السبت، 30 يوليو 2011

شروط الزواج الرمضانية

لكي تكون زوجا مثاليا ، لابد لك أن تتهيأ طيلة العام جيدا حتى تصبح زوجا استثنائيا في شهر رمضان ، فبرنامج حياتك اليومية الرتيبة ، يتطلب بعض التعديلات الطفيفة في الشهر الكريم .


لنبدأ في الحديث من أوله ، وتحديدا حين تستيقظ في الصباح الباكر مرغما ، كي تستكمل ركنا من أركان عبادتك بالسعي إلى رزقك في الأرض ، وأرجوك أن لا تتذمر وأنت ترى زوجتك تغط في سبات عميق ، فهي لم تجبرك على السهر معها حتى آذان الفجر ، وأنتما تتنقلان بلهفة من محطة فضائية إلى أخرى ، لاستطلاع آخر المستجدات على الساحة المزدحمة بالمسلسلات ، وتطيلان الجدل حول المحطة التي ترشحانها لنيل لقب ( رمضان معاها أحلى ) .


أو عندما تقضيان بضجر قاتل ، ساعات وساعات ، وأنتما تستقبلان ضيوفا لايتذكرون زيارتكما إلا في رمضان ، مما سيستدعي زخم قصص ستروى عن أخبار عام مضى ، وهذا يتطلب حسن الاصغاء لمواضيع تتشعب على جميع الأصعدة السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، وهذا العام حافل بالأخبار التي بدأت من أزقة سيدي بو زيد ، ولهذا فأنت لست بحاجة إلى مشاهدة القنوات الأخبارية ، لأن ضيوفك سيقدمون لك يوميا تقارير إخبارية مفصلة عن الأحداث من وقت الإفطار وحتى وقت السحور ، ولهذا التمس عذرا لزوجتك حين لا تجيب على اتصالاتك في اليوم التالي قبيل آذان العصر ، فلقد قضت وقتا ممتعا حتى شروق الشمس وهي تزيل آثار الضيوف الذين لا يتميزون بخفة الظل قط .


وإذا راودك النعاس عن عملك بعد آذان الظهر ، استعذ بالله ثلاثا ، واغسل وجهك ، وسارع إلى عقد حلقة من الزملاء والزميلات ، وتبادلوا المعرفة والخبرة في ورشة عمل مطولة ، حول أفضل الأماكن التي من الممكن ارتيادها ، لتقنين مصاريف ( الوحام ) من أصناف الطعام والشراب التي لا تشتهى في غير فترة الصيام .


وعندما تتجه عائدا إلى منزلك برفقة شمس الصيف الملتهبة ، لا تتأثر بما سيحصل حولك من مشاجرات بين السائقين في الأزمات المرورية المطردة في الشهر الفضيل ، فالجميع في عجلة من أمره ، ويمني النفس بالوصول إلى منزله قبل وقت الغروب .


وهذا شهر الصبر ، ولذلك حذار أن تغضب وأنت في خضم تلك الأحداث الدامية على الطرقات ، وهاتفك يصرخ باتصالات متتابعة من زوجتك ، لاحضار قائمة لا يتسع حفظها في ذاكرتك من مستلزمات وجبة غذائية سيغادر معظمها منزلك كضيف مستاء ، إلى أقرب سلة مهملات .


ولأنك ستكون زوجا استثنائيا ، لا بد أن تطأطأ رأسك وتلتزم الصمت خجلا عندما تهم إلى دخول المنزل وقد غفلت عن إحضار القائمة المطلوبة كاملة ، فصراخ زوجتك حينها لايتطلب منك إلا أن تردد عبارة واحدة وبصوت خانق (( اللهم إني صائم )) ، وتستدرك خطأك بمهلة للتصحيح ، تماما كوعود تلميذ كسول يستجدي أستاذه بفرصة للتغيير .


ولاتنس وأنت تصطف في طوابير المأكولات البقولية والحلويات والمشروبات الرمضانية ، أن تتبسم في وجه أخيك الذي يزاحم الصفوف ويعتدي على دورك الذي طال انتظاره ، بحجة تأخره عن ضيوفه المدعوين إلى مأدبة الإفطار ، فهو سيعتذر منك ويقول بصوت خاشع ورزين (( رمضان كريم )) ، وأنت عليك أن تلزم هدوئك وتجيبه بمنتهى اللطف (( الله أكرم )) .


