الجمعة، 26 يوليو 2013

كيف انت ؟


استفتح معها الحديث بذلك السؤال الاستنكاري الذي لم يكن لينتظر إجابته ، كيف أنت ؟ ، وكأنه حاول اختبار كبريائه المنكسر على صخور ذاكرتها المتصدعة بين الجفاء والنسيان ، واستعاد في ذلك موجة شوق وحنين إلى امرأة كان يتمنى أن تدرك صدق لهفته ورجائه بكتابة سطر جديد في رواية عشقهما الأبدي ولو كانت من طرف واحد على الأقل ، فهذا يكفي لتجنب الإسهاب والمبالغة في تصنيف حالات لم تكن مدرجة في قوائم الحب الناقص ، وعندها يكذب عقل العاشق ولا يصدق قلب المعشوق .

ظل يعتقد أنها لن تواجه الحياة في لحظات من السعادة قد لا تحتمل وجوده بالضرورة في مواقيت الأيام وبوصلة الزمن المعاكسة لكل الاتجاهات المؤدية إلى الرجاء ، وظن خائبا أنها امرأة لا تجيد فن المراوغة والاختفاء والإبحار إلى أبعد نقطة في أعماق محيط متجمد من العواطف التي غرقت قبل الرغبة الزائفة في اللقاء ، ولكن خارطة الطريق إلى أمنياتها بالحب ، استحالت إلى أحجية جغرافية وسياسية وتاريخية ، فهي حورية تقطن البحار وهو شامخ بغروره كالجبال ، وهو يساري ثوري في مشاعره وهي تخاف تيارات مناوئة للتغيير ، وبين الماضي والحاضر والمستقبل ظلت على خلاف معه في أيام قد تأتي وتكون أجمل .

في معجم اللغة ومرادفاتها ، من سيكون يا ترى الضحية ومن سيكون الجلاد ؟ ذلك اسم مذكر والآخر ارتبط بتاء التأنيث ، وكأن اللغة أيضا ترفض الاعتراف بظلم المرأة وجبروتها في حق الرجل ، فحين يغدقها حبا تتكبر وتوهمه بعدم الاكتراث ، وإذا بحث عن الحنان المفقود مع سواها تدعي أنه كاذب ومخادع ، أما إذا انكسر وانهزم واعتزل في صومعة الحزن ، تطمئن وتكمل حياتها بهدوء وسكينة وكأن شيئا لم يحدث ، وإذا سأل سائل عن المذنب لن تعترف أبدا بذنبها عند إشعال الحرائق في غابات قلبه ورحيلها دون الالتفات إلى مشاعره بعد ان تصبح كأعجاز نخل خاوية ، فحينها تصبح هي الحكيمة العاقلة ، وتدعي أن ما كان ليس سوى ضرب من الجنون جعلها تستيقظ قبل فوات الآوان ، فكم أنت غبي أيها الرجل بعد كل هذا حين تسأل المرأة عن حالها وتظن أنها ستعترف لك أنها عاشت في الجحيم طوال فترة غيابك !   

الجمعة، 19 يوليو 2013

أنت عربي


وهذا يلزمك أن تستمسك بأصولك القبلية وما يتبعها من تعصب أعمى إلى ذوي القربى وأبناء العمومة كي تنصرهم وتستنصر بهم ، فحرب هنا وحرب هناك ، لا تستدعي منك بالضرورة أن تفكر في مسوغات مذابحها ، إذ عليك وفقا للمفهوم الذي احتمل تأويلات ليست بكل تأكيد عن عقيدة دينية " أن تنصر أخاك ظالما كان أم مظلوما " .

وحيث أنك عربي ، فهذا يعني تفوقك العرقي على سائر شعوب الأرض ، فمن القمع و إقصاء الطرف الآخر ، إلى الكذب والنفاق والخيانة ، ولا تسأل عن تاريخ مشرف في حروب طاحنة رفع فيها كل الأطراف راية النصر ، إذ أن الخاسر الأكبر منها لم يكن سوى دم عربي سال من كؤوس الأعداء على أهازيج وأناشيد أبدع فيها شعراء العرب تمجيد قادتهم وجيوشهم وأجهزتهم الأمنية وبطولاتهم التي لم تتعدى حدود بلادهم الغارقة في الانحطاط السياسي والإقتصادي والديني والاجتماعي ، فكم هي عظيمة الشعوب العربية !

