السبت، 29 يناير 2011

المال وقلب المرأة

كان صباحا رتيبا باعثا على الكسل ، وبما أنه يوم عطلة ، فذلك كان سببا كافيا لي للبقاء في فراشي الدافىء ، وعدم تركه مرغما كما أفعل في أيام العمل ، ومع أن أجواء الهدوء التي تخيم أركان المنزل تكاد تقتلني ، إلا أنني لا أنكر مدى حاجتي للعزلة والخلوة بنفسي ، كي أتمكن من حسم أمر تلك الأحجية المكدرة لصفو مزاجي منذ عدة أيام .

بدأت عيناي تسارع الدوران في محجريهما ، مخترقتان فراغ الغرفة شبه المظلم ، وراقبت بصمت ولوج طرقات قلبي إلى بوابات حنجرتي ، كنت خائفا ، مضطربا ، قلقا ، تحاصرني الهواجس ، وتضيق الخناق على عنق راحتي ، فقدت الإحساس بالدفء ، وتجلدت أطرافي ، وباغت جسدي هجوم مفاجىء من نوبات الإرتعاش .

ركلت ملاءة الفراش ، وحاولت النهوض مسرعا ، لكنني لم أغادر السرير تماما ، بل جلست على حافته ، أتأمل وجهي في المرآة ، دون اكتراث لجولات المصارعة الرومانية التي انطلقت منافساتها للتو بين ركبتي ، وجهت سبابة يدي اليمنى صوب الشخص المتواجد في إطار المرآة ، فبادرني بالحركة ذاتها مستعينا بسبابة يده اليسرى ، صرخت في وجهه قائلا : (( أنت السبب )) ، فتحركت شفتاه بكلمتين لم أتمكن من سماعهما ، مسدت شعري بيدي اليسرى ، فمسد شعره بيده اليمنى ، قطبت حاجبي ، فقطب حاجبيه ، حدقت به وعيوني تقدح شررا ، فحدق بي بطريقة مطابقة تماما ، إنه بلا شك يتحدى صبري على أخطائه المتكررة ، ابتعدت عن السرير ، واقتربت منه أكثر ، وبدأت أصرخ في وجهه ودون توقف : (( أنت السبب )) ، حتى اختفت ملامحه وراء البخار المندفع من فمي ، وإذ بيدي التي كانت ترتجف قبل هذه المواجهة ، تتحول فجأة إلى أفعى تتضور جوعا ، وقد وجدت أخيرا فريستها ، فتشرع بعفر ذلك البخار بشراسة بحثا عن غريمها ، وتنقض بأنياب قبضتها على عنقه ، إلا أن أشلاء الزجاج هبت لنجدة من هو في حماها ، لترد تلك الأفعى خائبة ومضجرة بدمائها .

سالت قطرات الدماء على الأرض كصنبور ماء غفل طفل صغير أن يحكم إغلاقه ، فالتقطت منديلا وضغطته على موضع النزيف ، وطوقت يدي بمنديل آخر ، ثم ما لبثت أن تأبطت رواية كنت قد بدأت بقراءتها في الليلة الماضية ، وسرت بخطوات متثاقلة إلى المطبخ ، بغية إعداد قدحا من القهوة ، أشعلت الغاز بيد مرتبكة ، وتفرست الرفوف بحثا عن البن والسكر ، وبعد معاناة طويلة في إيجادهما ، أعددت قهوتي ، وجلست على منضدة المطبخ ، أقلب صفحات الرواية بتباطىء متعمد ، وكأنني أحاول تجنب قراءة السطر الذي توقفت عنده البارحة ، ولكن عيوني اتجهت وبمحض إرادتها إلى جحر الكلمات ذاته ، لتنبطح أرضا وتلدغ منه مرتين متتاليتين وأكثر ، وما طفقت تصر بعد كل لدغة ، على تكبد ألم مطالعته مجددا : (( ما أصعب أن تحب امرأة تعشق جيوبك لا قلبك )) .