وفي طريق عودتك المرتقبة إلى المنزل ، حاول أن تشطب من ذاكرتك كل ما حدث معك في نهارك ، وتبادر زوجتك بكلمة غزل ، فالدقائق التي تسبق آذان المغرب خطيرة جدا ، وشجار قد يحدث لأتفه الأسباب ، مدعاة لكتابة السطر الأخير من علاقة زواج ممتدة منذ سنين .


ولذلك احرص على أن تظل براكين غضب زوجتك خامدة ، وسارع إلى نيل رضاها بالإكثار من شرب عصير الجزر وقت السحور ، فهذا سيعينك حتما في نهار الصيام على تطهير عروقك من بكتيريا النمور المزمجرة ، وسيغذيها بفيتامينات الأرانب المسالمة والوديعة ، وهكذا ينقضي شهر الخير ، وأنت وزوجتك بألف خير .

الجمعة، 22 يوليو 2011

أقدام النساء وخلخالك الضائع


ليس ثمة ما يستدعي دهشتي ، كأمرأة تسير حذرة نحوي بخطى مواربة ، وحين ألتفت إليها ، تبدي بحرص مفتعل استياءها ، لنظراتي المتواترة بالاهتمام .

وكم أعجب من امرأة لا تضرم لهفتها لهيب اكتراثي ، فتقتصد من اندفاعها المباغت لإغوائي ، وتتركني لأتابع طريقي بسلام .

ولأن بي شغفا بأقدام النساء وتفاصيلها ، انحني برأس طائع عند أي قدم تصادفني بمشي سريع أو موارب .

وبما أن عيوني لا تفتأ سبرا للخبايا ، راقبت أقداما تسرف بعلو كعبها ، وتحبو في مسيرها ، وتوقظ بطرقعتها غفلة كل من يحيط بها ، وحين تهب نسمات مغازلتي لتداعب أصابعها الملونة ، تخلع حذاءها ويهوي خلخالها ، وتفر غير عابئة بعريها ، زاحفة على الأرض دون حجاب ، وحين تدمى في مسيرها من حجارة الطريق ، وتستغيث عروقها النازفة حزنا ولا تجد لها طبيب ، تعود أدراجها بحثا عن خلخالها ، فتجده في قدم امرأة أخرى .

و هذه ليست كل الحكاية ، فهنالك أقدام تخفي أنوثتها خلف أحذية رياضية ، وتجري برتابة في مسارات دائرية ، ومن شيمها أنها لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم ، ولا تحيد عن دربها ولا تتبسم ، وإذا ما صادفتها في جولات زمنية متتابعة ، ودعوتها عند كل منعطف لتخلع قيود حذائها ، وتجفف عرقها المهدور في كل يوم على الأرض ذاتها ، لا تلتفت لنداءاتي ، وتستمر في جريها حتى ينقطع الدم من أوردتها ، وتغادر مضمارا قضت حياتها تجري فيه دون أن تجد خط نهايته .

وهنالك أقدام تسير خفيفة بكل عفوية وتلقائية ، ووقع خطاها العفية بالكاد يسمع ، ولكنها تفتنني بجنون عند رؤيتها ، ففي بساطتها تكتمل أنوثتها وتؤكد واثقة أن الحسن كلما ظهر على حقيقته دون تكلف أو استعراض ، كان الأبهى والأحلى والأروع ، فيا صاحبة القدم الأجمل ، متى ستسيرين نحوي مطمئنة ، لترتدي خلخالك التائه بين الأقدام منذ الأزل ؟

الجمعة، 15 يوليو 2011

أنت وطني


لماذا ترتعش يدي وأنا أكتب في هذا اليوم ؟

أتراني أدركت متأخرا أن الحروف كانت تتلكؤ مابين أفكاري وتساؤلاتي ، عبر إدراجات متداعية القصد ، كغشاوة لتحيط حقيقة مجاهرتي بحبك ، وانصرافي لمناجاة قربك ، دون أن أعي تماما حينها ، أنك قاب قوسين أو أدنى من ملامسة حبر قلمي لسطور الورق .

واليوم أكتب إليك عاشقا ومعشوقا ، فأنا ما اشتهيت الكتابة ولارغبت بقضمها ولا التهامها حتى آخر حرف لايجد له رفيقا في الأبجدية فيشتق منه الكلام ، فكم من السنين قد مضى ، وأنا انتظرك في كل مكان ، فلا أنت أتيت ، ولا أنا غادرت يائسا إلى دروب النسيان .

ولأجلك سافرت من مدينة إلى أخرى ، وناديت عليك بكل أسماء الحب المحفوظة في معاجم اللغات ، فحط على قلبي أسراب من النساء ، وحلقت وحدك كحمامة بيضاء في فضاءات السماء .

