؟

لا أعتقد أن هنالك قاعدة عامة يمكن تعميمها في هذا الصدد ، فبعض العلاقات تميل فيها الكفة لصالح عواطف المرأة وعلاقات أخرى تميل لصالح عواطف الرجل ، ولكن هل هذا يعني أن مقدار العواطف التي تحتويها قلوبهما لا تكون عادة بنفس المقدار ؟

في الواقع ليس بالضرورة أن لا تتساوى العواطف المختزنة في القلوب والتي قد لا تظهر بشكل مباشر في تلك العلاقات ، ولكن الحالة الأكثر شيوعا تتعلق بإخفاء تلك العواطف ومحاولة عدم إظهارها بسبب اقتناع أحد الطرفين أن ذلك مؤشر على الضعف أمام الشريك ، وهذا ما يؤدي في أغلب الأحيان إلى عدم تساوي كفتي ميزان العواطف بينهما.

تقول سيدة الأدب العربي أحلام المستغانمي : (( إن على الرجل إذا أراد الاحتفاظ بأمرأة أن يوهمها أنه في أي لحظة يمكنه أن يتخلى عنها ، أما المرأة فعليها أن تكون قادرة على التخلي عن أي شيء لتحتفظ بالرجل الذي تحبه )) .

ولكن ماذا لو عكسنا مقولة السيدة أحلام وقلنا : (( إن على المرأة إذا أرادت الاحتفاظ بالرجل أن توهمه بأنها في أي لحظة يمكنها أن تتخلى عنه ، وأما الرجل فعليه أن يكون قادرا على التخلي عن أي شيء ليحتفظ بالمرأة التي يحبها ))؟

أيتحقق بذلك مقولة الأديب والصحفي المصري الكبير أنيس منصور : (( المرأة كالبحر ، مطيعة لمن يقوى عليها ، جبارة عاتية لمن يخاف منها )) ؟

لماذا لابد أن يكون هنالك حلقة أضعف في علاقات الرجال والنساء ببعضهما ؟

هل السبب أن الجبال الشامخة القوية لا تلتقي ؟

وماذا لو تم إظهار العواطف من قبل الطرفين بذات المقدار ؟ هل سيكون ذلك مؤشرا على عدم نجاح العلاقة واستمراريتها ؟

أم أن الذي يحدث حقا أن رجحان كفة ميزان العواطف لأحدهما هي مايجبر الطرف الآخر على الاستمرار في تلك العلاقة كنوع من الشفقة أو الالتزام الذي لا يمكن الانفكاك منه بسهولة ؟

إن تساوي كفتي ميزان العواطف بين الرجل والمرأة هو أمر في غاية الأهمية لأنه ومع مرور الوقت سيبدأ الشعور بالملل يتسلل إلى صاحب الكفة الأرجح وبالتالي دخوله في سجن فراغ عاطفي يتمنى الانعتاق منه في كل وقت وحين ولن تغني كافة مظاهر الرفاهية التي قد تتوافر في ذلك السجن من الشعور الدائم بالرغبة في الخلاص منه للبحث عمن يقدر تلك العواطف ويصونها ويبادلها بذات القوة والاندفاع .

السبت، 17 يوليو 2010

صراع العقل والقلب

في كل دورة للكرة الأرضية حول الشمس ، يناظر ساعته بتمعن شديد ، ويحث عقاربها مع بداية كل نهار على القفز فوق حواجز الخانات الأحادية ، فسبع ساعات فرضتها جغرافية خطوط الطول الوهمية بين بقاع الأرض وأقطابها الشمالية والجنوبية كانت تقف كالمتراس أمام أشواقه التي تنتظر شروق الشمس في أرض محبوبته .

كيف يزجي عجلة الوقت في دروب الانتظار بعد أن رفضت الشمس كل محاولاته في استجداء عطفها لتوقظ عيون حبيبته التي لا تزال نائمة تحت ضوء القمر ؟

فيقرر الذهاب في سبات عميق مع ذاكرته التي أعلنت أنها أصبحت انتقائية ، أمام تفاصيل أحداثهما العشقية ، في توحد غير مسبوق مع حاسة السمع التي لا يملك سواها في عبور القارات التي تفصل بينهما .