كان كل شيء قد حدث عندما التقيتها بمحض صدفة قدرية في أحد المقاهي ، و جلست على طاولة محاذية لطاولتها ، ومنذ وهلة المشاهدة الأولى لها ، لم أتمكن من مقاومة رغبتي في إمعان النظر بكل تفاصيلها ، أصابتني حالة من الارتباك والفوضى ، إذ لم يحدث مسبقا أن أجد نفسي في حالة إذعان تام ، أنا وحواسي الخمس ، لجمال أنثى قط ، ولقد كانت نظراتي تطاردها من أعلى إلى أسفل ، ومن أسفل إلى أعلى ، بدءا بعينيها المدهشتين في اكتمال استدارتهما ، وقد توشحتا برموش كثيفة ، وحدقتين واسعتين من لون العسل الداكن ، ومرورا بوجنتيها المتوردتين بالفطرة ، وثغرها الخجول الممتلىء ، وصولا إلى خصلات شعرها البنية اللون ، والمنسدلة على كتفيها كالحرير ، وبشرتها الحنطية التي كانت تؤكد على أنوثتها المثالية .

تسارعت نبضات قلبي باطراد مذهل ، وهي تعبر أمامي إلى ركن هادىء لإتمام محادثة هاتفية ، فقد كان جسدها متناسقا كعارضات الأزياء المحترفات ، وعندها فقط ، حزمت أمري لإيجاد طريقة ملائمة في التحدث معها ، ومحاولة جس نبض قلبها فيما إذا كان مشغولا برجل غيري .

يقولون : (( الحب كالحرب ، من السهل أن تشعلها ، ومن الصعب أن تخمدها )) ، ولكنني وجدت أن معركة النظرات التي دارت بيني وبين تلك الفتاة ، لم تكن إلا من طرف واحد ، وهذا كان مبررا كافيا لي للإنسحاب والتراجع من تلك الحرب بأقل الخسائر ، إلا أن الغريب في الأمر ، والذي ظل كأحجية باتت تؤرقني في كل ليلة ، هو أنني وعندما أخرجت من جيبي محفظة النقود المتخمة برزم الدولارات كي أدفع الحساب ، اكتشفت أن تلك الفتاة قد أفرطت في التحديق بي بطريقة مستعصية على الفهم ، وعلى الرغم من هذا الإكتشاف ، غادرت المقهى دون أن ألتفت ورائي ، وأنا أجلد ذاتي بسياط الندم لوقوعي مجددا في فخ سوء تقدير الأشخاص من حولي ، وأتمتم بسؤال نفسي : (( هل المال حقا هو أقصر الدروب إلى قلب المرأة ؟ )) .

الثلاثاء، 25 يناير 2011

الحكومة المؤقتة لشؤوني المنزلية (( 2 ))

بعد الفشل الذريع لحكومة الطوارىء المؤقتة التي تم تشكيلها في الصيف المنصرم لتولي إدارة شؤوني المنزلية ، تعاود زوجتي الكرة مجددا وتسافر مع الأولاد إلى دمشق لقضاء عطلة منتصف السنة الدراسية عند أهلها .

بالطبع لم يطرأ أي تغيير يذكر على الوزراء المتواجدين في الحكومة الجديدة ، على الرغم من أن أداء بعضهم كان قد تسبب بكوارث عديدة في الصيف ، وجعلني أشعر بالخزي والعار عند عودة زوجتي .

فوزارة النظافة العامة والتي استحوذت على ثلث مخصصات موازنة الحكومة السابقة بداعي ارتفاع تكاليف استدعاء الخبير الباكستاني ، والذي كان من المفترض أن يتولى مهام تنظيف الأرضيات ودورات المياه والنوافذ ومكافحة الغبار الذي هاجم العديد من المناطق في المنزل ، كان يقوم بعمله في أوقات لايتواجد فيها مفتشي الوزارة للتأكد من كفاءة أدائه ، وهذا تسبب بكارثة كبرى عند عودة زوجتي ، إذ عج المنزل بالصراصير ، وتطلب ذلك جهدا مضنيا في مكافحتها ، ومجهودات مضاعفة في التهدئة من روع زوجتي ، والتي باتت صرخاتها على مدار الدقيقة كلما تحركت خطوة في المنزل ، لدرجة أنها كادت تقسم في أحد الليالي على مغادرة المنزل بعد ظهور السيد (( أبو بريص )) على سقف غرفة النوم ، والذي تمكنت من قتله بعد حرب شرسة دامت لأكثر من نصف ساعة ، وأنا أحاول فصل رأسه عن جسده بضربة موت قاضية .