وفي سبيل لقياك ، تقصيت أثر كل الرجال الذين حاولوا الوصول إليك ، وأرغمتهم على تغيير وجهتهم ، واجتهدت في المضي إليك وحدي ، دون خرائط ولا دليل عناوين ، فلا عثرت عليك ، ولا تعثرت بك .

حتى أنني ذهبت إلى كل الأماكن التي سمعت أنك تتواجدين فيها ، فجلست في المقاهي الخافتة الأضواء ، وذابت شموع طاولاتها وما حضرت ، ومشيت متعمدا في أزقة الأسواق ، فخذلتني حظوظي المفلسة من امتلاك لحظة لقائك .

ووقفت كمراقب السير في ميادين الطرق العامة ، وقيدت بنظري حركة المركبات المتدفقة من شتى الاتجاهات ، ولكنك عبرت كل المنعطفات في حين غفلة من طرفة عيني ولحظة ارتدادها .

وعندها قررت ركوب أمواج البحار لترميني على شواطىء كل النساء وتستثني شاطئك أنت ، ومضيت عازما البحث عنك فوق الجبال وتحت الوديان ، وبين الغابات ، وضفاف الأنهار المتعاظمة الجريان ، فحظيت من رحلتي بالأطلس الذي ما تواجدت في يوم على صفحاته قط .

واليوم أنا لست مكترثا بتعداد نبضات قلبي قبل مجيئك ، فهي ما كانت إلا سرابا حسبه ظمأ قلبي عنوانا لواحة حبك ، وإنني بعد أن رفضت الانتماء لأي أرض أو وطن ، أعلن نفسي وبملء سعادتي ، مواطنا مخلصا على أرض قلبك ، فبعدما كنت أظن أنني مجرد عابر سبيل بين محطات النساء ، توقفت أخيرا في محطتك أنت ، فألقيت حقائب سفري وأبيت الرحيل ، فهل ستأذنين لي بالإقامة الأبدية يا حبيبتي ؟

الجمعة، 8 يوليو 2011

درب الحب

على ناصية الطريق التقينا ، فوجدتك في حالة ارتباك قصوى ، وكأنك تحاولين الهروب من ذاكرة كل الطرقات التي مشيت فيها بالأمس ، ولكن هيئتك المكسوة بالخوف ، ماكانت لتقف حائلا أمام أنوثتك المتبخترة بالحسن ، وهذا كان يستدعي حرص خطواتي ، فلا أرتطم بفزع عينيك حين أعبر الطريق المتجهة إلى عتبات قلبك .

بسطت كفي الأيمن ، ودعوت كفك الأيسر للحظة عناق ، فإذ بتنهيدة تسبق موافقة منك على مضض ، وسرنا معا في درب لاندرك نهايته ، مأخوذين بوهلة الاكتشاف الأول لوحدتنا الموحشة ، وما كان لنا هم حينها سوى أن نخطو إلى الأمام ، لا نلتفت إلى الخلف المنكسر تحت وطأة أقدامنا .

دعوتك إلى تجاهل كل الشواخص التحذيرية ، وأكدت لك زيف ادعائها ، فمسرب هذا الدرب بعزم إرادتنا حتما سيكون نافذ ، وأخبرتك أنها ليست سوى مكائد لحسابات العقل ، ورجوتك أن تستمعي لأثير قلوبنا وهي تتغنى فرحة بدنو بشائر الحب ، ولكنك توقفت عند أول شاخصة حمراء صادفتنا خشية مخالفة قواعد الخوف .

وظل الضوء الأحمر متوهجا يلفح عزيمة خطواتنا التي انحنت للوقوف التام ، فأقسمت لك وأخذت عهدا على نفسي بدفع كافة غرامات تجاوزنا مهما كان الثمن ، ولكنك أبيت المخاطرة ، وتركت كفك المعروقة تجف بعيدا عن كفي .

سألتك فيما إذا كنت تخشين المسير في درب ممنوع ، فارتديت الصمت ولم تجيبي ، فخلعت الصبر وصارحتك إن كنت ستجزعين لرحيلي ، وعندها أجبت بنبرة مجهدة الضمير (( أخاف عليك أن تموت وحيدا بحادث سير )) ، فابتسمت ساخرا وقلت لك : (( الموت تحت إطارات الوحدة خير من الحياة بجانب قلب يخاف المسير في درب الحب )) .

