الجمعة، 25 يناير 2013

قلم على قيد الكتابة




ضجيج الكلمات لا يتوقف عبثا بأفكارك ، ولهذا فهي اليوم تنشطر كمربعات الكلمات المتقاطعة في خطوط عمودية وأفقية في ذاكرتك ، ولكنك تقف حائرا أمام التساؤلات التي قد تعينك على كتابة الإجابات الملائمة في فراغاتها البيضاء ، وكأنك تتمنى لو كانت كل الخانات سوداء ، كي تلقي بقلمك على الأرض ، وتعلل انسحابك من لعبة الاعتراف أمام الذات .

من أين ستبدأ ؟ وكل سؤال ستجد في نهايته علامة استفهام مبللة بالدمع والدم !! 

فمنذ قدومك إلى الدنيا باكيا ، وأنت تتمنى لو كنت في زمان غير زمانك ، ولهذا ضاعت منك بوصلة التأقلم مع العالم من حولك ، وتوالت عليك الهزائم والخيبات في شتى ميادين الحياة منذ ثلاثة عقود مضت في مشوار عمرك على هذه الأرض . 

ليس هنالك ما يبرر الفرح الطارىء في أيامك ، وعلى وجة الدقة في وصف حالك ، فإن الحزن يليق بك أكثر ، ولا تزال تسأل نفسك مندهشا عن السبب ؟!!

قال لك أحدهم في ذات يوم : (( لا تلقي بأسباب فشلك على الآخرين ، فمواجهة الحياة لا تكون إلا بمقدرتك على الصمود أمام لكمات مصائبها دون أن تتعثر أو تنكسر أو تنحني مذعنا لليأس )) . 

ومع أن الصمت أبلغ مقالا في هذا المقام من الإحباط ، إلا أن قلمك سيظل على قيد الكتابة . 

الجمعة، 11 يناير 2013

حبيبها ... متى أكون ؟


ذهبت في رحلة من الأمنيات العاطفية ، وتمادى الخيال في تصوير مشاهد رومانسية حرجة عند كل لقاء عابر مع امرأة واقعية أو افتراضية ، فعندما مشيت في السوق ، داعبتني كل النساء بنظرة ثم ابتسامة ثم صفعة على الوجه عند الرد على تحية الإعجاب الأول ، وحين ذهبت إلى المستشفى إثر نوبة عاطفية حادة ، تجهمت الطبيبة الحسناء في وجهي وغرزت حقنة مضاعفة من الجفاء في أوردة قلبي ، ولما عزمت أمري على التسول العاطفي في صفحات الدردشات الالكترونية ، تصدقت قلوب لا تعد ولاتحصى على قلبي ، إلا أنها لم تكن من قلوب " الجنس اللطيف " . 

وبحثت في دفاتر الذكريات العاطفية ، عملا بقاعدة التاجر المفلس ، فوجدت أن معلمة الرياضة قد أهملتني بسبب ضمور عضلة القلب عند الجري خلفها ، وأن معلمة اللغة الإنجليزية قد وبختني بعد أن كتبت لها رسالة غرامية باللغة العربية ، لتنتهي هزائمي العاطفية في المرحلة الإبتدائية بطردي من حصة معلمة الرياضيات بعد أن أكدت لها  أن الكسور العاطفية لا تقبل الجمع إلا إذا كانت هي البسط وكنت أنا المقام .

وفي المرحلة الثانوية ، تقصيت أثر فتيات بمساقات متباينة الاتجاهات ، فطالبة الفرع العلمي كانت تسخر من جهلي لقوانين الفيزياء العاطفية ، فهي سمراء وانا مثلها أسمر ، والمرء لا ينجذب إلا لنقيضه ، وكذلك فقد مزقت طالبة الفرع الأدبي كل قصائدي الموزونة على بحرها العاطفي ، معللة تأثرها بشعر " عمر بن أبي ربيعه " ، رجل تجري من ورائه النساء ، أما طالبة الفرع التجاري ، فقد شطبتني من دفاتر حساباتها العاطفية بعد أول نزهة لنا في الحديقة التي يرتادها عشاق الدخل المحدود .

في الجامعة لم تكن لدي الشجاعة الكافية لمواجهة طالبات الطب والهندسة والصيدلة ، فأنا أكره منظر الدم ولا أجيد الرسم ولا أتطبب إلا بالأعشاب والمستحضرات الطبيعية ، ولم اجتهد كذلك في تعلم الحضارات الإنسانية والعلوم التربوية وتقنيات الحاسوب ، ورسبت في امتحان مستويات اللغة العربية والإنجليزية ، فلم أكن موضع اهتمام أي طالبة تبحث عن جسر عبور عاطفي لتحصيلها الأكاديمي حتى سنوات التخرج .

