الأربعاء، 28 أبريل 2010

الحب على الطريقة العربية

احتدم النقاش بيني وبين مجموعة من الأصدقاء بينما كنا نجلس في المقهى قبل عدة أيام ، وقد كانت ظاهرة العنف المنتشرة بين الشباب وبخاصة في المجتمع الجامعي هي العنوان الأبرز لسبب خلافنا الذي اشتدت حدة وتيرته بسبب انقسامنا في الرأي إلى فريقين .

الفريق الأول الذي كنت أرفض الانتماء لرأيه كان يرى أن السبب الرئيس لذلك العنف هو شعور الشباب بالإحباط بسبب المستقبل المجهول الذي يترصد بهم وهم يشاهدون في كل يوم تلك الأزمات والنكسات والمصائب المتتالية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي مما لاشك فيه تتصدرها قضية ارتفاع معدلات البطالة بسبب عدم توفر فرص العمل لتلك الأعداد الهائلة التي تتخرج في كل عام .

الفريق الثاني والذي كنت أعلن ولائي التام لرأيه هو الذي كان يجزم أن المحرك الرئيس لذلك العنف سببه الفتيات ، وبين نقاش ومجادلات من هنا وهناك ظهر المغني (( محمد اسكندر )) على شاشة تلفاز المقهى ليجبرنا جميعا على الصمت وهو يردد أغنيته الدموية (( قولي بحبني )) مستعرضا كل بطولاته وأمجاده التليدة أمام حبيبته ، فيقول لها تارة : (( اللي بيرميك بوردة براسو بخرطش فردي )) ، وتارة أخرى يقول : (( اللي بيطلع فيك ليتملو عيالو )) ، ثم يتابع قائلا : (( من اليوم وبالرايح بكل المطارح رح توقع مدابح لو فيك تغزلو )) .

نعم وبكل أسف هذا هو الحب على الطريقة العربية الذي لابد فيه من استعراض مواهب العنف والمهارات القتالية والبطولات الاستثنائية في إباحة دماء الآخرين ليتم تعبيد الطريق المؤدي إلى قلوب الفتيات ، ولكن هل الشباب يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم ؟ أم أن هنالك سلاح خطير يتربص بقلوبهم سببه كيد وفتنة تلك الفتيات اللواتي يفتعلن المشاكل لاختبار مكانتهن وغلاوتهن لدى الشباب ؟ والمشكلة أن هؤلاء الفتيات ينصب تفكيرهن فقط في إرضاء أنوثتهن من خلال الاستعراض أمام أقرانهن من الفتيات كيف أن الشباب يتقاتلون من أجلهن وبالطبع وبسبب تلك الأفكار السخيفة والغبية تحدث المذابح والمجازر الدموية .

أنا شخصيا عندما كنت في السنة الثانية من دراستي الجامعية تعرضت لمثل هذا الموقف عندما جاءت زميلتي المقربة لي كثيرا تطلب النجدة والمساعدة بأن أنقذها من شاب يترصد بها دائما عند موقف الباص في أثناء مغادرتها للجامعة ولا أنكر أبدا أنني وبكل أسف في ذلك الوقت اندفعت إلى المكان المتواجد فيه ذلك الشاب بعد أن ثارت الدماء العربية في عروقي وهي زمرة متميزة من الدماء لاتعرف أن تثور وتتفجر كحمم البركان الملتهبة إلا على أبناء جنسها وبالتأكيد حالي بذلك كحال العديد من أبناء هذه الأمة ، وفعلا اندفعت كالثور الهائج في حلبات المصارعة الاسبانية وبدأت بضرب ذلك الشاب بكل وحشية دون أن أعطيه فرصة حتى للكلام ، صدقوني أنا لا أسرد هذه القصة الآن لكي أستعرض مهاراتي في فنون القتال بل لأستعرض أمامكم غبائي وتفاهتي وسخافة عقلي عندما كنت أفكر بتلك الطريقة في ذلك الزمان ، فنحن لانعيش في غابة وقد آن الأوان للثورة على التفكير الدموي المرتبط بالحب العربي .