ولم يكن الحال أفضل في أداء الوزارات الأخرى ، فوزارة تنظيف وكي الملابس لم تتعاقد مع الجهة الخارجية (( الدراي كلين )) والتي كان من المزمع الاعتماد عليها في تنظيف القمصان ، مع العلم أن مخصصات الموازنة العامة لهذه الوزارة كان قد تم توريدها إلى خزينتها ومن اليوم الأول ، إلا أن الوزارة آثرت الاعتماد على خبرات موظفيها ، وتوفير المخصصات لغايات أخرى في الوزارة ، وهذا أدى وبكل أسف إلى تكرار الكارثة المأساوية التي حدثت سابقا ، عندما تم دمج القمصان الفاتحة اللون مع القمصان الداكنة في حوض الغسيل وتلف العديد منها إثر اختلاط الألوان فوق بعضها البعض .

وزارة الطعام والشراب طالبت بعد عشرة أيام من تشكيل الحكومة السابقة بزيادة لمخصصاتها ، والسبب هو فشلها في تنفيذ الخطة الثنائية الأبعاد ، والتي كانت تهدف إلى تناول وجبتي الإفطار والغداء عند والدتي ، والتخلي مطلقا عن وجبة العشاء ، إذ لم يتم التقيد بتلك الخطة ، وحصل العديد من التجاوزات فيها ، فلقد تم تناول وجبات الغداء في كثير من الأحيان في المطاعم ، وكذلك فشلت الوزارة في مقاومة زقزقة عصافير البطن في المساء ، وهذا ساهم في زيادة أعباء نفقات الوزارة بسبب وجبات العشاء المتكررة ، والذي بدوره تسبب في زيادة حدة الإنتقادات الموجهة إلى وزارة المظهر العام بعد تراكم الشحوم والدهون في مختلف أجزاء الجسد وتعاظم حجم (( الكرش العربي )) ، وليس هذا وحسب ، بل حصل وبكل أسف عجز كبير في موارد وزارة الدخل الشهري ، ولم تنجح في تنفيذ مهامها المنصبة في إدارة وتنظيم نفقات الراتب وتوزيعها بشكل عادل ومتوازن على مدار الشهر .

خمسة أيام مضت لغاية الآن على إعادة تشكيل الحكومة ذاتها ، وبالرغم من كل الكوارث التي تسببت فيها ، فقد حصلت على دعم غير مسبوق من مجلس الشعب المنزلي ، وهذا كان كافيا لها لعدم تكبد أي عناء في عقد اجتماعات للتباحث حول خطط إدارة وتنظيم شؤون المنزل للمرحلة القادمة ، ولا أعتقد أن محاولات حركات المعارضة لإسقاط هذه الحكومة ستجدي نفعا ، فليس هنالك من حكومات بديلة ستكون أفضل في أدائها وإخلاصها وتفانيها بالعمل لمصلحة المنزل ، فالحكومات في المنازل العربية شعارها : (( مصلحتنا أولا ومصلحة المنزل أخيرا )) .

السبت، 22 يناير 2011

وخزة ضمير امرأة

(( أنا لست حجرا )) يا لسخرية الأقدار !! هذه الكلمات ما فتئت تطاردها ، وهي التي كانت تحسب أن ارتداد أصوات الأموات وهم يستصرخون ، حتما ستذوب وتتلاشى عند حدود أضرحتها ، ولكن هذا الميت الذي استيقظ من سباته بعد هذه السنين ، كان يرقد في مقبرة مغايرة تماما ، كان من المستحيل اختراق عتباتها ، إذ أن أفئدة الناس عندما يموت فيها الضمير تكون دوما أقسى من الحجارة .

