الجمعة، 26 أغسطس 2011

متى سيأتي العيد

حين كنت صبيا ، كنت أرتدي ثيابي الجديدة في ليلة العيد ، واستعجل النوم باكرا ، لأتجاوز الدقائق والساعات التي تفصلني عن لقاء العيد ، أستيقظ في الفجر على صوت والدي الذي يسبق وصول المؤذن إلى المسجد ، وهو يتضرع إلى الله تعالى بالفرج وسعة الرزق ، أقبل يديه ونتناول الكعك سويا إيذانا بحلول الفطر السعيد ، ونخرج مكبرين ومهللين ، متجهين إلى المسجد للصلاة ، وقبل أن يختم الشيخ خطبة العيد بالدعاء ، يستعجلني والدي للنهوض والإسراع في الخروج ، للقاء والدته وابنته اللتين ما ذرف دمعا في حياته إلا يوم أن واراهما الثرى ، ندخل المقبرة ونحن ندعو بغصة (( أنتم السابقون ونحن اللاحقون )) ، نقف على قبريهما ونتلو سورة (( يس )) ، ثم أتأمل قبر شقيقتي وأتحسسه بألم ، وأقسم لها أنني سأظل أحبها ولن أنساها مهما مضت بي السنين والأيام ، ثم نعود إلى منزلنا ونتناول وجبة الإفطار ، ونخرج لزيارة الأقارب في جولة واظبت عليها فرحا في كل عام مرتين ، وفي المساء أسارع إلى نفض محفظتي من النقود التي تجمعت فيها دون أدنى عناء ، سوى الابتسام والمسارعة بخبث الطفولة لتقبيل أقاربي ، وأخرج مع أصدقائي في نزهات لا نستطيع تحمل أعبائها المالية في سائر أيامنا الأخرى من العام ، كانت أحلامنا بسيطة وكانت أمنياتنا لا تتعدى لقاء محبوبة تتبسم لنا بخجل وهي تجلس مقابلة لنا في أرجوحة العيد .

ومضت بي الأيام ، لأكثر من عقدين من الزمان ، و أصبح والدي كهلا ولم يعد قادرا على المسير ، هجرت طقوس طفولتي وصباي ، وتعقدت أفكاري وأحلامي وأمنياتي ، أصبح زماني مملا وكئيبا ، و تغيرت مدينتي كثيرا ، أمشي في الطرقات ولكنني أشعر بالغربة ولا أجد أنني عدت قادرا على الفرح بقدوم العيد ، ما الذي حدث لي ؟

ربما أعترف اليوم أنني لست سوى شبح طفل ما عاد له وجود ، ولكنني لا زلت مؤمنا وعلى يقين أن العيد سيأتي من جديد ، ولكن متى سيأتي العيد ؟ ربما تكون هذه الاجابة في أعماق بحر امرأة لا تدرك لغاية هذه اللحظة أنها هي العيد .

الجمعة، 19 أغسطس 2011

دوما سيكون اسمك

" هذا ليس اسمي " ، اعترفت بذلك وهي تعتقد أنني سأغضب لاكتشاف حقيقة كتلك ، تماما كما يحدث مع الاولاد حين يكذبون على ذوويهم ويختلقون الأعذار لتبرير حضورهم المتأخر إلى المنزل بخمسة دقائق أو أكثر قليلا عن الموعد المقرر مسبقا وفقا لقوانين الأبوة الصارمة .


كنت على وشك الضحك حد الثمالة ، ولم يكن ذلك بسبب تسترها على حقيقة اسمها ، بل لأنني تذكرت هذا المشهد المتكرر في مسلسل حياتي في العديد من حلقاته العاطفية .


بل إنني لا زلت أذكر أول فتاة تحدثت معها ، ولازلت أذكر اضطراب جلستها أمامي وعيناها محمرة تتهيأ للبكاء ، كنت قد أقسمت لها أنني لن أخاصمها ثلاثة أيام بلياليها ، وأنني على عهد اشتياقي بها سأظل وفيا بين الدقيقة والدقيقة ، ولعل ذلك ما حفزها على النطق باعترافها الأخير أمامي ، بأنني لست حبها الأول ، فهل كان ذلك الاعتراف حقا يستدعي الاضطراب في البوح به منذ الوهلة الأولى للقائنا .


وعندما كبرت قليلا ، تواجهت مجددا مع النساء في لعبة الاعترافات الموقوتة على حسن ظنهن بامتلاك قلبي ، وعندما كانت تدعوني إحداهن إلى جلسة الاعتراف كي تلقي عن ضميرها أوزار تأنيبه ، اكتشف حقائق كان لابد من معرفتها منذ البدء وقبل المضي خطوة واحدة في درب الحب .