لطالما كان يؤمن بتلاقي الأرواح قبل الأجساد ويجزم بأن المحبة الحقيقة تتدفق كالبحر بين شواطىء القلوب مهما كان لسلطان بُعد المسافات من قيود .

كم كانت تبادره بسؤال يعجز دوما عن إيجاد إجابته النموذجية في سر حبه وتعلقه بها إلى هذا الحد العشقي المتطرف على الرغم من عدم احتواء أية بقعة أرضية لهما في مكان واحد ، فيجيبها أن الأذن تعشق قبل العين دوما عند الحديث عن الحب الأسطوري الذي ليس له من حدود .

فتقول له مبتسمة : (( أنت مجنون )) ، فيجيبها على طريقة (( فريدريش نيتشه )) قائلا : (( دائما ما يوجد بعض الجنون في الحب، لكن دائما ما يوجد بعض المنطق في الجنون أيضا )) .

فتبتسم مجددا لتقول له : (( أتجتمع لديك الحكمة والجنون في آن واحد )) ، فيقول لها : (( خذي الحكمة من أفواه العاشقين )) .

فتصمت عن الكلام لتعانق مسامعه بتنهيدات حزينة كأيامه ، لاتلبث أن تتحول إلى آهات غير مسموعة لعصفورة تم احتجازها في قضبان واقع الحياة التي يعجز هو عن تحرير أقفالها لتتمكن من الطيران بحرية في سماء السعادة المسلوبة رغما عنهما .

ولكنه يقطع ذلك الصمت قائلا : (( لا تحزني يا مليكتي الآن ، فالقلب لايتسع لكل هذه المساحات من العذاب في أوقات وهبتها لنا الأقدار لكي نقتات فيها من السعادة التي قد لاتتكرر مجددا في صفحات أيامنا إذا تمكن اليأس في حبنا من اغتيال الأمل )) .

يستيقظ بعدها من غفوة ذاكرته على صوت عقارب الساعات السبع التي أكملت دورتها ، فتتحسس أصابعه الطاولة بحثا عن الهاتف ، وتستجدي أزراره في الإسراع بقرع أجراس هاتفها ، وأنفاسه المحمومة بنيران الأشواق تتصاعد اشتعالا عند سماعه لصدى قرع أجراس تمضي وليس لها من مجيب ، ولكنه يتشبث بالأمل عند بداية المحاولة الرابعة والتي يعلم تماما أن نهايتها هو الرضوخ لأوامر سيدة ستطالبه بالتوقف عن محاولاته في قرع الأجراس ليترك للقلب الذي يطلبه رسالة صوتية ، ولكن صوت حبيبته سبق صوت تلك السيدة ، فيرقص قلبه رقصة (( زوربا )) ولكن بجنون الفرح وليس بجنون الحزن وبنشوة الانتصارات وليس بفجائع الهزائم التي تفرضها واقعية الحياة ، فيقول لها مبتسما : (( صباحك سكر )) .

دائما هنالك صراع مابين العقل والقلب ، وليس هنالك من سفاح يحترف قتل الحب مثل العقل الذي يخضع دائما لمقاييس المنطق والواقعية ، فكم من الأحلام العشقية التي يتم إجهاضها في رحم السعادة قبل ولادتها ، وكم من الأماني التي تغيب شمس الإرادة عن سماء إنجازها ، وكم تتسع مساحات التصحر العاطفي في نفوس ارتوت على مياه العقول عند زراعة مستقبل أيامها ، ولكن سيبقى التساؤل مطروحا أمام كل رجل وامرأة عن مذاق طبق السعادة الأطيب ؟ أهو من اختيار القلب أم اختيار العقل ؟

الثلاثاء، 13 يوليو 2010

الصداقة والحب

أحقا ليل العاشقين نهار ؟

وكيف لا وقد توالت الليالي النهارية على (( عادل )) بعد أن أكمل العقد الرابع من عمره ، هو لم يعد يخشى الكوابيس التي كانت سببا دائما في استيقاظ والدته مذعورة في منتصف الليل على صراخ أوجاع وحدته ، فقد رفع النوم الراية البيضاء أمام جيوش نوبات الأرق التي اغتصبت كل شبر في تفكير (( عادل )) وعقله .