الجمعة، 1 يوليو 2011

الاعزب الزائف

في الماضي حين كنت يافعا ، اتخذت من الأماني العاطفية دربا متعدد الاتجاهات ، وهذا كان يعزى إلى ضعف قلبي وهشاشة مقاومته إزاء أي أنثى كانت تشاركني الهواء في حيز المصادفات القدرية ، ولأنني سئمت من هزائمي المتتالية في خلط عناصر كيمياء الإعجاب المتبادل مع النساء ، سواء بتقاطع النظرة الأولى أو الثانية وحتى عدد لا محدود من النظرات التي تركن إلى حقيقة أنها أحادية المنشأ من بنات أمنياتي ، قررت إكمال نصف ديني والتخلص من لقب (( الأعزب )) .

اقتنعت تماما أن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى جسارة قلبي ، فلا يهرول خلف أي امرأة قد يصادفها في صباح أو مساء ، وهذا حتما سيساعدني في التخلص من أحلامي الليلة مع حبيباتي المفترضات تحت الوسادة الخالية ، وسيساهم في جعل الهدوء النسبي يخيم على أجواء حياتي العاطفية البائسة ، فلا تثيرها عواصف ولا أمطار نساء عشوائيات ، بل يسكنها صيف امرأة تشاركني الخبز والملح .

ولكن الطبع غلب التطبع ، وهذا حدا بي إلى مغازلة صديقة زوجتي في فترة خطوبتنا حين رمقتني بنظرة دمشقية من عيونها الخضراء ، ولم تتوانى نفسي الضعيفة أمام الجمال ، من فرض سطوة مراودتها على عيوني ، لتأتمر بأمرها وتطارد كل أنثى تواجدت في حفل زفافي ، حتى كاد يخيل إلي أنني سأتزوجهن جميعا في تلك الليلة ، وما كان لي حجة أو تبرير حين تلقيت صفعة من زوجتي أمام جميع الحاضرين ، سوى أن قلت لها (( عبد مأمور يا عزيزتي ... أنا أنفذ قرارات عليا وليس بمقدوري مخالفتها )) ، ولكن ماحدث في تلك الليلة كان مدعاة للتفكر حول مدى جديتي وعزمي في التخلي عن لقب (( الأعزب )) .

مضت الشهور الأولى على زواجي بسلام ، وبدأت أجد حصون مقاومة نفسي أمام فتنة النساء تتعالى في البنيان ، وهكذا أهملت دراسة عناصر كيمياء الإعجاب ، ولم أعد مكترثا بتفسير نظريات تجاذبها ، وشعرت بسعادة تغمرني ، وانصرفت إلى الاهتمام بعملي وبناء مستقبل مزهر لعائلتي ، حتى أصابني مجددا داء التمني ، وعادت خيالاتي أدراجها ، لتستقر في أحضان النساء لا ترواح مكانها ، فهطلت أحلامي بأمطار نساء لا تعد ولاتحصى ، وجدتها تتساقط من حولي في كل ليلة آمنة مطمئنة على وجه زوجتي ، فغرقت في سبات الأحلام ولم أخش البلل ، وما ارتديت معطفا ، ولا استعنت بشمسية ، بل وجهت قلبي إلى سحابات قلوبهن ، وقلت لهن امطرن يا حبيباتي دون توقف ، فصحراء الحرمان في عمري تتطلب أعواما لا منتهية كي تروى ، وهكذا أصيبت أرض قلبي بتخمة نساء ، حتى سرت في أعماقي جذور الحنين إلى سنين العزوبية العجاف .

وعدت أسأل نفسي عن سبب ضعفي المفاجىء ونهمي غير المسبوق كلما تواجهت مع النساء ، فما وجدت تفسيرا منطقيا لذلك ، ولهذا عقدت العزم على التظاهر مجددا بعزوبيتي ، لعلي إذا ما استئثرت بمياه الأمطار جميعها لن أظمأ بعدها قط ، وهكذا خلعت خاتم الزواج من يدي ، ومشيت في الأجواء الماطرة ذاتها ، فإذ بالغيوم تتباعد عن أجوائي بصورة مذهلة عصية على الفهم .

وقبل أن أطرح أرضا من فرط العطش والتعب ، تأتي سحابة امرأة وتظل متسمرة في سمائي ، فيشتد هطولها ولكنها لا تروي ظمأ قلبي ، على الرغم من حلاوة مذاقها ، وحينها اكتشفت أنني في حالة ظمأ قصوى لمياه أنثى ليس لها وجود في خارطة الكرة الأرضية .