الجمعة، 28 ديسمبر 2012

هزيمة حب فيسبوكية

كان نافد الصبر في كل زيارة تصفحية له على موقع التواصل الإجتماعي الأول " فيس بوك " ولعل ما كان يبرر الإفراط في السأم ، ارتفاع منسوب التخلف الديني والعربي فيما كان يتعثر به من صفحات نالت إعجاب أصدقائه في ملخص أخبارهم على صفحة " Home " فمن صور لإطفال يعانون من مجاعات وويلات بشرية ، تستدعي في نفسه مبادرات الدعم والتضحية والإيثار، والتي لم تكن لتجدي نفعا لو كان سبيلها بالمال أو الكلمة الطيبة ، بل بتحفيز سبابته للضغط على كلمة في أسفل الصورة " Like " كي يؤدي بذلك واجبه الإنساني المقدس .

ولربما كان ينقص عقيدته التوكيد بضغطة " Like " أخرى ، كي يشارك في حصد أكبر تجمع للموحدين بالله عز وجل ، بعدما تلقى رسالة تحذيرية من المشرفين على تلك الصفحة بارتداده عن دين الإسلام وانضمامه المعنوي لجماعة الإخوان العلمانيين في حال امتناعه عن ضغطة الـ " Like " ، حتى أنه توجس في نفسه خيفة من دعوة صفحة عابرة ظهرت على حين غره ، بعد أن طالبته بضغطة " Like " خاطفه ، ثم الصلاة على الحبيب المصطفى ، كي لا يتهم بمساندة الصفحات المحرضة على الإساءة للرسول الكريم .

وكم تغيرت قناعاته عند الدعاء بأمنيات كان يود لو أنها تتحقق ، فصور الأطفال الملائكية ، كان يتتبعها من صفحة بادرت بالإلحاح عليه كي يضغط "Like " أولا ، ثم يدعو المولى عز وجل بذرية تشبه في جمالها هؤلاء الإطفال ، ولكي لا يغفل عن التسبيح بعظمة رب العباد ، ظل يتفكر بكل صور عجائب الخلق التي أبدعها الرحمن ، والتي كان يتشاركها الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء من صفحات فيسبوكية لا تعد ولا تحصى ، ولكن شريطة الضغط بـ " Like " كي ينال الأجر والثواب .

وبعد أن تشنجت مفاصل ذراعه ونفرت العروق كأسلاك شائكة في كف يده ، من ضغطة " Like " هنا وأخرى هناك ، يقرأ عبارة على حائط امرأة تبكي حبا لم يأت في الساعة الواحدة بعد منتصف القهر ، لم يضغط " Like " ، فلقد كانت يده ترتعش بعد قراءة كلماتها التي ظلت متتابعة بالظهور على صفحة " Home " ، فهو رجل لا تغويه إلا امرأة تجيد التعبير عن مشاعر الحب ، يجد في هذا النوع من النساء فتنة استثنائية ، تمضي بروحه إلى دروب ممهدة للعشق .

وبعلامات استفهام عبرت أفكاره وتساؤلاته ، لم يجد سبيلا للحديث معها ، إلا بإدراج تعليق في متن واحدة من كتاباتها ، " الحب يأتي دوما من وراء أبواب موصدة لا نسعى لإيجاد مفاتيح قلوبها " ، لا تعقب على كلماته إلا بعلامات تعجب ، يؤوب مجددا إلى أزرار حاسوبه ، ليكون أكثر وضوحا ، " حين تلتقي القلوب بعد فراغ عاطفي ، لابد أن تتحرر من ذكريات الماضي بكل هزائمه وخيباته ، كي لا تبكي حبا قد يأتي الآن ويرحل غدا " .

