الأربعاء، 30 مارس 2011

سأخون قلمي

يا ليت كلماتي كانت شامخة وأبية ككلماتك أيها المبدع الخالد (( محمد الماغوط )) ، فأنا لست كالخيزران (( قد أنحني ولكن لا أنكسر )) ، بل إنني كعود ثقاب هزيل الاشتعال ، لا يكاد لهبه يضيء حتى ينطفىء وينكسر .

لمن أشعل لهيب كلمات تظل متوهجة رغم رياح الأمطار والأعاصير ؟


لذلك الإنسان الذي يقطن بداخلي ؟ وكيف السبيل إليه وأنا أتحسس مواطن العجز عن عصف ذهنه بأية أفكار متمردة على غرائزه الحيوانية ؟


كيف أكتب عن القضايا الكبرى لهذه الأمة ، وكلماتي في القضايا المجتمعية لم تجد لغاية اللحظة بصيص أمل في إيجاد حل ملائم لها ؟


فعلى سبيل المثال لا الحصر ، هنالك قضايا تشغلني كثيرا ومنها :


-أنني عندما جلست مع شباب من أحياء المدينة الغربية ، تجادلنا مطولا حول أحدث أنواع السيارات والهواتف الخلوية ، وكنا مستائين جدا بسبب تأخر بلادنا في استيراد الأحدث منها فور صناعته ، واضطرارنا للسفر في كل مرة لشراء ما يلزم لاستعراضات البذخ المجتمعية ، أو كما يقال في لهجتنا العامية ، ما يلزم لـ (( فياعتنا )) .


- وأنني عندما ذهبت إلى مقاهي أحياء المدينة الشرقية ، وجدت رجالا تقف الصقور على شواربهم الغليظة ، وكان معظمهم يطرق على الطاولة كعقيد ليبيا الخرف ، ويتوعد رفاقه بالقبضة الأسدية لكل من يفكر منهم بدس (( شيخ الكبة )) لأوراقه عندما تأكل الأرض في لعبة (( التريكس )) ، وهذا كان يستدعي مني الانتباه لفهم سر تلك القبضة الأسدية التي لا تظهر إلا في معارك ورق اللعب .


- وأنني في كل صلاة جمعة ، أتمنى لو كان بمقدوري مصالحة المتخاصمين في ذلك الجدل اللامتناهي حول ركعتي السنة قبل الفرض ، وفيما إذا كانت بدعة تذهب الأجر والثواب .


- وأنني عندما قصدت معاقل اليساريين ، وجدت مجالسهم منشغلة في نبذ أي عضو يشجع الفريق الملكي الإسباني (( مدريد )) ولايقف إلى جانب الفريق الكاتالوني المناضل في وجه البرجوازية والارستقراطية (( برشلونه )) .


- وأنني عندما كنت في زيارة خاطفة للإقتصاديين ، لاحظت أن قضية مؤرقة تجتاح اجتماعاتهم ، وعندما حاولت أن أسأل عن تفاصيلها ، اتهمني بعضهم بأن عقلي قاصر عن استيعاب حيثياتها ومخاطرها ، وبعد توسلات للمشاركة فيها ، تبين لي كم هي بالفعل قضية جوهرية على مصير أمتنا ، وخاصة أنها كانت تبحث في جوانب تتعلق في كيفية البحث عن طرائق آمنة تضمن بيع كل موارد بلادنا للمستثمرين الأجانب .


- أما الشعراء والأدباء ، فكانوا منصرفين للبحث عن كلمات في اللغة يشبه وقعها على عقل المتلقي ما تفعله حبوب الهلوسة لمتعاطيها ، وذلك بعد نفورهم من حالة اليقظة والاكتراث لما يحدث حولهم على أرض الواقع .


- وأما النساء ، فأنا (( وين )) و (( ميل جبسون )) (( وين )) ، كي أقرأ أفكارهن وأعرف ماذا يرضيهن في الرجال .


لقد تأقزم قلمي وانزلق في مستنقع ضحل من الأفكار الانهزامية ، ولذلك سأردد عبارتك الشهيرة يا ماغوط (( سأخون وطني )) و الذي غدوت فيه مهمشا وغريبا ولكن بطريقة أخرى ، لأنني قررت أن أخون قلمي وارحل عنه ، كي أعود أدراجي إلى حبيب ما خذلني قط ، إنني قادم أيها الصمت ، أرجوك أن تسامحني و توافق على عودتي إليك ، فعلاقتي بقلمي لم ترتقي لمرتبة الذهب التي كنت دوما أجدها بقربك أيها الصمت . الوداع يا قلمي ... فأنت لم تتمكن من إبهاري في كل ما كتبت .

الاثنين، 28 مارس 2011

الخطوط الحمراء

في الماضي ، كلما ذهبنا لحضور ندوة ثقافية لأحد اليساريين ، كنت اشترط مسبقا على زميلتي في الجامعة أن لا ترتدي اللون الأحمر ، وكم كنا نتشاجر بسبب ذلك ، فهي يسارية حتى النخاع ، وأنا كالفحل أخور غاضبا بمجرد رؤية ذلك اللون ، ولكنها كانت تنهي سجال مجادلتنا دوما ، وتخمد نيران سلوكي الهمجي تجاه اللون الأحمر ، عند تذكيري به كرمز لدماء الأبرياء التي أريقت على هذه الأرض منذ بدء الإنسانية دون وجه حق .