الفتاة التي تردد على مسامع زميلها أو صديقها أو خطيبها أو زوجها أو أخيها أو أبيها وبشكل دائم قصص المضايقات والمعاكسات التي تتعرض لها هي فتاة لاتستحق الإحترام أبدا وأنا شخصيا أشعر بالاشمئزاز من مثل هذه الانماط الأنثوية التي تثير بتلك الأحاديث المشاكل والفتن بين أبناء المجتمع وتكون سببا في دخول أقرب الناس منها إلى السجن أو التعرض للقتل والمصيبة الكبرى أنها تثير حماسة الرجال من حولها وتحرضهم على القتال كما لو أنها هند بنت عتبة التي كانت تستنهض همم رجال قريش بعد هزيمتهم في معركة بدر ، ولاتكون القضية تغدو أكثر من مجرد النظر إليها من قبل أحد الشباب .

أيها الشباب صدقا عندما أتذكر معارككم ومشاجراتكم الدموية بسبب الفتيات أتذكر ذكور القطط في شهر شباط عندما تبدأ بينهم الحروب والمعارك من أجل الظفر بتلك الأنثى التي تكون تمشي بكل غرور ونرجسية ولاترضى إلا بالذكر الذي يتمكن من ذبح جميع القطط الأخرى .

نعم يا شباب العرب أنتم كتلك القطط ليس لكم قوة ولاهيبة ولانفوذ إلا في المعارك التي تحدث فيما بينكم والتي يكون سببها الظفر بقلب فتاة تعتقد أنها تزداد حسنا وجمالا وبهاء كلما تقاتل الرجال عليها .
إن عقول هذه الأنماط من الشباب والفتيات لابد من تطهيرها من الجراثيم العالقة فيها قبل أن يستفحل المرض أكثر وينهك باقي أعضاء جسد هذه الأمة التي بسبب تلك العقول ستزداد تخلفا وضعفا وهوانا بين الأمم .

السبت، 24 أبريل 2010

فحولة لا تهوى إلا الأطفال

في الطريق المؤدي إلى هاوية الفراق ، كانت عيون (( ناصر )) تنظران نظرتهما الأخيرة على شقيقته ورفيقة طفولته البريئة (( سناء )) وهي تخلع رداء عذرية أنوثتها بمناسبة إكمالها عامها الخامس عشر ، فقد صدرت الأحكام العرفية من جدتها التي لايوجد في قراراتها أنصاف حلول ليتم اغتصاب (( سناء )).. عفوا.. تزويجها من رجل الأعمال المعروف (( الباشا )) الذي كان يبحث عن طفلة جديدة ..عفوا.. عن عروس جديدة يكمل معها نصاب فحولته للمرة الرابعة وليحتفل معها بعيد ميلاده الخامس والخمسين ويتخلص من أرقه في رؤية تلك الخانة الفارغة من دفتر عائلته بعد أن يضيف صورة حفيدته .. عفوا .. ابنته .. عفوا .. زوجته الرابعة التي سيتزوجها وهو مطمئن أنه لم يقبلها من فمها إلا أمها .

رحلت (( سناء )) وظل (( ناصر )) يصارع وحشة الألم ولوعة الفراق على رحيل شقيقته وتؤام روحه ، فلم يجد له من رفيق في تلك الرحلة المؤلمة سوى الكتب الدراسية التي بدأ يلتهمها بشراهة وشراسة على أمل تحقيق الحلم الذي كانت (( سناء )) تتمنى دائما ببراءة تحقيقه عندما كانت تقول : (( بس أكبر بدي أصير دكتورة )) ، فقرر (( ناصر )) أن يحقق ذلك الحلم ويهديه إلى شقيقته التي سلب منها (( الباشا )) كل أحلامها الوردية التي تلاشت وذهبت أدراج الرياح بمجرد أن وطأت قدماها أعتاب بيته .

وبعد مرور عام واحد كان (( ناصر )) يطالع الصحيفة اليومية بحثا عن اسمه في قوائم المقبولين لكلية الطب ، فاستوقفه خبر منشور في الصفحة الرئيسة يتحدث عن مسودة قانون جديد للأحوال الشخصية يسمح بتزويج الفتيات قبل بلوغهن الخامسة عشر من عمرهن ، فتذكر (( ناصر )) أخته (( سناء )) وترقرقت الدموع في عيونه التي أوقف استمرار هطولها جرس الهاتف الذي جاء ليعلن عن أنباء استعداد (( سناء )) لمغادرة بيت (( الباشا )) ، ففرح (( ناصر )) ولم يصدق ما كان يسمعه ومالبث أن بدأ يصرخ ويغني بكل سعادة قائلا : (( آه كم اشتقتك يا سناء سنلتقي أخيرا ونجتمع من جديد )) ولكن في تلك اللحظة تحديدا أوقفت خادمة منزل (( الباشا )) أفراح (( ناصر )) لتحولها إلى أتراح بعد أن قالت له أن ((سناء)) لن تتمكن من الحضور إلى منزل والدها ، فذهل (( ناصر )) وبدأ بالصياح والاستفسار عن السبب ، فروت له الخادمة ما حدث (( لسناء )) .