والدته التي باتت تستيقظ على صوت مؤذن المسجد في فجر كل يوم وهو ينادي : (( الصلاة خير من النوم )) وليس على صوت ولدها الذي كان يصرخ في كل ليلة من وطأة كابوس مزعج ، أصابها من الحزن ما تعجز عن حمله الجبال ، وهي تجده يمتنع عن إجابتها عن رفيق درب لياليه الجديد والذي كانت صحبته سببا في تطابق نهاره وليله لايفرق بينهما سوى الشمس والقمر والنجوم .

بماذا سيجيبها ؟

أيقول لها أنه يعشق فتاة تصغره بخمسة عشر عاما ؟

أم يقول لها عن عجزه في مصارحة تلك الفتاة برغبته في الارتباط بها خوفا من أن ترفضه وتقضي على مابقي في عمره من أحلام سعادة تمنى مشاهدتها مكتوبة في كراسة قدره ونصيبه من هذه الدنيا ؟

لكنه و بعد سماع بكاء والدته وهي تبث شكواها إلى رحمان السماوات والأرض مع خيوط ساعات الفجر الأولى بأن يزيل عن ولدها ما أصابه من الهم والغم ويرزقه راحة البال والنوم ، حتى اتجه مسرعا بعد صلاتها إلى ربوع أحضانها الدافئة وأغرق صدرها بدموعه التي انحبست في سماء عيونه منذ زمن طويل .

(( لا تحزني يا أمي فأنا عاشق من رأسي وحتى أخمص قدماي ، ولكني عاجز عن التحلي بشجاعة الفرسان ولم أتعلم فنون الحروب على قلوب النساء ، وسيف قلبي بكى من كثرة مكوثه في غمده حتى أصابه الصدأ وأصبح عاجزا عن إصابة قلب نمله )) .

وبفطرة الأم الدائمة التعصب لأولادها : (( يا ولدي أنت سيد الشباب ، من هي الفتاة التي لا تتمنى الارتباط بك ؟ )) .

كلام والدته بث فيه نشوة محارب امتطى مجددا صهوة جواد ثقته بنفسه ، فهل يغير على ساحات وغى الإعتراف التي لم يكن يجرؤ على الاقتراب منها ؟

وفي اليوم التالي وبمجرد وصوله إلى عمله قرر أن يذهب إلى مكتبها ويعترف لها برغبته بالارتباط بها ، وفعلا ذهب إليها وبعد عدة طرقات لباب الأمل والأحلام ، أذنت له بالدخول مستقبلة أياه بابتسامة ارتسمت على ثغرها كانت كفيلة بجعل نبضات قلبه تتصاعد في إيقاعها حتى وصلت جوف حلقه ، أما صوتها الدافىء كشمس الشتاء فلم يتمكن من إيقاف رعشات جسد (( عادل )) وهي تسأله عن أخباره وصحته .

غرق (( عادل )) في بحر عينيها وعجزت كلماته عن ركوب أمواج الاعتراف بعشقها ، ولكنه بدأ يتذكر كلمات والدته ليستمد منها القوة والجرأة فيعرض عليها فكرة الزواج ، وقبل أن يتلفظ بأي اعتراف ، تبادره قائلة : (( أنت لست مجرد زميل بل أنت صديق أيضا ، ولذلك أود أن تساعدني باتخاذ قرار مهم جدا في حياتي ، ما رأيك بزميلنا نبيل ؟ فقد عرض عليي الزواج )) ، انهار برج الأحلام والأماني في قلب (( عادل )) بطائرة كلماتها التي فاقت سرعتها مجالات عشقه الدفاعية ، ولكن أنينا من تحت الأنقاض رفض الاستسلام قائلا : (( نبيل شاب مهذب وخلوق ، ولكن أنا جئت اليوم إليك لذات السبب ، فمنذ فترة طويلة وأنا أود الاعتراف لك بأنني أرغب بالارتباط بك )) ، مجددا يبستم ثغرها كالنهر العذب الذي يحجز مياهه أمام ظمأ قلب (( عادل )) لتقول له : (( فلنبقى أصدقاء )) ، ولكن (( عادل )) يودعها بمقطوعة موسيقية حزينة كأيامه قائلا : (( غالبا ما تتحول الصداقة إلى حب ، لكن يستحيل أن ينزل الحب إلى درجة الصداقة )) .