ولكن لعنة اللون الأحمر ظلت تطاردني عند انعقاد كل قمة من قمم الدول العربية ، إذ كان لابد لي من مشاهدة ذلك اللون يحتل حيزا من تصميم أعلامها ، ومع أنها لم تكن ترفرف عاليا إلا في تلك المناسبات ، ولكن ذلك كان يستدعي خواري على الفور ، ولهذا ارتأيت أن أعلن مقاطعتي عن متابعة كل تلك الوديان السحيقة ، عفوا ، القمم الشامخة لإرادة دول لم تكن تختلف عن أحجار الشطرنج بيد الغرب ، تتلاعب بتحركاتها بمهارة تفوق مهارة (( كاسباروف )) في تلك اللعبة .

أما في عيد الحب ، فقد كنت دائم الانعزال في المنزل ولا أغادره قط ، إذ لم يكن لدي القدرة مطلقا على مشاهدة اللون الأحمر وهو يغزو المحلات التجارية وملابس المارة في الطرقات ، وكم كانت امرأتي تستاء من تصرفاتي الانعزالية في ذلك اليوم المتعارف عليه عالميا بأنه فرصة العشاق الذهبية لتجديد عهود محبتهم ، بل إنها كانت لا تنفك عن نقدها وهجومها لموقفي المضاد من اللون الذي يرمز للحب ، فما كان مني إلا أن أجيبها ولكن بدون خوار : (( بل هو رمز للخطر يا عزيزتي )) .

ومع مضي الأيام ، أصبح للون الأحمر دلالات في غاية الأهمية ، وخاصة عندما بدأ يقترن بالخطوط ، وإنني أذكر أن أول مشاهدة التصقت بذاكرتي لتلك الخطوط الحمراء ، وهي تتوسط علم الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي يحاول بعض جحافلة المفكرين والسياسيين والقادة العرب ، التأكيد على أنها بلاد ديكتاتورية ، وليس لدى شعبها سقوف حريات للتعبير عن الرأي والاعتراض على سياسات حكامها ، فما كان مني ، سوى قيامي بخرق طبلة أذني كي لا انزعج من أصوات ادعاءاتهم (( النشاز )) ، معتقدا أن الخطوط الحمراء هي رمز للحرية الشخصية واحترام لإنسانية الإنسان .

وما أن بدأت الثورات تندلع في مختلف البلدان العربية ، حتى بدأت اسمع وأقرأ عبارة (( الخط الأحمر )) في مختلف الخطابات المنادية بالإصلاح ، فتفاءلت خيرا ، وظننت أن اعتقادي بالخطوط الحمراء كان صحيحا عند مشاهدتي له في علم (( أمريكا )) للمرة الأولى ، وقررت أن أتصالح مع اللون الأحمر الذي كنت معاديا له طوال حياتي .

ولكنني اكتشفت كم كنت مخطئا في نظرية تلك الخطوط ، عندما تم تسطيرها بين حروف وكلمات النخب السياسية والفكرية في دولنا ، فهي لم تكن متلازمة مع حرية التعبير عن الرأي ، بل كانت خطوط نار يحترق فيها كل من تسول له نفسه بمخالفة ما يسبقها من أوامر ، وليس هنالك من ضرورة البتة لذكر أمثلة تفصيلية عليها ، إذ أن الخطوط الحمراء في الدول العربية ستجدها مقترنة دوما مع أوامر النهي عن خوض غمار أي حديث قد يطالب بتحقيق كرامة الإنسان .

الجمعة، 25 مارس 2011

السيرة الحائطية

ليس ثمة ما يستدعي الكدر ، فهو لم يسأم بعد من المشي بجانب (( الحيطان )) ، ولم يتوانى عن ترديد الدعوة المتعارف عليها بين أوساط (( مشاة الحيطان )) في سره وعلنه ، أملا بإيجاد مكان (( النافذة المفتوحة )) ، بل إنه ولفرط ولائه وانتمائه ، قرر أن يشطب الصفحة التي تضم الجذر الثلاثي (( ع ص م )) من معجم لسان العرب ، والذي يحتفظ به في مكتبته الإلكترونية ، فهذه الأيام هي أيام الوشاة ، وهو يخاف على سيرته (( الحائطية )) أن تلوث .

لقد كان ولدا مطيعا لتوجيهات والده منذ صغره ، وسلمه الرأس خاليا ، ولم يجرؤ على استرداده إلا بعد اطمئنان والده بأنه قد امتلأ بقصصه وذكرياته (( الحائطية )) ، والتي كانت سببا في مكوثه نصف قرن على الحال ذاته ، ولذلك كان حريصا على أن لا يدخل مركزا أمنيا إلا كشاهد في قضايا هامشية ، أو كمراجع لإتمام معاملات روتينية ، ومع أن ذلك لم يكن سببا كافيا لمعاملته باحترام ، ولكنه مع هذا كان يغادر مطأطأ رأسه وملتصقا بالحائط ، وهو يتشكر الكتف الخالية من النجوم والتيجان ، دون اغفال لحساسية ذكر الألقاب ، والتي كان يعتقد أنها انقرضت من مفردات كلام العرب بعد سقوط عرش ملك مصر (( فاروق )) ، بيد أنه تذكر كلام والده ونصائحه في أهمية لقب (( الباشا والبيك والسيد )) كمرتكزات أساسية في قواعد السلامة العامة للمشي بجانب (( الحيطان )) .