كانت (( سناء )) تستعد للذهاب إلى مستشفى الأمراض العقلية ليتم علاجها من نوبات الخوف والفزع التي كانت تصيبها كلما جاء ليل الأثنين والأربعاء من كل أسبوع وهو الموعد الذي كان محددا لها في أجندة فحولة (( الباشا )) .
فما كان من (( ناصر )) إلا أن أطلق تلك الصرخة المدوية ليعلن بها الثورة على أصحاب العقول المتحجرة التي تستبيح لنفسها القضاء على مستقبل الأجيال القادمة بحجة حمايتهم والخوف على مصلحتهم ورسم مستقبل مشرق لهم .

الأربعاء، 21 أبريل 2010

النبتة التي لاتثمر لا تسكت الجوع

في الأيام القليلة الماضية تعلمت درسا جديدا في مدرسة الحياة التي لا تتوقف عن فرض دروسها علينا ولا تتورع في إشباع لذتها من خلال المباهاة والإستعراض بعجزنا أمام أحداثها المفاجئة وغير المتوقعة .

ومما لاشك فيه أن تجربتي الأخيرة علمتني أن عمل الخير لاتكفي فيه المحاولة فقط ليتم الإعتراف به من قبل الآخرين ، بل لا بد أن تكون المحصلة النهائية لتلك المحاولات تخدم حاجات الآخرين بالطريقة التي يتوقعونها .

إنني أؤمن كثيرا بمقولة (( أن إرضاء الناس غاية لا تدرك )) ولكن كنت أعتقد أن مجرد المحاولة في تقديم الخير ضمن الإمكانات التي تكون في أغلب الأحيان محدودة جدا قد تساهم ولو بشكل بسيط بإرضاء الآخرين وليس بسخطهم .

لذلك أعتقد أن أي شخص يحاول عمل الخير ولاينجح في حصد ثمار ذلك العمل بالشكل المطلوب الذي يحقق نسبة الرضا العالية لدى الطرف الآخر فمن الأفضل أن لايفصح عن محاولاته تلك لأنها لن تسعد ذلك الشخص ولن يتم في أي حال من الأحوال تقدير صنيع المحاولة الجادة لذلك العمل وتوفر صفاء النية عند التطبيق بل سيكون السخط وعدم الرضا هما النتيجة الحتمية وعليه فمن الأفضل العمل بصمت لغاية قطف ثمار النتائج ، فالنبتة التي لا تثمر لاتسكت الجوع .

أنا أعتقد أنه لابد من تقييم القدرات الذاتية قبل محاولة الإقدام على عمل الخير لأن العواطف وحدها لاتكفي فإذا كان العمل خارج نطاق القدرات فليس هنالك من ضرورة لتكبد عناء المحاولة لأن نتيجة الفشل في مثل هذه الحالات ستسبب مزيدا من الألم واليأس والإحباط وفي أغلب الأحيان السخط للشخص الذي كان ينتظر تلك المساعدة .

الحقيقة المؤلمة أن الضعيف ليس بامكانه مساعدة الضعفاء أمثاله ولذلك فأنا أستغرب من طريقة تفكيري في بعض الأحيان وعنادي الذي لايجدي أية منفعة في تقديم المساعدة لغيري وأنا أساسا في أشد الحاجة لمن يمد لي يد العون والمساعدة .

أنا لا أنكر أبدا أنني أشعر بالخجل الشديد في رد أي شخص يقف على بابي يطلب المساعدة في أمر ما ، ولكن أنا أعترف الآن أنني كنت على خطأ وأن الصواب هو الأعتراف بعدم القدرة على تقديم تلك الخدمة في حال قصوري الفعلي عن تحقيقها .

التضحية والإيثار لا بد أن يرتبطان بالتفكير المنطقي والعقلاني عند التطبيق ، فمن غير المعقول أن يتم إطلاق عبارات الطمأنينة لشخص يلوذ إليك على أمل أن تجد له فرصة عمل وأنت أساسا قد تفقد وظيفتك وتجلس في المنزل في أية لحظة ، ومن غير المعقول أيضا أن تتكفل بدفع إيجار منزل أحد أقاربك وأنت تعاني من أزمة اقتصادية تجهل نتائجها المستقبلية على وضعك المالي .