هناك من اعترفت لي بأنها اختزلت من عمرها الرسمي خمس سنوات في سبيل تسجيل قلبها في أجندة العاشقين ، وهناك من أكدت لي أن ثقافتها تعدل كل الشهادات التي أخبرتني مسبقا أنها تعلقها على جدران حجرتها ، وهناك من تدارت عن عيوني كي لا أعلم مكان سكناها ، وهناك من أعتقدت أن الفشل في خطبة أو زواج يعني أنها على القائمة السوداء التي لا تمكنها من التقدم مجددا لطلب الحب والحياة .


الأمر المحير بعد كل تجربة وبعد لحظات من الاعتراف المرتقب ، أن غيوم الفراق كانت تلوح في سماء قلبي وتمطره رغبة في الرحيل دون عودة ، حتى أن إحداهن قالت لي في ذات فراق (( أنا لم أكن أكذب ولكن كنت أتجمل كي أحظى بقلبك )) ، وما كان مني أمام قولها إلا الصمت والتساؤل عن سبب المراوغة والتلاعب بالحقائق منذ الخطوة الأولى التي كنا نخطوها في دروب حبنا المفترض .


واليوم أمام حبك العظيم وسرك الصغير ، أؤكد لك أنني لست غاضبا قط ، بل إنني سأغزل لك اسما من خيوط اللغة ، لم يسبق للعشاق و الشعراء أن عرفوه ، وحتى يكتمل اسمك في معجم الحب ، سأختار لك مؤقتا بعض الأسماء .


فهل أناديك (( يا عمري )) لتصدقي أنني ما عشت من قبلك ولن أعيش من بعدك ، أم أناديك (( يا حياتي )) كتأكيد لإدراكي معنى الحياة بعد لقائك ، أم أناديك (( يا حبيبتي )) كي يطمئن قلبك ولا يخشى بعد اليوم من الاعتراف بحقيقة اسمك ، فأنت حبيبتي وهذا دوما سيكون اسمك .

الجمعة، 12 أغسطس 2011

ديمقراطية الزوجات


زوج صالح كنت ، لا أعصي أمرا لزوجتي ولا أتلكؤ في تلبية طلباتها في العسر واليسر ، فلقد كنت على يقين تام بأن طاعة الزوجة حتما تودي إلى راحة البال ، وتنعكس إيجابا على كافة شؤون حياتي ، لتضمن لي عيشا هانئا مليئا بالسعادة والاستقرار .


لم أجرؤ في يوم أن أتمرد أو أعارض أو أرفض أو أتمنع أو أشكك في خوفها على الصالح الأسري العام ، فأنا لست خبيرا في تسيير الشؤون الداخلية ، ولم يسبق لي تحمل عبء مسؤولياتها ، ومن كانت يده في الماء قطعا لن تكون كمن يده في النار ، ولهذا فأنا لم اتدخل في رسم السياسات الداخلية لمسار حياتنا ، واكتفيت بالجلوس خلفها وهي تقود المركب ، مقتنعا تماما أنها ستصل بنا إلى بر الأمان .


كنت أخاف إبداء الملاحظات ، أو المناقشة في البدائل والخيارات ، فزوجتي تؤمن بأن تعدد الطهاة يفسد الطعام ، وأنا بحكم خوفي من إثارة الفتن ، عزمت أمري على اجتثاث أي صوت يدعو إلى التمرد و العصيان ، ومشيت وراءها أهتف مؤيدا ومناصرا لرجاحة قراراتها ، مستعيذا من وساوس أفكاري المضادة لعكس المسير .


حتى جاء يوم قررت فيه أن أخلع جلد خنوعي ، وأثور على ديكتاتورية زوجتي ، بعدما حدثني صديقي عن زوجته الأوروبية ، مستهجنا ما أنا فيه من ذل وهوان ، فزوجته ترعرعت في بلاد تحكمها الديمقراطية ، ولم يسبق لها أن فرضت عليه تنفيذ أي أمر لايقتنع به قط ، بل إنها تستاء من مضي يوم لا تجلس فيه مع زوجها لعقد جلسة مشورة يتباحثان فيها في الاستحقاقات الأسرية القادمة .


مضيت إلى منزلي وأنا أهتف باسقاط نظام زوجتي الظالم ، وانضم إلى ثورتي أزواج يعانون من المصاب ذاته ، وقبل وصولنا إلى مقر وزارة داخليتنا ، نشاهد صديقي وهو يركض حافي القدمين في الطريق العام ، وزوجته الاوروبية تلاحقه وفي يدها هراوة غليظة تضربه بها وتصرخ : (( سأطهر منزلي منك ... Location ... Location ... Room ... Room ... Corner ... Corner ))