في الجامعة كانت فرصته الذهبية لاكتساب المزيد من المهارات والخبرات في فنون المشي بجانب (( الحيطان )) ، وذلك عندما تم التعارف بينه وبين أساتذته الجامعيين ، المصاب معظمهم بمرض خطير يدعى (( بارانويا )) ، ولقد كان حديث العهد في طرائق التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص ، ولذلك لجأ إلى أعضاء (( الحزب الحائطي )) المتواجدين قبله في ذلك الصرح التعليمي المتميز ، كي يسلمهم حيزا جديدا من رأسه شبه الخالي ، ليحفظ فيه سيرة حائطية أخرى ، تكون له عونا في تعلم حذاقة التلقين والسمع والطاعة العمياء ، لكل كلمة ينطق بها أصحاب الأسماء المسبوقة بحرف (( الدال )) .

وعندما بدأ سيرته العملية ، سلم رأسه لشقيقه الأكبر ، والذي وضع له منهجا (( حائطيا )) مدهشا ، يكون فيه طريق الفلاح والنجاح ، ويضمن له عدم التحليق كالغربان في سماء البطالة ، فيما إذا أغضب مديره المباشر ، إذ أن اندفاع الشباب يتوجب حصره في حراثة العمل المتراكم على مدرائهم دون تذمر ولا شكوى ، ولا بأس أبدا أن يكون الراتب أقل من راتب المدير بعشرين ضعفا ، كحد أدنى للأجور ، فمهام ومسؤوليات المدير والسياسات العامة التي يخطط لها ، تتطلب منه مجهودا خارقا ، وبخاصة عندما تكون في سهرات العمل المصيرية في صالات الملاهي الليلة وحانات الفنادق .

وبعد عقدين من سيرته (( الحائطية )) المذهلة ، وجد أنه مثقل بالديون ، ومطرود من عمله بسبب دخوله المفاجىء لغرفة المدير وهو في خلوة عاطفية مع السكرتيرة ، ويسكن في غرفة على سطح بناء يتجاوز عمره النصف قرن ، ومهدد بالإخلاء مع صدور القوانين التي سترد الظلم عن أصحاب العقارات والأملاك ، وليس لديه حزام يضبط فيه إيقاع رقصات نفقاته المتسارعة كل يوم ، فكيف سيتمكن من المشي بجانب (( الحيطان )) بعد اليوم ؟

هو الآن في أمس الحاجة لشطب كل ماتم تلقينه لرأسه منذ الصغر ، وأن يتمرد على تلك النقوش المحفورة فيه كالحجر ، ولذلك فقد أقسم أن لا يسلم رأسه بعد اليوم لأبطال (( السير الحائطية )) ، وأن لا يجعله بعد اليوم إلا غافيا بين يدي امرأته الأسطورية ، وهي تهمس في أذنه بأنفاس محمومة وملتهبة ، بكلمة تضاهي كل الكلام الذي جهد (( ابن منظور )) بتفسير معانيه في (( لسان العرب )) ، ولذلك فعندما قالت له : (( بحبك )) لم يسألها إن كان من ثمة بقية ستأتي ، فهي الوحيدة التي جعلته يحس بأنه إنسان ، حتى ولو كان ذلك للحظات .

الاثنين، 21 مارس 2011

If I were

كل الشكر (( نيسانة التدوين )) لتذكري في هذا الواجب التدويني ، ولا أخفيك أبدا أنه جاء في وقته ، لأن (( Beren )) كانت قد بعثت لي برسالة خاصة قبل فترة على (( Facebook )) تود فيها معرفة بعض التفاصيل عني :)

If I were a month , I'd be September

If I were a day of the week , I'd be Wednesday

If I were a time of day , I'd be Night

If I were a planet , I'd be Moon

If I were an animal , I'd be Wolf

If I were a kind of weather , I'd be Cloudy

If I were a musical instrument , I'd be Violin

If I were a color , I'd be Black

If I were an element , I'd be Oxygen

If I were a car , I'd be Audi TT

If I were a food , I'd be Hamburger

If I were a place , I'd be The Sea

If I were a material , I'd be Iron

If I were a taste , I'd be Sweet

If I were a scent , I'd be Beach Fragrance : Aqua

If I were an item of clothing , I 'd be Blue Jeans

If I were a facial expression , I'd be Mysterious

If I were a pair of shoes , I'd be Casual

If I were a song , I'd be Yesterday by Frank Sinatra

If I were a body part , I'd be The Heart

If I were an emotion , I'd be Sadness

If I were a fruit , I'd be Pomegranate

If I were a sound , I'd be Sea waves

If I were a direction , I'd be Irregular

If I were a piece of furniture , I'd be Wardrobe

If I were a liquid , I'd be Water

If I were a gemstone , I'd be Diamond

If I were a tree , I'd be Oak

If I were a tool , I'd be Pen

بيرين لا تنسي تأكدي على الحجز عشان آخر الاسبوع نطلع رحلة بحرية باليخت على (( Bodrum )) :)

السبت، 19 مارس 2011

رجل عانس وامرأة مطلقة

لابد له بين الفينة والأخرى من اللجوء إلى كهف الصمت والانعزال ، أو بالأحرى الفرار إلى محراب اليأس والانهزام ، فالمرء في كثير من الأحيان تصبح عزيمته كالريشة التي تتخطفها الأيام المجهولة المصير .