ولابد من الإشارة أيضا أن الاعتراف بعدم القدرة على تقديم المشورة لشخص يعاني من مشكلة ما ، أفضل بكثير من تقديم مشورة خاطئة لن تساعد على حل تلك المشكلة بل قد تتسبب في تفاقمها أكثر ، فمثلا تجد بعض الأشخاص يعاني من مشكلة مع زوجته أو خطيبته فيتوجه إلى صديقه الأعزب بحثا عن الحل وبكل أسف تجد ذلك الصديق غير المجرب يسارع في تقديم النصائح والتوجيهات عن غير دراية بخصوصية تلك العلاقات ولكن لكي لا يرد صديقه خائبا ولايغضبه إذا أخبره بأنه ليس لديه المعرفة والخبرة في التعامل مع تلك المواقف التي لم يجربها في يوم من الأيام .

أنا لست أدعو للتمرد على الإقدام في عمل الخير وتقديم المعونة والمساعدة للآخرين ولكني أدعو لعدم الشعور بالخجل والجرأة في قول الحقيقة وعدم اعتبارها انتقاصا من هيبة الشخص في حال عدم توفر القدرة اللازمة لتحقيق المساعدة فهذا أفضل بكثير من مغامرة المحاولة التي لن تلقى في النهاية سوى اللوم والعتاب والسخط وعدم الرضا من الآخرين لأن الحكم يأتي دائما على النتيجة وليس على المحاولات المبذولة والجهود المتواصلة لتحقيقها ، كمن يحاول حل مسألة رياضية في امتحان فإذا كان الجواب النهائي غير صحيح فلن يحصل على أية علامات عليها .

السبت، 17 أبريل 2010

مصطلحات عجيبة

سمعت مقولة أضحكتني كثيرا تقول أن اللغة أداة لإخفاء الحقيقة وفي الواقع كان سبب ضحكي الذي توترت من شدته هو تذكري لمجموعة من المصطلحات المستخدمة في لهجتنا العامية والتي تعبر تماما عن قدرة خارقة في الإستعانة بمفردات غير مباشرة أثناء المحادثة كدلالة على المعاني التي يود المتحدث أن يقولها .

ولكن ما هي أسباب التمسك بتلك المصطلحات الغريبة وكثرة تردادها بمناسبة وغير مناسبة من قبل بعض الناس ؟

هل تلك المصطلحات تستخدم من قبل شرائح مختلفة من المجتمع أم أنها حكر على فئات محددة مثل الشباب مثلا ؟

هل هذه المصطلحات يمكن اعتبارها أنها تمثل لغة الشارع ؟

أم أنها جزء أساسي يرتبط بتطور اللهجة العامية على مدار الأعوام ؟

ماهو سر انتشار تلك المصطلحات وتداولها بتلك السرعة الفائقة ؟

هل الأجيال المتعاقبة تحاول أن تتميز عن بعضها من خلال إغراق اللهجة العامية بمفردات ومصطلحات جديدة تعبر من خلالها عن شخصيتها ؟

هل من يكثر من استخدام تلك المصطلحات تكون النظرة إليه في المجتمع إيجابية أم سلبية ؟

سأعرض بعض تلك المصطلحات والمفردات الغريبة والعجيبة والتي يتم استخدامها في مواقف ومشاهدات معينة :

- عندما يراد القول عن فتاة أنها جميلة تجد مصطلحات مثل : بنت جمل ، بنت نار ، بنت من الآخر ( بكسر الخاء ) ، بنت طقع ، بنت ابتشلق ( بضم التاء وتسكين الشين وضم اللام ) ، بنت صح ، بنت حريقة ، بنت دندرة ، بنت شقفة .

- أما إذا كانت الفتاة غير ملفتة للنظر وغير جذابة فيقال : بنت عوايه ، بنت شنعه ، بنت عطب ، بنت شطب ، بنت ما بتنشاف ولا من أي زاوية .

- عند الحديث عن شاب أو فتاة متحررين وعلى الموضة يقال : شاب فايع أو فتاة فايعه .

- عند الحديث عن فتاة تستغل شابا من الناحية المادية يقال : صادتلها خاروف .

- عند الحديث عن شاب ماكر أو لديه خبرة واسعة في التعامل مع الناس يقال : شاب ديونجي .