دائما مايتم استخدام مصطلح الصداقة عند الرغبة في الهروب من مشروع حب او ارتباط محتمل ، بل ويتم استخدامه أيضا عندما يرغب الرجل أو المرأة في التخلص من علاقة قائمة ، ولكن أحقا يستطيع العاشق أن يتحول إلى صديق ؟

أما من ارتبطت علاقتهما بالصداقة في البداية ، فيحدث أحيانا أن تتطور وتصل إلى درجة الحب ولكن قد تكون تلك الحالة هي بداية النهاية ، فكم من الرجال والنساء كانت علاقة الصداقة بينهما ناجحه وكم أصبحت تلك العلاقة فاشلة عندما تحولت إلى حب ، وكم يحضرني في هذه اللحظات مطلع قصيدة الشاعرة الكويتية الكبيرة سعاد الصباح والتي تغنت بها ماجدة الغناء العربي : (( كم جميل لو بقينا أصدقاء )) ، فهل حقا من الصعب أن تجتمع الصداقة والحب في شخص واحد ؟

السبت، 10 يوليو 2010

المرأة الأسطورية

في حياة كل رجل امرأة أسطورية لا تتكرر أبدا ، وسعيد الحظ هو من تبتسم له الأقدار عند لقائها ، لترسو سفينته بسلام في ميناء عينيها .

ولكن من هي تلك المرأة الأسطورية ؟

هي امرأة تجعل نيران الأشواق في قلب الرجل دائمة الاشتعال في حضورها وغيابها على حد سواء .

هي امرأة لديها قدرة عجيبة في التحكم عن بعد بحاسة البصر لدى الرجل فيصبح كالكفيف عند مصادفة أية امرأة أخرى .

هي امرأة تتمكن من زرع الابتسامة فوق شفتي ذلك الرجل حتى وهو في قمة غضبه وحزنه من نوائب الدهر التي تصيبه .

هي امرأة لايقتنع الرجل أبدا مهما فعل لأجلها أنه أجاد التعبير عن مدى محبته وعشقه لها .

هي امرأة مع كل كلمة تنطقها تسافر بالرجل إلى بلاد فردوس ما وطأتها أقدام بشر .

هي امرأة بارعة في إزالة غبار أية حفنة ملل قد تعرف طريقا إلى محبة ذلك الرجل لها .

ولكن هل هذه المرأة الاسطورية تنحصر في فئة محددة من النساء ؟

كلا فجميع نساء الأرض أسطوريات ولكن تختلف قلوب الرجال في تحديد المرأة الأسطورية في حياتهم ، وليس صحيحا أبدا أن بعض الرجال ليس لديهم قلوب تعشق بجنون ، ولكن مايحدث مع هؤلاء الرجال هو أن الأقدار لم تكتب لهم فرصة اللقاء بتلك المرأة الأسطورية .

ولذلك فهنالك العديد من الرجال قلوبهم قاسية كالحجارة لأن تلك المرأة الأسطورية لم تحضر لتقلب كل الموازين وتغير مجرى تاريخ حياتهم ، ليس هنالك من رجل لم يتمنى تلك المرأة في حياته ، ولكن الواقع دائما يفرض نفسه على الرجال وقليلون منهم من تبتسم له الأقدار في اللقاء والارتباط بتلك المرأة الاسطورية .

وأعتقد أن فرصة حدوث اللقاء بتلك المرأة الأسطورية هو أمر أكثر شيوعا من حدوث فرصة الارتباط ، فدائما تأتي الأقدار بعكس رياح الأماني والأحلام ومن هنا تبدأ مأساة الرجل ، وهنا يقول البعض أن طبيعة النفس البشرية أمام أي أمر تعجز عن الوصول إليه يصبح أسطوريا ، ولكن الوصول إلى المرأة الأسطورية ليس كمتاع الدنيا الأخرى من عز ومال وجاه ومنصب وصحة وعافية ، بل المرأة الأسطورية هي خير متاع الدنيا والذي معه يظل الرجل في ربوع سعادة ليس لها حدود .