يسأل نفسه : (( ماذا أريد من النساء ؟ )) فيجد أنه لم يعد له فيهن أية أمنيات ، فقبيلة النساء التي أحبها رفضت مشاركته في أية تجربة عاطفية إلا في الخيالات والأحلام ، ولقد كانت هزيمته تتأكد في كل محاولة عندما كانت حبيبته المحتملة تعشق رجلا من محيط معارفه المقربين .

ونهاية حكاياته مع العشق ، كانت قد جمعت بينه وبين امرأة تجاوزت الأربعين ، ولكن ذلك لم يكن السبب في خسارته المعتادة للحب ، بل كانت والدته هي من تسبب في إقصاء أمنياته من بلوغ مرادها ، بعد أن أعلنت رفضها التام لفكرة ارتباطه من امرأة مطلقة .

احتدم الجدال مع والدته ، وأكد لها أحقية المرء في أن يحظى بفرصة أخرى في هذه الحياة ، وأن طلاق المرأة لا يعني أبدا أن ثوب سيرتها الأخلاقية قد دنس بالفحش الذي لايمكن طمسه ، ولكنها ظلت تردد على مسامعه المثل الشعبي الشهير : (( لو فيها خير ما رماها الطير )) .

وبين مد وجزر ، قرر أن يتزوجها دون موافقة والدته ، ولكنها لم تكترث البتة لقرار تمرده عليها ، بعد أن أكدت له أن أهل تلك المرأة سيرفضونه إذا أتاهم بمفرده .

ولكنه لم يجرب حظه في الذهاب إليهم ، وذلك بعد أن صارحته تلك المرأة وبكل حزم عن رفضها للزواج منه دون موافقة أهله ، فهي لم تقترف ذنبا يظل كوصمة عار تطاردها أينما ذهبت بسبب فشل زواجها السابق ، وأنه لا يشرفها الارتباط بعائلة تتشبث بمعتقدات بالية من عصور الظلام البائدة .

وعاد مهزوما كعادته إلى البيت ، واشتعلت ذكرياته مضرمة نيران كل علاقات حبه الفاشلة ، فتذكر ابنة الجيران التي تركته في الثانوية العامة بعد أن وعدته بانتظار قدومه مدى الحياة ، لتتزوج برجل يعمل في إحدى البلدان النفطية ويكبرها بعشرة أعوام ، وتذكر الفتاة التي عشقها في سنوات دراسته الجامعية ، وكيف أن والدتها اشترطت عليه ترك الجامعة والعمل في أية حرفة أو مهنة كي تزوجه منها .

وتذكر أول فتاة عرض عليها الزواج في مكان عمله ، وتذكر رفضها الفوري له ، بسبب راتبه الذي يقل عن راتبها ، وتذكر ابنة عمة وابنة عمته ، وابنة خاله وابنة خالته ، واللواتي رفضن جميعا الارتباط به بسبب التخوف من زواج الأقارب ، بينما هو كان يدرك تماما أن السبب الرئيس لرفضهن هو تواضع إمكانياته المادية .

إنه الآن رجل عانس ، ولم توافق على الزواج منه أية فتاة لم يسبق لها الزواج ، وعندما وجد القبول لدى امرأة مطلقة ، جاء الرفض من أهله الذين كانوا متلهفين لزواجه ، ثم أصبحوا غير مكترثين لعنوسته .

ومن هذه المعادلة المكونة من رجل عانس وامرأة مطلقة ، نشتق المجهول المتسبب في فشل حلها دوما ، فالمرأة ترتبط بالرجل الخاطىء بدءا ، وتستدرك خطأها عند الطلاق لتعاود البحث عن ذلك الرجل العانس الذي رفضته عندما كانت لا تزال عزباء ، فهل يا ترى هذا هو سبب خلل المعادلة حقا ؟

الثلاثاء، 15 مارس 2011

الأم الغافلة

عادة ما ترتبط أسباب انكسار قلب الإنسان بفجيعة ناجمة عن خسارات متتالية في ميدان الحب ، وقد يحدث أحيانا أن يلملم ذلك القلب أشلاء عواطفه المكسورة ، ويستعيد تجميع إطار لوحة قلبه مستعينا بلاصق ذي فعالية مضادة للكسر ، فالكراهية إذا وطأت القلب وطردت الحب ، فإنه سيكون حينها قاسيا عصيا على الخدش .

وهذا ما حدث مع ذلك الصبي الذي ملأت الكراهية الزائفة قلبه لأقرب الناس إليه ، فهي بالفعل كراهية زائفة ، إذ كيف من الممكن أن يكره الولد أمه التي لا يضاهيها في قلبه محبة نساء الأرض أجمعين ؟

ولكل من يعتقد باستحالة حدوث ذلك ، فإن هذا الصبي سيخبركم عن سبب شقائه وتعاسته ، وكيف أن قلبه أصبح أقسى من قلب (( الزير سالم )) عندما كان يشرب دماء أبناء عمومته دون شفقة ولارحمة ، كي يثأر لدم أخيه المهدور بسبب ناقة البسوس .