وخرجت إلى العمل ، وطرقت كل أبواب الرزق العاطفي ، فاندثرت أحلامي في العشق ، وتبين بعد كل فحص عاطفي أن قلبي غير لائق كي يحظى بوظيفة الحب ، وعدت أدراجي إلى الوحدة والبطالة العاطفية ، ونشرت إعلانا في الصحف الرومانسية ، ودونت فيه كل قصائد غزلي العذرية ، فهاتفتني امرأة من رقم مجهول ، وأغلقت الخط قبل أن تجيبني على سؤال كان ينتظرها منذ الأزل ، فحبيبها متى أكون ؟ ولا زلت أبحث عن عنوانها المستحيل ، بين الماضي والحاضر والمستقبل ، مع أنني أجزم باستحالة وجود صيغة توافقية بين الجغرافيا والتاريخ العاطفي .

الجمعة، 4 يناير 2013

طباخة الحب

كنت مثابرا على الدوام في متابعة كل برامج الطبخ منذ عصر القنوات الأرضية الغابر ، حين كانت تطل علينا في القناة الرسمية الأولى ، مذيعة مشتق اسمها الأول من الوفاء ، وينتهي مقطعه الأخير بحرف نداء متصل بكناية لفظية من اسم المحامي الشهير الذي عجز " عادل إمام " عن حفظه في مسرحيته الشهيرة " شاهد ماشفش حاجه " ، بعد أن كانت تستضيف في كل يوم رمضاني قبل موعد الإفطار ببضع ساعات ، طهاة الفنادق بنجومها الخمس ، فيسيل لعابي وتتمادى معدتي في البكاء ، وهي تتمنى تذوق تلك الأطباق الشهية بلحومها الحمراء والبيضاء ، مشوية كانت أم مقلية ، وتغوص حتى آخر نفس بين أطباق الأرز والمعكرونة حتى التخامه ، ثم لتتلاعب بعناقيد المحاشي ومشتقاتها من ورق العنب والكوسا والباذنجان ، وتختمها بمسك الحلويات التي لن تسبب السكري بقليل منها أو حتى كثير ، وعندما تبتسم لي من وراء الشاشة وتعيد تلقين المقادير ، تودعني متمنية لي الصحة والعافية ، وأنا في الواقع لم أتذوق شيئا من كل ما شاهدته عيوني ، بل اكتفيت بالتحديق في المذيعة والطعام ، وخسرت الرهان بعد موعد الإفطار مع أصدقائي الذين اجتهدوا في تفسير شخصية الشاب المقصود من ابتسامة المذيعة التي ذاع صيتها في تلك الحقبة الزمنية المنغلقة على ذاتها بـ " حسناء الشاشة " .

ثم جاء عصر الفضائيات ، وأصبح يسيرا مشاهدة برامج الطبخ على مدار العام دون انتظار شهر رمضان ، ولم يعد لزاما التقيد بمتابعة مطبخ بلد بعينها ، فكبسة زر واحدة ، كانت تكفي لرحلتي بين مطابخ العالم من مشرقها إلى مغربها ، وحسناء الشاشة قديما ، هرمت أمام مذيعات الفضائيات المتفق عالميا على كفاية حضورهن أمام أي مائدة طعام ، لتكون كفيلة بفتح شهية المرء إلى أجل غير مسمى ، ولكن ظل التساؤل قائما ، وغيوم الحيرة لم تبددها شمس التجارب الفعلية بتذوق كل هذه الأطباق المعدة بحرفية ومهارة تزيغ بالأبصار ذهولا وبالمعدة لهفة على قضمها حتى آخر لعقة بالأواني الفاخرة التي تزينها وتبهر كل من يواجهها في حالة جوع أو حتى في حالة شبع . 

أنت يا عزيزتي تشبهين هؤلاء الطباخين تماما ، كل من يراك ينبهر بطريقتك في الحديث عن الحب ، توهمين العشاق بهيئتك الرومانسية ، وقلبك الحساس ، ومشاعرك المرهفة المتداعية بين حروف العشق ، تصورين مشاهد المرأة الأسطورية المنبعثة من بين دفاتر شعر نزاري ولحن كاظمي يجعلك كحلم اجتهد في وصفه جحافلة الأدب الرومانسي ، وتنامين قريرة العين ، حين تحتشد القلوب التي تعاني من مجاعات عاطفية ، لتتذوق معك لحظة حب ، وأنا أعترف اليوم أنك تجيدين طبخ الحب ووضعه في قوالب كلامية فاخرة ، ولكن يظل التساؤل عن مذاقه إن كان شهيا ، أم أن القلب سيلفظه بعد أول قضمة عاطفية ؟ تماما كالطعام الذي كنت أتوق لتذوقه في كل برامج فنون الطبخ التلفازية .