ولذلك عندما قال الأديب والصحفي المصري الكبير أنيس منصور : (( الحب الحقيقي كالأشباح ، كثيرون يتكلمون عنه و قليلون منهم رأوه )) كان محقا تماما في مقولته تلك ، لأن الرجل لايمكن أن يعترف بالحب والاستسلام إلا أمام تلك المرأة الأسطورية .

الثلاثاء، 6 يوليو 2010

حرب غير متكافئة على قلب امرأة

(( يتمنى الرجل دائما أن يكون الأول في قلب المرأة بينما تتمنى المرأة أن تكون الأخيرة في قلب الرجل )) بتلك الكلمات قطع لحظات الصمت التي سادت جلستهما بعد العديد من الأسئلة التي توالت عليه منها وهي تسأله عن سبب صمته المفاجىء ، وماكانت تلك الكلمات التي قالها سوى سببا في المزيد من حيرتها عما يجول في خاطره .

هي لا تدرك مقدار محبته وعشقه لها على الرغم من إنه يدري أن موت خطيبها السابق لايزال يطارد سعادتها التي لا تكتمل معه بمجرد أية مداعبة لذاكرتها التي ترفض الانعتاق من سجن الماضي .

كم نصحه الأصدقاء قبل التقدم لخطبتها والذين شهدوا تفاصيل رواية عشقها الكبير وحزنها الأكبر عند وفاة ذلك الشاب ، ولكنه رفض الاستماع لهم وتشبث بأشعار نزار وتغنى بها على أنغام الساهر قائلا : (( أتحدى كل من إلى عينيك يا سيدتي قد سبقوني )) .

كان يتجنب كل منعطفات ذاكرتها ويحاول أن يرسم معها أياما أجمل لعمر لم يولد بعد ، فهو قد استبدل تاريخ شهادة ميلاده بيوم خطبته عليها بينما هي ارتبطت به بتاريخ لا يزال مجهول المعالم على خارطة الوقت ولكنها كانت دائما تشعر بالأمان والراحة وهي معه .

كثيرا ما كانت تتلعثم في تلفظ اسمه وذلك لأن قلبها كان يصر على إجبار لسانها على مناداة الماضي في كل لحظة وحين ، وهي كانت تحاول جاهدة أن تضع الحواجز والقيود أمام مقصلة صوتها التي توشك دائما على تنفيذ حكم الإعدام لقلبه المتيم بعشقها .

كم كان يكره ذلك الدفتر الأحمر الذي لايفارقها أينما ذهبت والذي تحتفظ فيه بكل خواطرها وأشعارها التي كتبتها لذلك الشخص الذي يفرض حضوره في أية جلسة تجمعهما ويكون شريكا ثالثا يقطع أية خلوة عاطفية محتملة الحدوث بين قلبيهما .

هل كان اليأس الذي بدأ يتسلل إليه من شرفة الحب المستحيل ؟ أم أنه قال تلك الكلمات محاولا مواساة قلبه الذي لم يعد قادرا على مقاومة عشقها الذي يرفض تغيير مسار وجهته ؟

ولكنها وبشكل مفاجىء تقول له : (( أحقا تغار من رجل ميت ؟ )) فأجابها بشجاعة المحارب الذي يرفض الاستسلام على الرغم من إدراكه للحظة هزيمته : (( بل أغار من قلبي الذي وحده يحبك أكثر مني )) .

الكثير من الرجال يعانون من هذه المشكلة عند ارتباطهم بفتاة سبق لها الزواج أو الخطبة من شخص آخر وبخاصة إذا كان هنالك فرص محتملة للقاءات اجتماعية تفرضها الظروف في بعض الأحيان ، وفي الواقع أن المرأة تعاني في هذا الموضوع بشكل أكبر من الرجل ، والسبب أن بعض الرجال يصور لهم خيالهم أمورا لا تكون سوى أوهام وظنون أن المرأة لايزال في داخلها مشاعر دفينة لذلك الشخص السابق والحقيقة أنها تحاول جاهدة لكي تثبت للرجل طوال الوقت أنها بريئة من تلك الظنون والأوهام التي تقطن في عقله .