عشرون عاما وهي تنام قريرة العين ، لم يتمكن فيها ذلك اليوم من التسلل عبر خلايا ذاكرتها ولو لثوان معدودات ، ولكنها لم تكن تتوقع قط ، أن يكون فلذة كبدها هو السحابة التي ستمطر رذاذ ذلك الريق الملتهب مجددا على وجهها ، وهو يصرخ متأوها من شدة المرض ، ويكرر العبارة ذاتها بعد يأسه من مقاومة الألم .

جفلت عيناها ، تكاد لا تصدق ما تسمع ، تذكرت كل التفاصيل ، وعاد بها الزمان رغما عنها إلى الوراء ، لتتذكر تلك العبرات التي انهمرت كالسيل وهي ترجوها أن لاتعقد العزم على الرحيل ، ولكنها أبت ، متذرعة بحجج واهية ، لتترك ذلك القلب الذي أحبها يحتضر دونما اكتراث .

هي لم تعترف يوما بأن قرارها كان خاطىء ، فذلك الشاب كان غير قادر على الزواج ، وكان يتحتم عليها أن تتذوق معه مرارة العيش والفقر ، بينما شقيق صديقتها المتربص بها منذ أمد بعيد ، فيكفي أن تمد له يدها ليدخلها إلى جنة الدنيا ومن أوسع أبوابها .

ولكن ماذا عن عهدها الذي نكثته في ذات ليلة من شباط ، عندما أقسمت له أن لايفرق بينهما إلا الموت ؟

قطعا هنالك مبررات لذلك ، فهي أكدت له قبل يوم الوداع ، أن قصتهما كالشمس والقمر ، طريدين في تعاقب الليل والنهار ، ولكن يتعذر لسقف السماء أن يحتويهما في آن واحد .

ثمة هواجس كانت تحاصرها باستمرار ، وتملي عليها الإذعان لشروط عقلها ، فوالدها ما كان ليبارك ذلك الزواج مهما حاولت إقناعه ، فهو لن يكرر خطيئته مع شقيقتها الكبرى عندما وافق على ارتباطها من شاب كان لايزال يحبو في درب الحياة .

إذن لماذا شعرت بوخزة الضمير وهي تسمع صرخة ولدها ؟

بالتأكيد هي مصادفة لا أكثر وليس هنالك من أدنى علاقة بين الصرختين .

عندما نذهب إلى فراشنا في كل ليلة ، هل نشعر حقا بوخزة ضمير تؤلمنا على أخطائنا بحق أشخاص لم يتسببوا بأذيتنا قط ؟

الثلاثاء، 11 يناير 2011

المدونة في إجازة

إلى جميع قراء مدونة أفكار وتساؤلات الكرام ...


ستكون المدونة في إجازة خلال الفترة القادمة ، و على أن يتجدد اللقاء معكم في وقت قريب بمشيئة الله تعالى ...


وإلى ذلك الحين تقبلوا مني كل التقدير والاحترام ...

السبت، 8 يناير 2011

هذيان الثانية والثلاثين

أبعد ميزان السنين ، فأنت تعلم أين سيستقر مؤشره ، لا توجد حبوب خافضة للعمر ، ودرجة أعوامك لن تهبط بعد اليوم عن الثانية والثلاثين .

يطمئنك الحلاق بأن رأسك لايزال حصنا منيعا في وجه المتمردين على وحدة لونه الأسود ، ويؤكد لك أنك تحبط وبكل شجاعة مخططات الصلع في تفجير بصيلات شعرك .

يرجوك أولاد الحارة لتلعب معهم مباراة كرة قدم في ملعب الشارع الدولي ، فتخلع رداء وقار عمرك ، في سبيل ابتسامة ترتسم على جدران قلوبهم الناصعة بالبراءة والنقاء ، وبعد تسجيلك للهدف العاشر في نزالك غير المتكافىء مع حارس المرمى ، تقنع نفسك أنك لا تزال صبيا في مقتبل العمر .

تنظر إلى المرآة وتقارنها بصورتك قبل عقد من الزمان ، وتسأل نفسك : (( ما الذي تغير ؟ )) ، فلا تجد أية إجابات حاسمة لتساؤلك ، مع أنك تدرك تماما أنك تبحث في المكان الخاطىء .