يقول الصبي : لقد كنت أنا وشقيقي الذي يكبرني ببضع أعوام ملتصقين في كل مكان ، ولانفترق إلا عندما نجتمع بوالدتنا ، والتي كنت دوما أراقب بريق عينيها باهتمام كلما نظرت إلى أخي ، وكيف أن ذياك البريق يسارع بالاختفاء عند تلاقي عيوني بعيونها ، فتسارع إلى استدراك موقفها بابتسامة مغتصبة من شفتيها ، كي تخفي وراءها سيل العواطف الجارف نحو مصب قلب واحد ، ولست أدري إن كان قلبي شديد الملوحة لدرجة أن تأبى محبتها الحقيقية أن تختلط فيه ولو لمرة واحدة ؟

أذكر في أحد الأيام عندما طالبنا المعلمون في المدرسة كي نكتب موضوع تعبير بمناسبة عيد الأم ، وأذكر حينها أننا استلمنا تلك الأوراق المكتوبة بحبر قلوبنا ، مغلفة ببطاقات معايدة جميلة ، كي نهديها لوالدتنا عندما نعود إلى المنزل ، ولقد هرولت سعادتنا عندما قرع جرس الانصراف المدرسي ، متجاوزة مسير أقدامنا ، كنا متلهفين لقراءة ملامح وجه أمي وهي تقرأ ما خطته أيدينا ، وبالفعل فقد كادت حرارة قبلات والدتي تحرق بطاقة أخي من فرط سعادتها وهي تقرأ حروفه ، ولكن تلك الحرارة التي وصلت إلى قمة الغليان العاطفي ، انقلبت إلى كتل كثيفة من الجليد ، وهي تقرأ بعجالة ما كتبته لها ، لتشكرني بعدها بعبارات مبتذلة من قاموس المجاملات اللغوي .

وعلى الرغم من ذلك الشعور الذي بدأ يقلب حياتي إلى جحيم لا يطاق ، كان لا يزال يراودني طيف أمل ، في أن تستدرك والدتي فظاظة فعلها ، مع أنني على يقين تام بعفوية سلوكها ، ولكنني في النهاية كائن بشري مجبول من طينة مشاعر وعواطف لابد لها من مراعاتها ، ولكنها ظلت تغمض عينيها غير آبهة بقلبي الذي داست عليه مرارا بكعب محبتها الأحادية لشقيقي ، وجفائها المتواصل لجميع محاولاتي في التقرب من قلبها .

وبدأت مياه الكراهية بالغليان في قلبي مع مرور الأيام ، وأنا أشاهد فخرها واعتزازها بشقيقي في أي تجمع لنا بين الأقارب والمعارف والأصحاب ، وتجاهلها المطلق لوجودي وكأنني لم أرقد في رحمها لتسعة شهور ، وكم هاجمتني الظنون بأنني لست ولدها ، وبأن الدماء التي تجري في عروقي لم تختلط يوما بدمائها ، وتأكدت كل هواجسي عندما جاهرت بين الجموع أنها تفتخر بندبة بطنها المنقوشة على جسدها ، كوشم مغال في محبتها لشقيقي مذ يوم ولادته ، وأنها ستظل ترفع هامتها به إلى أن تواري التراب .

ولأنني لا أريد أذيتها بكلمة عتاب ، قررت أن أهجر بيتها ، وأن لا أعود إليه قط ، وإنني أعلم أنها لن تكترث لغيابي ، ولن تفتقد لكلماتي التي لطالما جهدت في محاولة استرضائها ولكن دون أدنى جدوى ، لن أقول لها وداعا ، فليس لدي القدرة على مواجهة أغلى الأحباب في لحظة وداع ، سأظل دوما أراقبها من بعيد ، وسيكفيني أن أجدها سعيدة مع الأصدقاء والأحبة الذين يحيطون بها من كل جانب ، وسأكون مطمئنا على الدوام ، وهي بجانب شقيقي الذي آثرته بمحبتها وحنانها ، وفخرها واعتزازها ، فأنا على يقين تام بمقدار محبته وخوفه عليها .

يقولون أن محبة الآخرين لنا ، لا تختلف في مقاديرها ، تماما كما هو حال الرزق والأجل ، فهي محفورة على أوراق حياتنا من قبل أن يخلق أبونا آدم ، ولكن هل هذا يعني أن تفرط الأم في إظهار محبتها لأحد أولادها دون أن تراعي مشاعر إخوته المتعطشين لقطرة حنان من قلبها ؟

السبت، 12 مارس 2011

حماتك بتحبك

بدأت أشك في عبثية المصادفات التي تدفعني في مكان عملي عند كل صباح ، للنهوض المفاجىء عن كرسي مكتبي لأمر طارىء ، إذ لابد من عبوري أمام أربعة مكاتب للزملاء على الأقل ، ولابد أن تكون لحظة العبور تلك ، متزامنة مع موعد وجبة إفطارهم التي لا يتمكنون من ضبط مواعيدها في منازلهم ، ليرددوا بابتهاج مفتعل عند رؤيتي (( حماتك بتحبك ... تعال افطر معنا )) ، وكعادتي أسارع بشكرهم على دعوتهم لي بالانضمام إليهم في تلك الوجبة الصباحية ، والتي تكون بالعادة وجبة بقولية أعدت على موائد من أوراق الصحف ، ولاشك أن معدتي تشكرني دائما على ذلك التعفف الحكيم الذي سيمنحها الراحة من عمليات هضم شديدة التعقيد ، ولكنني في الواقع أظل منشغلا بالتفكير في ذلك الرابط العجيب بين مصادفة موعد عبوري وهم يأكلون ، وبين فرضيتهم بمحبة أم زوجتي لي .