وأعتقد أن بعض النساء لديهن ميول تشابه لحد كبير تلك النوعيات من الرجال في حال كان الموقف معاكسا ، ولكني أعتقد أن المشكلة تكمن وبشكل رئيس في ثقة الشخص بنفسه وبقدراته في فرض هيمنة محبته على قلب الطرف الآخر وذلك فإذا كان الشخص الذي يرغب بالاقدام على خطوة الزواج من امرأة سبق لها الارتباط ولايجد في نفسه أنه يمتلك أسلحة الثقة بالنفس في جعل عصره ذهبيا في حياتها ، فمن الأفضل له أن لايقترب من تلك النيران التي لايستطيع إخمادها بدلا من أن تحرقه وتحرقها .

الجمعة، 2 يوليو 2010

شهريار وجحا


قبل عدة أيام شاهدت فيلما مصريا بعنوان (( زي النهارده )) تدور أحداثه حول فتاة لاتكتمل فرحتها في الزواج من الشخص الذي أحبته بسبب وفاته ، وبعد ذلك تبدأ حياتها من جديد وتتعرف على شخص آخر يعرض عليها الزواج ولكنها كانت تلاحظ أمرا غريبا في أن الأحداث التي حصلت مع الشخص الأول تتكرر و بشكل مطابق جدا للأحداث التي تحصل مع الشخص الثاني فتصبح في حالة فزع وخوف شديدين أن تتكرر المأساة من جديد ويموت هذا الشخص أيضا .

لا أريد الخوض في أحداث الفيلم بالتفصيل ولكن ما أود التوقف عنده هو ذلك المشهد الذي تذهب فيه بطلة الفيلم لمقابلة أستاذ جامعي يشرح لها من خلال بعض الأمثلة التاريخية أن بعض الشخصيات تتكرر عبر الزمن وتحمل نفس الأفكار وتكون غالبا نهايتها بنفس الطريقة ومن تلك الشخصيات الشهيرة التي ذكرها (( نابليون وهتلر )) واللذان كانا يحلمان باحتلال العالم ولكنهما انهزما في نفس المكان وهو روسيا وكانت نهايتهما واحده وهي الانتحار ، وكذلك التشابه الغريب بين الرئيسان الامريكيان (( لينكون وكنيدي )) حيث يفصل بينهما في تاريخ تسلم الرئاسة الامريكية مائة عام حيث تم انتخاب لينكون في عام (( 1860 )) بينما تم انتخاب كيندي في عام (( 1960 )) ، كلاهما تورط بأمور عنصرية ضد الأمريكان الأفارقة وكلاهما أعلن رغبة في إحلال السلام بالعالم وكلاهما قتل في يوم جمعه وبرصاص من الخلف و في مكان عام كان يحمل نفس الإسم حيث مات (( لينكون )) في مسرح يدعى (( فورد )) أما (( كيندي)) فقتل أثناء تواجده في سيارة من نوع (( فورد )) .

هذا التشابه بين الشخصيات في الأفكار والمعتقدات وحتى في النهايات المشتركة التي تجمعها ليس موجودا في الغرب فقط بل هو موجود في عالمنا العربي أيضا ولكني في هذا الإدراج سأعرض أمثلة تتعلق بشخصيات من عالم الرجال والتي لا تزال تتكرر على الرغم من اختلاف الزمن ومضي القرون والأيام ولكنها حتما موجودة ولكن اختلفت فيها الأسماء فقط .

الشخصية الأولى (( الملك شهريار )) والذي بعد اكتشافه لخيانة زوجته وقتله لها قرر أن يتزوج في كل ليلة فتاة من مدينته ويقطع رأسها في الصباح انتقاما من كل النساء ، هذه الشخصية والتي قد يقول البعض أنها خيالية ولم تكن موجودة في ذلك الزمان تفرض نفسها وبقوة في عصرنا الحديث بين العديد من أنماط الرجال الذين إذا تعرضوا لموقف خيانة من امرأة ما ، يطلقون الحكم على أن جميع النساء كذلك ويبدأون بأذيتهم دون أي وجه حق من خلال التلاعب بمشاعرهم وأحاسيسهم و من ثم إذلالهن وبكل قسوة لإشباع تلك الرغبة المريضة في الانتقام من صورة تلك المرأة الخائنة .