تسألك زوجتك بابتسامة استنكارية : (( كم أصبح عمرك ؟ )) وتداهمك قبل محاولتك للإجابة بحيرتها المصطنعة ، إن كنت قد وصلت للمحطة الثالثة والثلاثين في مشوار عمرك ؟ أم أنك رحلت للتو في طريقك إليها ؟ تستشيط غيظا من سخريتها ، وهي التي لا تزال في طريقها إلى محطة الربع قرن ، ولكنك تتظاهر أمامها بعدم الاكتراث ، وتكاد تقسم لها أنك تعبر محطات العمر دون الالتفات إلى أرقامها .

تقبل يد والدتك التي تبتسم بخوف وهي تبارك لك ظهور رقم جديد في خانة عمرك ، وتقول لك : (( أنت آخر العنقود ، فإياك أن تكبر أكثر )) ، وتتأكد حينها أن المرأة تبدأ بالخوف من الشيخوخة والموت ، كلما أضاف أصغر أبنائها رقما جديدا إلى مجموع سنوات حياته ، ولكن هواجسك عن الشيخوخة في تلك اللحظات تغفو في سبات عميق ، بعدما تتذكر مقولة قرأتها في يوم من الأيام : (( يظل الرجل طفلا حتى تموت أمه ، فإذا ماتت شاخ فجأة )) .

تناديك ابنة شقيقتك : (( يا خال ... ما هو رقم هاتف خالتي ؟ )) ، تجيبها وبكل ثقة على المقطع الأول ، وتتلعثم في المقطع الثاني ، وتستسلم عند المقطع الأخير وبكبرياء زائف ، معللا أن التكنولوجيا تسببت في ضمور وظائف ذاكرة الإنسان ، ولاتجد مناصا إلا باستجداء ذاكرة هاتفك المتعاظمة في القوة والسرعة ، لتنقذك من مأزق اكتشاف الآخرين لأداء ذاكرتك الذي بدأ يسير بخطوات معاكسة لخطوات عمرك .

ولكنك أقنعت نفسك بعد ذلك أن استرجاع بيانات الأرقام ليس معيارا حقيقيا لقوة ومتانة ذاكرتك ، فالعديد من الأشخاص في هذه الأيام يكتفون بحفظ أسماء من يرغبون بالاتصال معهم ويتركوا مهمة حفظ الأرقام لكبسة زر واحدة من هواتفهم ، وتتنفس الصعداء حينها ، وتخرج برفقة صديقك إلى جولة في أحد المولات ، وتشاء الظروف أن تتصادف هناك مع محام كان زميلا لك في عملك السابق ، والذي تركته قبل ثلاث سنوات ، ولكنك وعند لحظة السلام تدرك أنك عاجز عن تذكر اسمه ، فتتحايل عليه وعلى نفسك بخدعة الوقار والإحترام قائلا : (( أهلا يا أستاذ )) .

وتتوالى الصدمات غير المتوقعة عندما يقاطع الجار حديثك عن تفاصيل حادثة سرقة مضخات المياه من العمارة ، ويخبرك أنك تسردها له وللمرة الثالثة خلال هذا الأسبوع ، فتتدارك الموقف مبتسما : (( كنت أود التأكيد لك على وقوعها فقط ، فلقد سمعت أن مالك العمارة أنكر حدوثها ، وكنت أخشى أن تكون قد صدقت كلامه )) .

واليوم لابد من الاعتراف أنك كنت تعتقد استعجال النساء فقط في تقليب صفحات أعمارهن عند فصول الطفولة والمراهقة ، وتمهلهن دون جدوى عند صفحات فصول الشباب التي تطوى رغما عنهن .

فهل ستظل تخدع نفسك أيها الرجل وتدعي أنك لست مثلهن في طريقة قراءتك لكتاب الحياة ؟

الثلاثاء، 4 يناير 2011

الحب والحرب

اليوم سأعلن اندلاع الحرب مابين قلبي وقلبك ، فهل ستفكرين بطريقة (( ميكافيلي )) وتحاولين تأجيل وقوعها ؟ ولكن ماذا ستكون مصلحتك من ذلك ؟ فأنت لن تتمكنين من تفاديها مهما حاولت إلى ذلك سبيلا .