وتتعمد المصادفات أيضا ، وأنا في طريق عودتي إلى المنزل بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية ، لتزج بي مكالمة هاتفية من زوجتي كي أعرج على (( دكانة الحارة )) لشراء مستلزمات بيتية أو تلبية لرغبات الأولاد اللامنتهية من (( الشوكولاته )) ، إذ أن محاولاتي الشيطانية بالتأثير عليهم من خلال أغنية فرقة (( طيور الجنة )) ، والتي لا انفك عن غنائها أمامهم (( يا بابا اسناني واوا ... وديني عند الطبيب ... ما عاد بدي شوكولاته ... بدي بس اشرب الحليب )) لم تجدي نفعا .

بالطبع وكما هي العادة ، فإن لحظة دخولي إلى (( دكانة الحارة )) تكون مضبوطة كمنبه الساعة ، على أول لقمة من غداء (( صاحب الدكانة )) ، وكعادته يبدأ بلعق أصابعه الممرغة (( بمرقة طبيخ زوجته )) ، ويحاول إخفاء ملامحه المستاءة من قدومي خلف ابتسامة مصطنعة قائلا : (( حماتك بتحبك ... تعال اتغدى معي )) ، ولا أدري لماذا في تلك اللحظات بالذات ، وأنا أراقب عينيه بكل اهتمام ، يخيل إلي أنه يردد في سره المثل الشهير : (( ما بقومك عن غداك ... غير ألد عداك )) .

أذهب في المساء إلى المقهى للإلتقاء برفاق لا تجمعني بهم إلا منضدة أوراق اللعب أو رقعة أحجار الشطرنج ، وكم استغرب من تلك المصادفات التي تلاحقني في كل مكان ، وتفرض وصولي عند اللحظة التي يتناول فيها الآخرون طعامهم ، وهذا ما حدث معي في مناسبات متتابعة مع أصدقاء المقهى ، وفي كل لقاء تتكرر العبارة ذاتها (( حماتك بتحبك ... تعال اتعشى معنا )) ، وبما أنني سأمكث لبضع ساعات خلف طاولات المقهى وهذا سيؤدي إلى تفاقم (( الكرش )) الذي بدأت أتمكن أخيرا من التخلص منه ، فإنني لا أشاركهم تلك الوجبات السريعة التي ليس فيها من فائدة للجسم سوى نفخه بالدهون ، وأكون بذلك ملتزما بنص المثل الشهير : (( اتغدى واتمدى ... واتعشى واتمشى )) .

لكنني وفي إحدى الليالي ، وبعد خروجي من المقهى ، ركبت السيارة وبدأت أفكر مليا بذلك السبب الذي جمع (( محبة الحماة )) مع مصادفات القدوم عند شروع الآخرين بتناول الطعام ، فمن المتعارف عليه أن (( الزوج وحماته )) في العادة لايتفقان ، وسأقولها خجلا ، إذ أن من الأصح القول أنهم في كثير من الأحيان تجمعهم العداوة المشتركة حتى ولو لم تكن معلنة ومجاهر بها .

إذن ليس هنالك من سبب لذكر هذا المثل الشعبي ، سوى أن الشخص الذي يتلفظه عند مباغتة أحدهم له في أثناء تناوله للطعام ، أن يفقد شهيته للأكل بمجرد تذكيره (( بحماته )) ، فهل من المعقول أن يكون ذلك هو السبب ؟

الثلاثاء، 8 مارس 2011

المقاعد الشاغرة

عندما كان ذلك الشاب الذي أصبح بلغة هذه الأيام كهلا وهو لايزال في الثلاثين ، يبدأ أولى خطوات حياته ، وقد تأبط الكراسة التي يجتهد معظم الناس بكتابة سطورها الرتيبة ، مستعينا بزجاجة سائل حبري أسود ، وبريشة قلم منهكة ومجهدة من كثرة ما تعاقب عليها من أجيال لأصابع بائسة .

وإذ كان في تلك الأثناء لا يلقي بالا لتوبيخ والده وتعنيفه لسلوكه الطائش ، ولايرد عن نفسه أصابع الاتهام بتقصيره المتواصل في بناء مستقبله ، على الرغم من أن أقرانه كانوا لا يكترثون مطلقا ، لمخطوطات البناء التي كان منكبا على الدوام بمحاولة رسمها ، فآباؤهم قد ادخروا لهم من (( الإسمنت الأخضر )) ما يكفي لبناء ناطحة سحاب دون أدنى مجهود يذكر ، في إطار ما يدعى بمشروع المستقبل المشرق والآمن .