في بلاد العرب ، تنوع ليس له مثيل في توليفة تبهر كل المجتمعات الإنسانية ، فعند الحديث عن السياسة يمكنك أن تفاخر بالمشهد الديمقراطي الذي تعج به شوارع كل مدينة عربية ، فتجد كل حارة رفعت راية جماعة تنقاد خلفها كقطيع الأغنام ، وإذا تأملت قليلا حالة الإقتصاد ، تكتشف أنه متسارع على الدوام من أطوار النمو والإزدهار إلى مقبرة الانكماش ، وهذا ليس ناشئا عن ارتفاع معدلات البطالة واحتكار السلع وأدوات الإنتاج ، أو بسبب سوء استخدام الموارد وضعف خطط التنمية والجهل في تطبيق نظريات الإقتصاد ، بل إنك إذا أمعنت النظر في التربية الدينية والمجتمعية والأخلاقية ، تزداد قناعاتك ويطمئن قلبك وتحمد رب العباد أنك خلقت واستوطنت في هذه البلاد .

إذن من أين سنبدأ الكلام وكيف من الممكن أن نفرغ مما في جعبة صدر أثقله صمت طويل ، هل نتحدث عن رؤوس أموال عربية تتهافت على شراء أندية كرة القدم الأوروبية ، وبيوت عربية تنام خاوية من كسرة خبز ؟ أم لعلنا سنخوض في الجدال طويلا عن دعم حركات تتدعي أنها دينية ؟ وهي ليست سوى أداة قتل وترويع لشيوخ وأطفال ونساء ليس لهم سوى رب رحيم يحفظهم من أيدي هؤلاء المرتزقة الشياطين ، ولربما سنكون كارهين عند تذكر تلك الأنظمة الديكتاتورية المستبدة التي لا تحكم شعوبها إلا بالدم والذبح والتعذيب في المعتقلات والسجون ؟ 

أين المفر في أوطان ليس فيها للإنسان من قيمة تذكر ؟ وماهي سيرة حياتك التي لاتزال بغباء تفاخر فيها بعروبتك ؟ بفقرك أم بجهلك أم بكبتك ؟ أم بأحلامك التي لن تشاهدها إلا في منامك ؟ 

استيقظ أيها العربي من سباتك ، وانظر من حولك إلى شعوب الأرض ، تعلم من تجاربهم ، وتأمل في سيرة حياتهم ، قبل أن تبتهج لخطابات القادة والحكام حين يخدعونك بقولهم أنك وأمثالك شعب عظيم !!         

الجمعة، 12 يوليو 2013

النداء الأخير

  
لعلها بقايا من أمنيات ، وسطور تكتب على قيد الشوق والحنين ، ولكن لا أستجدي من ذلك أملا معقودا بخيوط الكذب والوهم ، فلربما صدقت بي مقولة ذلك الرجل المتصابي " لقد هرمنا ونحن في منتصف العمر " .

وقبل أن أتم عدة أعوام عجاف في غرة العقد الرابع من تقويم حياة تمضي كمر السحاب ، إذ بي أشتاق إلى ياسمين الشام المحاذي لحديقة الجاحظ والمتواري خلف جبال الأطلسي المتجمد ، ولست أدري إن كان في العمر بقية كي أدندن لحن " مارسيل خليفه " من فوق قمة جبل قاسيون ، وأنت تجلسين غير آبهة في إحدى مقاهي الشام القديمة ، تنتظرين رجلا بعمامة يقنعك بمحبته للسوريين . 

ولم أكن أدري أن في القاهرة أحزاب لا أنتمي لها ، فأنا لست ناصريا أو من أتباع القوميين ، ولم أكن في الضرورة من جماعة الإخوان المسلمين ، وكرهت انبعاث شرذمة من الاشتراكيين ، ونبذت وراء ظهري أنصار الراأسماليين ، لم أكن أخشى سوى حبيب يقف بمحاذاة نهر النيل ، ولم يدرك أن في الحب ديمقراطية كما السياسة ، فنجتمع رغم اختلافنا في قلب عاشق واحد .

وفي بيروت حلم اندثر قبل أن تغمض العيون أجفانها ، فلم أبحث عنها في الضواحي الشمالية أو الجنوبية ، كي لا يعتقد من في قلبه مرض أن حبيبتي ليست لبنانية .

وهناك بين دجلة واالفرات ، كان موعدنا المرتقب ، ولكن تأشيرات الدول الاسكندنافية ، جعلتني احتار في موقع تلك النخلة البغدادية التي هاجرت أرضها تبحث عن حياة ليس فيها دم أو حروب .

واليوم سأعترف أن المسافة بين عمان والقدس ليست ساعتين كما كان يدعي الآباء والأجداد ، فبعد النكبة والنكسة وفك الارتباط ، وقفت على ضفة النهر الشرقية وضاعت من بوصلة قلبي ضفته الغربية ، إذ كان لزاما الاعتراف بمشروعية عقد القران على امرأتين " عربية وعبرية " ، فقررت الرحيل قبل النداء الأخير كي أستوطن أرض امرأة أعجمية ، فهل ستفلح في بتر الحنين في قلبي إلى نساء العرب أجمعين ؟