تنقضي الساعات ولا يجد ردا على كلماته إلا بالصمت ، ثم يختفي اسمها من قائمة الأصدقاء ، يثني على حظه الذي يعاكسه على الدوام في العثور على امرأة تتناسب مع مقاسات أحلامه ، ويختم هزيمته العاطفية بعبارة يدونها على حائطه الفيسبوكي المهمل " إذا كان الاعتراف بالذنب فضيله ... فإن الاعتراف بالحب لامرأة في هذا الزمان قد أصبح أكبر خطيئه " ، ليجدها وقد بعثت له بضغطة " Like " بعد أقل من ثلاثين ثانية ، إلا أنها لم تكن كافية لاستجداء الأمل عنده في محاولة الحديث إليها مجددا .

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

أحلام وردية بالنساء

بعد قيام الخبراء المحليين باعداد مسودة جغرافية لخطوط الطول ودوائر العرض في منطقة الشرق الأوسط ، تبين أن العاصمة الأردنية " عمان " هي بمثابة خط جرينتش للمنطقة ، وهكذا جاء القرار الحكيم بإلغاء التوقيت الشتوي ، وانتظار ضوء النهار حتى الساعة السابعة والنصف كي أقتنع أن الوقت قد حان لمغادرة الفراش والذهاب إلى العمل ، وكما هي عادتي ، أقف أمام المرآة وأتحدى الرجل القابع خلفها في إظهار زينتي ، ثم أخرج من باب المنزل ساخرا من عناقيد الياسمين والورود في حديقتي ، فرائحة عطري تزكم بها الأنوف من مسيرة مزدوجة لعدة أقدام .

بالكاد عبرت خطوة خارج محيط المنزل ، وإذ بفتاة ترتدي " مريول المدرسة الأخضر " تقترب نحوي بخجل وفي عيونها لهفة ورجاء ، وفورا نشب صراع داخلي بين قلبي المتعطش لامرأة تؤنس وحدتي ، وبين عقلي الغاضب من نشوتي في الانقياد إلى رغبات شاذة بفتاة في سن المراهقة يكون حاصل مجموع عمري يساوي مجموع عمرها ولكن بعد قسمته على اثنين ، ومع هذا استقبلتها بفم فاغر ولعاب يسيل بالأمل لقصة حب غير عاديه ، ولكن الأحلام الوردية سرعان ما انقلبت إلى كوابيس مرعبة ، وهي تبدأ حديثها معي بمنادتي " عمو " ، حاولت تدارك الموقف والعبث مجددا في لعبة البحث عن الحب ، فقلت لها " نعم يا حبيبتي " ، وإذ بها تخبرني أنها أضاعت مصروفها المدرسي وتتوسلني لإعطائها دينارا عوضا عن ذلك الذي فقدته في الطريق .

ركبت السيارة وحاولت نسيان صدمة الصباح العاطفية التي ارتطم بها قلبي ، حتى وصلت عند إشارة ضوئية تفصلني ببضع كيلومترات عن مكان عملي ، وفجأة وبدون سابق انذار ، أنظر إلى يساري فأجد امرأة تبدو في منتصف العقد الثالث من عمرها ، وكأنها غارقة في التحديق نحوي ، حاولت بدءا أن أتجاهل المشهد بكل تفاصيله كي لا تزل قدمي في الفخ العاطفي الكاذب الذي وقعت فيه لتوي ، ومع هذا فلم أتمكن من المراوغة والمقاومة وبادلتها على الفور بالتحديق مع بعض الابتسامات والغمزات ، وما بين طرفة عين وأختها ، تتجهم ملامحها وتستحيل كغيمة سوداء ظهرت في كبد سماء زرقاء صافية ، وتنهال كصوت الرعد بشتائم استدعتني على الفور لتجاوز الشاخصة المرورية الحمراء والنجاة بأعجوبة من حادث شبه مؤكد .