وعندما تفوق عليهم جميعا في تحصيله الدراسي ، ليضمن بذلك مقعدا تنافسيا في جامعة حكومية ، و يكون بمقدور والده التكفل بمصاريفها ، لم يرواد أقرانه الغيرة من إنجازه قط ، إذ أن مقاعدهم في الجامعات الخاصة المحلية منها والأجنبية ، كانت رهن الحجز سلفا قبيل تقدمهم لامتحان الثانوية العامة .

ولقد ظلت المقاعد المحجوزة مقدما تنافس فرصه في بناء مستقبله بعد ذلك ، فلم تجدي ساعات دراسته المكثفة ، كي يتفوق على من كان يحصد علامات التميز بسبب مكانة والده المرموقة في المجتمع ، وإذ أن إجهاضه لحلمه الأول في الجلوس على مقعد أستاذ المستقبل ، كان يعلله دوما بأن المقاعد الشاغرة هناك ، هي حق حصري لأبناء العائلات الأكثر حظا .

وعندما تأبط شهادته الجامعية ، وقرر أن يغلق الباب في وجه أمنياته الأكاديمية ، وأقنع ذاته أن لاصوت يعلو على صوت الحياة العملية ، شرع حينها في طرق كل الأبواب بحثا عن وظيفة تكون ثمرة جهده المتتابع لسنوات دراسته المضنية ، ولكن المقاعد الفارغة هناك أيضا ، كانت تأبى جلوس من لايتكىء بظهره على سطوة ونفوذ أقاربه ومعارفه .

وبعد أن يأس من إيجاد وظيفة منسجمة مع شهادته ، قرر أن يعمل في أي مجال يضمن له الحق في مواصلة هذه الحياة ، ومع أنه كان يغض الطرف ويحجب السمع عن أخبار أقرانه الذين تخطاهم في المدرسة وتأخر عنهم كثيرا في مراحل البناء ، إلا أنه لم يعد يتمنى لمستقبله سوى بناء بطابق واحد ، وسقف يتسع لرأسين ليس إلا .

وهذا ما دفعه بعد أن توظف براتب زهيد بالكاد يكفي لنفقات مواصلاته وحاجاته الأساسية ، أن يبحث عن (( ابنة الحلال )) ، كي تشاركه في البناء دون الاكتراث لمخاطر الارتباط برجل ذي حظ عاثر ، طالما ستجمعهم المودة والألفة والعشرة الطيبة .

ولم يجد نفسه مجهدا في البحث عن مقاعد شاغرة للارتباط ، ولكن الذي حدث وبكل أسف ، أن المقاعد هناك كانت تدعي دوما أنها محجوزة لأشخاص لم يحضروا بعد .

وتمضي به الأيام والسنين ، وجميع مقاعد الحياة ترفض جلوسه عليها ، ولكنه ما عاد مكترثا لذلك قط ، بل كان خائفا أن لا يجد مقعدا شاغرا يرتاح فيه عند الموت ، إذ أنه وفي آخر زيارة له للمقابر ، لاحظ أن أراضي المدافن بدأ يستولي عليها أصحاب الحظوة في مقاعد الحياة ، من خلال تقسيم أراضيها لممتلكات احتكارية لموتاهم ، فهل سيأتي يوم ويستأثرون بمقاعد القبور أيضا فلا يتركون أدنى فرصة لغيرهم في الجلوس حتى على ذلك المقعد ؟

الجمعة، 4 مارس 2011

لا منتمي

إن قرع الطبول ودق المزامير في عالمنا العربي ، يكون مقترنا دوما بالفكر الجمعي المعشعش في عقول الناس منذ ولادتهم ، ولذلك فلا تثريب على من ينوء بنفسه وبأفكاره ، ليقف على الرصيف الخالي من المشاة ، ويبدأ بالهتاف معتقدا أن صوته سيدفع بالبعض إلى محاولة التخلي عن الرصيف المزدحم بالمارة ، وعبور الشارع مخاطرا بكتابة السطر الأخير في حياته بحادث سير ، تحت إطارات ما يدعى بمركبات الدفع الرباعية المقاومة للتغيير .

بل إن الخاروف الدسم الذي يفكر بالتمرد على القطيع ، والرحيل خارج نطاق حدود المرعى المحدد له سلفا بخطوط رملية من عصا الراعي السحرية ، حتما سيقضي نحبه على أيدي الذئاب المترصدة به خارج الحمى ، وهذا ما يحاول كبار الخراف دائما تلقيمه لصغارهم ، مقترنا بتذكيرهم أن هذا الإحتمال قد يحدث في حال نجاتهم بالبدء من قبضة كلب الراعي المتعطشة للقمع ، طمعا بنيل نصيب وافر من العظام التي سيتركها السيد الراعي بعد الانتهاء من أكل لحوم إحدى خرافه .

والعصفور الذي يستند على أسلاك الكهرباء القاتمة اللون ، كي يرتاح هنيهة من التحليق في السماء ، ويغرد بالقرب من نوافذ المسترسلين في سبات عميق ، سيعتقد أنهم سيستيقظون فرحين بسماعهم لصوته ، وسيستبشرون بيوم يبعث فيهم التفاؤل ، ولكن المسكين لا يدري أنه من وجهة نظرهم كالغراب الأسود ، الذي سيهز بنعيقه مضاجعهم المستسلمة سلفا لسيناريو حياة رتيبة .