إذا كان (( آل كابوني )) أشهر عصابة مافيا في التاريخ قد تم اتهامهم بكل حالة قتل حدثت عدا قائمة ضحايا الحرب العالمية ، فأنا سأكون مجرما أكثر منهم وأقبل بكل الإتهامات على حالات قتل جميع القلوب التي ستحاول الاقتراب منك ، وبذلك سأناقض نفسي من سخريتي على (( محمد اسكندر )) عندما ردد بأعلى صوته قائلا : (( اللي بيرميك بوردة براسو بخرطش فردي )) .

أما خطاب (( جون كنيدي )) الذي أكد في يوم من الأيام على ضرورة قيام الإنسانية بوضع حد للحرب ، وذلك قبل أن تضع الحرب حدا للإنسانية ، فهو خطاب أكل عليه الدهر وشرب ، فإمبراطوريات العشق التي لا يغيب عنها الحب ، نشأت إثر حروب عاطفية طاحنة .

وسأعتذر من (( أحلام المستغانمي )) بسبب رفضي لمقولتها عن تصفية الحسابات التي تحدث في كل حرب بين جيلين من البشر ويموت على أثرها جيل من الأشجار في معارك يتجاوز منطقها الغابات ، ففي الحرب كما في الحب ، لابد من وجود ضحايا قلوب ليس لها أي ذنب ، حتى نتمكن من احتلال قلب المحبوب والسيطرة التامة على كل مشاعره .

أهو الطمع ؟ الأنانية ؟ حب التملك ؟ وكما قالت (( أحلام المستغانمي )) في موضع آخر : (( من الأسهل أن نتقبل موت من نحب ، على تقبل فكرة فقدانهم واكتشاف أن بإمكانهم مواصلة الحياة بكل تفاصيلها من دوننا )) .

أم هو الإقدام وبكل شجاعة على الخطوة الأولى في الهجوم العشقي ؟ وثقة تتجاوز حدود المنطق بقوة ذلك القلب الذي يهتف بأشعار (( نزار قباني )) قبيل ساعة الصفر ، قائلا : (( أتحدى كل من إلى عينيك يا سيدتي قد سبقوني )) .

وهذا سيتنافى تماما مع مقولة أنيس منصور : (( ينفتح قلب المرأة لمن يدق عليه كثيرا )) فأنا لا أود الدق والاستئذان ، فقلبي رجل حرب يتوق إلى المجازر العاطفية ، ولن يتورع عن كسر باب قلبك الموصد بالخوف والتردد من مواجهته كفرسان شجعان في موقعة (( أم المعارك العشقية )) .

أنت لديك خيارين لا ثالث لهما ، ولكن ليس الموت أو المواجهة ، كما قال القائد الخالد (( طارق بن زياد )) لجنوده : (( العدو أمامكم والبحر من خلفكم )) ، ففي حربنا العشقية سيكون : (( قلبي من أمامك وروحي من خلفك )) .

وأنصحك بعدم التفكير في اللجوء إلى استراتيجيات الحروب الباردة ، فقلبي ليس له حلفاء يعيشون في مجاعات عاطفية ، لكي يلتفوا من حول قلبك ويساعدوه على التخلص من قلبي ، بل قولي لي بالله عليك ، كيف من الممكن لقلوب لا تزال تقتني أسلحة بدائية في الحب أن تقف في وجه صراعات القوى العاطفية العظمى ؟

إنني أمهلك للمرة الأخيرة ، وقد أعذر من أنذر ، إما حبي وإما عشقي وإما جنوني ، فأيهم ستختارين يا مليكتي ؟

هل حقا الحب يكون أجمل عندما يشبه الحرب في عنفها ؟

أم أن الحب يكون أجمل عندما يشبه السلام في هدوئه وسكينته واستقراره ؟

السبت، 1 يناير 2011

الفتيات وسمفونيات التأفف

مع بداية هذا العام الجديد ، البعض يتمنى ، وآخرون يحلمون ، وأصحاب العقول النيرة يخططون ، والمستهترون قطعا لا يكترثون ، أما (( عامر )) فلقد قرر أن يمنع عيونه عن أي تقاطع محتمل مع عيون الفتيات ، ولكن لماذا يا (( عامر )) تريد التركيز على هذه النقطة بالذات ؟