الشخصية الثانية (( الشاعر عمر بن أبي ربيعه )) والذي كان شديد الاعجاب بنفسه حيث كان دائما يصور في أشعاره على أنه معشوق النساء وليس عاشقهن فيتهافتن عليه ويتنافسن في طلبه ، وبالطبع هذه الشخصية أيضا متواجدة وبقوة في مجتمعنا وكم صادفت في حياتي من تلك الأنماط التي ينحصر حديثها وبشكل دائم باستعراض البطولات في عشق النساء وهيامهن من أول نظرة من عيون تلك الشخصية الاستثنائية والتي أينما وطأت تكون محط أنظار النساء .

الشخصية الثالثة (( كليب بن ربيعة التغلبي )) والذي بعد أن اختاره قومه ليصبح ملكا عليهم أصبح مغرورا جدا بنفسه واعتقد أنه ليس له مثيل في الدنيا بالفروسية والشجاعة وأن قومه بدونه ليس لهم أي عز ولاكرامه وهذا الزهو الشديد بنفسه تحول إلى ظلم وجور وغطرسة على كل من حوله حتى كانت نهايته القتل على يدي شقيق زوجته ، بالتأكيد هذه الشخصية من الشخصيات الشائعة جدا في مجتمعاتنا وتتكرر بشكل دائم ، فمثلا بعض الاشخاص إذا تولى منصبا ما يصبح تماما (( ككليب )) شديد الغرور والإعجاب بنفسه ولايتورع عن أذية أقرب الناس إليه إذا حاول أحدهم التقليل من شأنه أو نقده في أي أمر من الأمور ، تماما كما فعلت (( جليله زوجة كليب )) عندما مدحت شقيقها (( جساس )) أمام زوجها .

الشخصية الرابعة (( الحجاج بن يوسف الثقفي )) تلك الشخصية الجدلية التي جمعت بين الجبروت والظلم وسفك الدماء وبين كثرة تلاوة القرآن وتجنب المحارم ولكن ما أود التوقف عنده في شخصية (( الحجاج )) هي العلاقة الغريبة والعجيبة التي كانت بينه وبين أهل العراق فقد أصبح واليا عليهم على الرغم من مشاعر الكره المتبادل بين الطرفين والتي لم يكن هنالك من سبيل للخلاص منها إلا بموت أحد الطرفين وبالطبع فإن هذه العلاقة وتلك الشخصية لاتزال تتكرر في كل يوم وفي كثير من الأماكن في مجتمعنا ، فمثلا في الشركات تجد دائما أنه عندما يصبح مكان رئيس أحد أقسامها شاغرا وتكون هنالك رغبة في ترشيح شخص من داخل الشركة لذلك المنصب يتم الاختيار بناء على تلك القاعدة وهي أن يكون أكثر شخص مكروه بينهم هو الرئيس عليهم وهكذا ترتبط العلاقات بين الرؤساء والمروؤسين في الوطن العربي من خلال قاعدة علاقة (( الحجاج بأهل العراق )) .

الشخصية الأخيرة التي أود ذكرها هي شخصية (( جحا )) والذي لم يكن مجنونا أو أحمقا أبدا بل على العكس كان شديد الذكاء لأنه تظاهر بالغباء والغفلة لكي يتمكن من عرض آرائه الناقدة والساخرة والناقمة على الظلم والجور الذي كان يحدث في زمانه بحرية تامة ودون أن يتعرض للأذى ، وأعتقد أن (( جحا )) أصبح يفرض نفسه بقوة في مجتمعاتنا العربية في هذا الزمان ، فالذي يود الاعتراض على أمر ما يتوجب أن يكون (( كجحا )) حتى لايتعرض للأذية ، أما من يود أن يكون عاقلا فعليه أن يرفع دائما شعارا واحدا هو (( السمع والطاعة )) وهذه هي الديمقراطية التي تصلح فقط في عالمنا العربي ولذلك عندما حاول أحدهم ممازحة (( جحا )) قائلا له أننا عرفنا حمارك ولم نعرفك رد عليه (( جحا )) قائلا : هذا أمر طبيعي لأن الحمير تعرف بعضها ، ولا زلت أسأل نفسي لهذه اللحظة من كان الحمار ؟ هل هو جحا ؟ أم ذلك الشخص ؟