ولذلك فإن العاقل الحكيم هو الذي يضع رأسه بين الرؤوس مرددا : (( الموت مع الجماعة رحمة )) ، وبما أن هذا الموت لا يعني بالضرورة الموت المتعارف عليه في قاموس البشرية ، إلا أنه موت لا بد من حدوثه لإحدى الخلايا الدماغية المتعطشة لاحتواء أية أفكار إيجابية بتغيير الواقع الذي تعض عليه جموع الناس بالنواجذ .

ومن هذه المنطلقات التي تشبثت بسارية العلم الأبيض إذعانا باستسلامها ، تتمحور (( كاريزما )) شخصيات باتت رموزا مجتمعية ومقدسات لا يجوز انتهاكها .

فالثوار والمثقفين لا بد أن يكونوا يساريين في أفكارهم ومعتقداتهم وحتى في عواطفهم ، ومن لايتخذ من (( ارنستو تشي جيفارا )) وسيرته النضالية القدوة والمذهب ، فهو لايحمل بين ضلوعه (( نزق الثوار )) .

أما من أراد أن يكون (( دنجوان )) عصره ، فهو أمام مفترقي طرق لابديل عنهما ، ويحومان في مدار الفكرة ذاتها ، فبالمال والجمال أنت معبود النساء ، حتى لو كان عقلك لا يعرف من هذه الدنيا سوى غرائزه الأساسية .

وهناك شخصية (( رجل الأعمال )) ، التي لا تتطلب منك سوى أن تؤثر بكلامك دوما على كل من تجالسهم ، من خلال أفكارك النيرة حول المشاريع في شتى القطاعات ، ولا بأس إن نلت لقب (( النصاب )) بعد فشل إحدى هذه المشاريع ، لأنك ستتمكن وبكل بساطة من اصطياد أغبياء جدد ، سيستمعون إليك باهتمام وأنت تسرد لهم أفكار المشاريع التي رأيتها في بلاد الغرب .

ولكن تبقى شخصية (( ابن البلد الأصيل )) هي المحببة والقريبة من عامة الشعب ، وأنت في سبيل تحقيقك لملامح هذه الشخصية ، لابد أن تثبت أنك حاذق و (( لهلوب )) عندما تتجول في سوق الخضار المركزي ، أو عندما تذهب إلى المسالخ لاختيار ذبيحتك التي ستطهى على مأدبة طويلة وعريضة في إحدى مناسبات الولائم العائلية ، ولامانع إن كانت لديك خبرة ذائعة الصيت في اقتحام مضارب الباعة المتجولين ، ولهثك وراء وسائط النقل العام ، والشكوى المستمرة من راتبك المهدور دمه على أسفلت المؤسسات الاستهلاكية وخصوصا في مواسم المنخفضات الجوية أو عند حلول شهر رمضان أو عند تأخر الحوالة التي سيرسلها لك أهلك المغتربون ، ولا تنس أحلامك البكر بامتلاك سكن كريم والتي تم وأدها فور ولادتها من رحم أمنياتك ، والأهم من ذلك كله أن تكون دوما قدوة يحتذى بها للمثل القائل : (( سبع صنايع والبخت ضايع )) ، ولكنك لن تتقلد أوسمة الشرف لهذه الشخصية إذا لم تردد في كل المحافل المجتمعية أنك (( ابن البلد وتفتخر )) .

وإذا كنت تريد أن تحظى بلقب (( الشيخ )) ، فيتوجب عليك تحديد مقصدك من هذه الصفة أولا ، فهناك (( الشيخ )) الذي يعتقد أنه يحظى بهذا اللقب بالفطرة ، كونه ينتمي إلى عشيرة ما ، وفي هذه الحالة لا يلزمك سوى أن ترفع لسانك كالسيف في وجه كل من يجهل بطولات وجهاء عشيرتك في حروبهم الأزلية مع العشائر الأخرى ، ولا تنس أن تستخدم إصبعيك (( السبابة والوسطى )) وأنت تتحدث ، استكمالا لشروط (( المشيخه )) .

أما إذا كنت تبحث عن لقب (( الشيخ )) بصبغة دينية ، فالأمر في غاية البساطة ، إذ ما عليك إلا أن تطلق لحيتك ، وترتدي (( دشداشة )) بيضاء ويحبذ أن تكون قصيرة وفضفاضة ، وتجلس في الصف الأول في المسجد ، ولاتخش شيئا من حفظك المتواضع لكتاب الله العزيز ، فعندما يرجوك المصلون كي تؤمهم في صلاة جهرية ، وتتلو عليهم في الركعة الأولى سورة الإخلاص بلكنة تقترب إلى اللهجة العامية ، ثم تتبع تلاوتك بسورة الناس في الركعة الثانية ، وهما في واقع الأمر ما جهدت بحفظه من القرآن الكريم ، سيفرح بك المصلون لاعتقادهم أنك تخفف عليهم بالصلاة ، أسوة برسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام .

ولأنني أسقطت كل هذه الرموز الأسطورية التي ستقودني إلى أن أكون من الشخصيات البارزة في هذا المجتمع ، أجاهر بأنني شخص لا منتمي لفصول هذه الرواية التي لن أتقمص في يوم من الأيام أي من أدوارها .