فكان جوابه في المواقف التالية :

الموقف الأول :

أستيقظ صباحا وأنا في ذروة الكسل ، وذلك بسبب عاداتي السيئة في السهر منذ كنت في سن المراهقة ، وبالتأكيد لا أرغب في هذا العام بمحاولة التخلص من هذه العادة التي هي أقرب للإدمان ، فأنا مقتنع بفكرة تركيز جهودي على تحقيق هدف واحد ، والذي ذكره لكم (( أشرف )) في بداية الإدراج ، ولذلك فلن أشتت جهودي بين عدة أهداف ، فهذا سيؤدي بي حتما إلى الفشل في تحقيق أي منها ، عذرا للخروج عن الموضوع ، لنتابع ، أرتدي بدلتي التي تكون دوما من مشتقات الألوان القاتمة وأخواتها ، أقف أمام المرآة لمدة تتجاوز الربع ساعة مابين تصفيف شعري والتأكد من حسن هندامي ومظهري ، أخرج من المنزل وأركب سيارتي متجها إلى عملي ، أسارع في اللحاق بالمقلب الهاتفي (( للدكتور رفعت )) في برنامجه الإذاعي (( اطلع من راسي )) والذي يزيل عني كشرة الاستيقاظ المبكر ، وقبيل وصولي إلى منعطف الشارع الرئيس ، أجد في كل مرة فتاة مختلفة تقف عند مقدمة المنعطف ، تنتظر وسيلة نقل كيفما اتفق ، لتقلها إلى مكان عملها أو دراستها ، وبما أنني أكون مضطرا للنظر إلى يميني خوفا من وجود سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس ، فمن البديهي أن تشمل الفتاة محيط بصري ، وهنا تكون الضربة القاضية لي ، عندما تطلق الفتاة زفرة تأفف لاعتقادها أنني أنظر إليها ، ولأن بطلة هذا الموقف الصباحي تكون عادة أجمل من (( الليدي ديانا )) في أوج صباها ، أعذرها وأتابع مسيري إلى العمل .

الموقف الثاني :

يقول الكاتب الأمريكي مارك توين : (( ما أسهل الإقلاع عن التدخين ، لقد قمت بذلك مئات المرات )) ، وبما أنني فشلت العام الماضي في تحقيق هذا الهدف ، ولم أتمكن حتى من محاولة التقليل من آثاره السلبية المدمرة ، سواء من الناحية الإقتصادية أو الصحية ، وذلك لأنني كنت أفكر فقط في كيفية زيادة مصادر دخلي والتحايل على صحتي من خلال ممارسة الرياضة والمحافظة على وزني ، فكنت بذلك أشبه الشركة التي أعمل بها ، والتي كانت قراراتها تنحصر في كيفية زيادة الإيرادات وتنويع مصادر الدخل عوضا عن محاولة تقنين المصاريف والتخلص من بعضها نهائيا ، ولذلك فأنا أواظب على دخول (( السوبرماركت )) يوميا لشراء علبة سجائر ، وكالمعتاد فكلما أخطو الخطوة الأولى للدخول ، لابد للعبة المصادفات أن تهزمني وتضعني في مواجهة مباشرة مع فتاة تهم بالخروج ، وهنا تتكرر الضربة القاضية مجددا ، وتطلق الفتاة تحية التأفف ، وليس أمامي من خيارات سوى طأطأة رأسي ، فإن تحية كتلك ، من حسناء تتفوق في أنوثتها على (( نيكول كيدمان )) ، لابد من اعتبارها أجمل ما قد يتعرض له المرء .