أدخل مكان عملي ، وأقف مرغما في طابور طويل لانتظار المصعد الكهربائي ، فلياقتي البدنية لا تسعفني لصعود ثمانية طوابق بأدراج مزدوجة ، تقف أمامي فتاة شقراء بملامح شبه غربية ، ولست أدري لماذا كانت ما بين لحظة وأخرى ، لا تنفك عن الالتفات نحوي ، ثم لا تلبث أن تهمس ضاحكة في أذن زميلتها ، وهذا جعل فأر الحب يعود للجري سريعا ما بين شرايين جوعي العاطفي وأوردة قلبي الباحثة عن العشق ، حتى قرع جرس المصعد إيذانا بوصوله ، لندخل أفواجا تلو أفواج ، حتى فار تنور المساحة المتبقي فيه للهواء ، وقد كانت مصادفة لم أتعمد حدوثها ، بعد ان التصق كتفها بكتفي ، مما جعل قلبي ينبض في جوفي ، وأنا أنتظر اللحظة الحاسمة للهمس في أذنها بمشروع عاطفي محتمل ، يتوقف المصعد في الطابق الثالث وتضطر هي للخروج كي تتيح الفرصة للقابعين خلفها بالعبور ، وقبل عودتها إلى المصعد ، تغلق أبوابه وهي تهم بالدخول ، مما دفعني لشد ذراعها كي أسحبها إلى الداخل ، وعندها انقلب الحلم الوردي إلى كابوس مجددا بعد قيامها بصفعي على إثر ذلك السلوك الأرعن .

في طريق عودتي إلى المنزل ، أعرج على الصيدلية لشراء حبوب تعينني على النوم المبكر دون التفكير بالنساء ، وما أن أشاهد تلك الصيدلانية الحسناء بملامحها السمراء اللاتينية ، حتى تجددت الأحلام الوردية ، محدثا نفسي بالأقدار التي تبتسم للمرء بعد عدة عثرات ، وحين سألتني عن طلبي ، قلت لها " أنت الداء وحبك الدواء " فأشارت بإصبعها الملون بطلاء أخضر نحو الباب ، فطالبتها بمزيد من التوضيح ، لتصرخ في وجهي وتطالبني بالرحيل قبل أن تستدعي رجال الأمن .

عدت إلى المنزل ، ورقدت في سريري بحلم وردي لفتاة المدرسة والسيارة والعمل والصيدلية ، وأنا أزف إليهم عريسا في ليلة واحدة ، ثم تأتي زوجتي وتضرم النار بقاعة الإحتفال ومن فيها ، ولا أزال أصرخ حتى أيقظتني زوجتي من المنام وهي تسمي بالرحمن وتناولني كوبا من الماء كي تخمد نيران روعتي ، وحين سألتني عن الحلم ، استعذت من الشيطان الرجيم وأخبرتها بضرورة التكتم عن الحديث في الأحلام السيئة كي لا تتحقق .       

الجمعة، 14 ديسمبر 2012

أفكار وتساؤلات في الحب

أن تعشق امرأة في هذا الزمن المجنون ، يعني أن تسافر نحو المجهول ، تضع قدما أمامك وبالأخرى تتأرجح إلى الخلف ، ولا تدري أيهما سيقودك إلى قلبها ، فعودتك تعني أن يظل حبك مختبئا بين حقائب قلبك ، وذهابك إليها قد يكون سببا في إغلاق معابر حدودها العاطفية في وجهك .

المرأة لا تعشق بعيونها ، بل تعشق بأذنيها ، ولهذا فهي تختار دوما رجلا يقول ما لا يفعل .

موهبة الرجل وتفوقه في مجال علمي أو أدبي أو رياضي أو فني ، يجعل المرأة في أوج دهشتها منه ، ولكن إذا وقع في براثن حبها ، تتعجب من لهفتها في الماضي على الحديث معه ، فقد اكتشفت أنه كغيره من الرجال ، يذوب قلبه سريعا كقطعة السكر في الشاي ، بعد حركة خفيفة من ملعقة أنوثتها .

كلما أظهر الرجل سخريته وعدم اكتراثه بالنساء ، كلما زاد ذلك من إصرارهن على ملاحقته والإيقاع به في كيد أنوثتهن ، وحين يستسلم قلبه وترفع شرايينه الراية البيضاء ، يبدأن بالبحث عن فريسة جديدة لمطاردتها .

المرأة تختار الرجل المفتول العضلات ولا تختار الرجل النافر بالعقل والذكاء ، لاعتقادها بأن الأول سيحفظها ، والثاني سيكون سببا في مذلتها .

النساء كقنوات التلفاز الفضائية ، منها من تشيح ببصرك عنها من أول ثانية ، ومنها من تتأملها قليلا ثم لا يستدعيك عندها البقاء ، ومنها من تعكف على متابعتها طيلة الليل والنهار ولا تسأم منها قط . 

المرأة التي تهاجم الرجال وتنادي بالمساواة وتشتكي الاضطهاد من المجتمعات الذكورية ، هي من أشد أنواع النساء لهفة على قلب رجل يناديها للحب .

حين يعيش الرجل في وحدة عاطفية يكون حكيما ، فإذا صادف امرأة وحاول التقرب منها أصبح حالما ، و حين تعده بالحب يغدو عاشقا ، وعندما تهجره وحيدا لا يعود إلى سيرته الأولى ، بل تكون ذكرياته معها سببا في تهجين مراحل دورة حياته السابقة ، ليعيش ضربا من الجنون .

إذا طمست اسمي من أوراق ذاكرتك ، فتذكري أن اسمك هو عنوان كتاب ذكرياتي في مصنفات أيامها التي تحدثت عن الحب . 

الجمعة، 7 ديسمبر 2012

كيف تكون محبوب النساء

أخلاقك المادية قد تكون حجر الأساس في لعبة مصيدة الحب من النظرة الأولى ، ولا بأس حينها من بلاهتك المتعمدة أو المتوارثة في جينات عائلتك التي أنجبتك إلى الدنيا وفي فمك ملعقة من ذهب ودولارات ، هي تكفي كي تستوي في كفة ميزان الرجولة بين أقرانك الذين يتفوقون عليك بفيزياء الذكورة ، ويندحرون خلفك كالحشرات عند مضاهاة ملاءتك المالية مع أرصدتهم المفلسة في جيوب مهترئة من البطالة والفقر .

وإذا لم تهيئك الأقدار لذلك الثراء المتأتي في معظم الحالات من عمل والدك في منصب حكومي رفيع المستوى ، فالفرصة لا تزال متاحة أمامك للتسكع في الأسواق والبحث عن وظيفة في محل تجاري براتب زهيد وساعات عمل بخانات رقمية ثنائية التركيب ، وحينها سيكفيك أن تداعب كل امرأة تعبر من أمامك بكلمات تدغدغ أنوثتها المكبوتة خلف حياء زائف لا يبرره سوى سذاجة مجتمع لا يعترف بعفة المرأة وطهارتها إلا حين تخفي منه شعر رأسها فقط .

ولديك فرصة لايتوجب عليك هدرها إذا فشلت في تقمص ما سبق ذكره آنفا ، وذلك حين تنبعج في أجواء عمل مختلطة في مؤسسة كبرى ، وتنخرط بين النساء في أحاديثهن عن الموضة والأزياء أو برامجهن الغذائية المتنوعة لإنقاص الوزن الذي يتتابع في الارتفاع ، وقد تنطوي معهن في حوار سياسي أو اجتماعي يتلخص في كيفية شراء هاتف التفاحة بالتقسيط المريح ، وتناقش معهن جميع العبارات المكتوبة عن ضجرهن على حائط الفيس بوك بعد خروجهن من المقهى الذي يبدأ اسمه وينتهي بحروف لاتينية مبهمة المعنى والقصد .

ولكن أتدري ما هو الدور الذي أتمناه لنفسي ، امرأة أصادفها وتستمع إلى هذيان رجل يحدثها عن عالم افتراضي محرم فيه تناحر شرايين القلب الواحد .