الموقف الثالث :

في بعض الأحيان ، أذهب إلى مقهى الإنترنت القريب من مسكني ، وذلك كلما تعرضت للطرد الأدبي من المنزل ، عند حضور صديقات زوجتي وأولادهن لزيارتها ، والتي لا تتصادف إلا مع موعد قيلولتي المقدسة بعد العودة من العمل ، ومع أنني أجد في ذلك فرصة ذهبية للتخلص من عادة القيلولة ، والتي تعتبر من الأسباب الرئيسة لاستمرار عاداتي السيئة في السهر ، ولكنني مع هذا فشلت أيضا في العام الماضي بتحقيق هدف ضبط أوقات نومي بشكل صحي متناسب ، أدخل المقهى الذي يكون مكتظا عند هذا الوقت بالذات ، وكالعادة يكون حظي سيئا بسبب وقوعي في مأزق الجلوس على المقعد اليتيم الفارغ ، والذي يكون وبكل أسف بجانب فتاة ، أحاول المشي على أطراف أصابعي حتى لا أشعرها بقدومي ، ولكن أين المفر ؟ فبمجرد وصولي يبدأ موال التأفف بطبقات طربية تتفوق في قوتها على كوكب الشرق (( أم كلثوم )) ، ولامناص أمامي حينها سوى الاستمتاع بسماع ذلك الموال ، والتصفيق والتحية حتى نهايته ، فلقد اجتمع جمال (( إليسا )) وصوت (( أم كلثوم )) في جسد وحنجرة فتاة واحده .

الموقف الرابع :

في الفترة الممتدة مابين نهاية وبداية الشهر ، لابد من قيامي بجولة ، أطلقت عليها لقب (( جولة الموت )) ، وهذه الجولة تشمل زيارتي لمجموعة من البنوك والمؤسسات الخدمية (( شركتي الاتصالات والكهرباء )) ونضيف عليها (( شركة المياه )) والتي ستصبح زيارتها شهرية مع بداية هذا العام بعد أن كانت ربع سنوية ، وبالطبع فلقد ركزت جهودي في الأعوام الثلاثة الماضية على محاولة التخلص من هذه الجولة أو على أقل تقدير محاولة التقليل من عدد المحطات التي لابد لي من الوقوف فيها ، ولكن الأوضاع الإقتصادية ساعدتني مشكورة في الآونة الأخيرة على زيادة محطاتها ، مما ساعدني على تحقيق هدف مغاير تماما ، ولهذا غضضت الطرف عن تركيز جهودي لهذا الهدف خلال العام الجديد ، وبالوقت ذاته فأنا سأركز جهودي كما قلت لكم على هدف واحد فقط ، ولكن ما علاقة هذه الرحلة بهدفي ؟ هنالك علاقة وبكل تأكيد ، فالحظ العاثر فيها يلازمني دوما ، فبعد أن تطورت الخدمات في البنوك وفي تلك الشركات وتم التخلص من طوابير الاصطفاف أمام صناديق الدفع ، يصر جهاز نداء الأرقام الآلي على إيقاعي في فخ الذهاب إلى صندوق دفع تستلم مهامه فتاة ، وهنا ضربات وضربات ، في كل المحطات ، زفرات تأفف من هنا وهناك ، من موظفات البنوك ومن موظفات الاتصالات ، ولكن للأمانة والموضوعية فإن الحظ يبتسم لي قليلا في شركتي الكهرباء والمياه لأن موظفي الصناديق هناك من الذكور ، والذين أخشى استبدالهم في المستقبل بالإناث ، فهذا سيجعل جولة الموت حينها متكاملة ومتناغمة في سمفونيات التأفف الموسيقية ، والتي فشل أعظم الموسيقيين على مر العصور من تأليف ما يضاهيها روعة وجمالا ، وبما أنني أعشق الموسيقى الكلاسيكية ، فلا بد أن أرغم نفسي على تقبل هذا الإتجاه الجديد في مقاطعها ، والذي يسجل كبراءة موهبة لفتيات هذا الزمان .

أقاطع (( عامر )) قائلا : أنت بالتأكيد لا تقصد التعميم ، ولكنك بدأت تلاحظ انتشار هذه الظاهرة كثيرا ؟

(( عامر )) : نعم معك حق ، وصدقا لست أدري إن كنت أعاني من هذه الظاهرة وحدي ؟ أم يشاركني بها أشخاص آخرون ؟

- وماهي رسالتك التي تود إيصالها للفتيات يا (( عامر )) ؟

- أتمنى معرفة سبب هذا التصرف ؟ أنا لا أريد أن يبتسمن لي ، ولكن لماذا التأفف ؟