- عند الحديث عن شاب يتم استفزازه بشكل سريع يقال : بتهواله بسرعة .

- عند الحديث عن شاب يحاول إضحاك من حوله ويفشل في ذلك يقال له : شكلك شارب مي كتير على الصبح ( دلالة على محاولته الفاشلة في أن يجعل دمه خفيف وهي كناية عن الشخص الذي يضحك الآخرين بكل عفوية ) .

- أما عند التهديد والوعيد فهنالك العديد من المصطلحات مثل : اطلع من راسي وسكر الباب ، بضربك كف بسوي منك عشرة يبيعو علكة على الإشارات ، جلس واعطي لمعه ، اختصر وقسم على عشرة .

- عندما لا يتم تصديق خبر ما يقال : بس بلاش .

- عند تقديم خدمة لشخص ما ويراد التمنن عليه بتلك الخدمة يقال : احفظ هاللطش .
في الواقع ما ذكرته من مصطلحات ليس سوى جزء بسيط جدا من معجم المفردات الذي تفيض به اللهجة العامية ويلاحظ أن الفجوة بدأت تتسع كثيرا بين معاني تلك الكلمات ودلالتها وبين مفردات اللغة العربية الفصحى وأعتقد أن هذا الأمر قد يتسبب في المدى البعيد على حدوث خطر حقيقي على اللغة العربية الفصحى .

الأربعاء، 14 أبريل 2010

خالفني يا سيدي

( خالفني يا سيدي ) هي صرخة مدوية أطلقها سائق السيارة التي يبلغ ثمن إطارها الدخل الشهري لأسرة تقف على حاجز خط الفقر ، ( خالفني يا سيدي ) هي رمز الغرور والنرجسية والتكبر المتفشي في عقول العديد من أصحاب الثروات والنفوذ .

( خالفني يا سيدي ) هي جملة قالها ذلك المتغطرس وهو يقود سيارته ال ( BMW) على السرعة القصوى في شارع فرعي وضع في مقدمته إشارة واضحة بمنع المرور في ذلك الإتجاه ولكنه لم يكترث لتلك الإشارة وزاد من سرعته ليفاجأ بسيارة بسيطة لا يتعدى ثمنها أضواء سيارته الفاخرة لتنطلق فرامله بصوت صفير مخيف يشبه أصوات صفارات الإنذار عند الغارات الجوية في الحروب .

قفزت النساء على الشبابيك وتعوذ الشيوخ من الشيطان الرجيم وهرول الرجال والصبية إلى مكان ذلك الصوت المريع ليجدوا جدالا قد بدأ بعبارة انطلقت من سائق السيارة البسيطة لم تحمل في طياتها أية شتائم أو ألفاظا بذيئة بل كان عتابا ضعيفا فيه رائحة الهزيمة والإنكسار ويعتريه الخوف والجزع من مصيبة نجا منها بأعجوبة فقال : ( أنت تسير في إتجاه ممنوع ألم تلاحظ الإشارة ) ، فما كان من ذلك المتغطرس إلا أن نظر إليه بازدراء ولم تكن بالطبع لديه أية نوايا محتملة بالاعتذار ليزداد قسوة وغلاظة ويقول بكل استهزاء : ( خالفني يا سيدي ) .

( خالفني يا سيدي ) أصبحت تحية يلقيها أصحاب الثروات والنفوذ والسلطة في وجوه البسطاء في كل يوم آلاف المرات .

( خالفني يا سيدي ) تدل على عودة قاعدة الدم الأزرق في هذه الأيام ، فمن الذي يجرؤ على محاسبة أصحاب تلك العبارة إذا أزهقوا الأرواح وسفكوا الدماء ؟

( خالفني يا سيدي ) هي تحية من يعيث في الأرض فسادا ولايجد من يردعه ، هي تحية قوانين الغابة التي تفرض من قبل الحيوانات المفترسة ، هي جملة توكيد لفظي ومعنوي على هدر كرامة الإنسان وإذلاله دون وجود رقيب أو حسيب .

إن مخالفة القوانين والأنظمة في المجتمع هي مما لاشك فيه ثقافة متأصلة في عقل المواطن العربي إلا من رحم ربي ولكن هذه الثقافة دائما تزداد متانة وصلابة عند غياب العقاب الفعال الذي يحد من تلك السلوكيات ويساهم في القضاء عليها بشكل كبير .

المشكلة أن البسطاء من المواطنين في الدول العربية إذا حاول أحدهم التلاعب أو التحايل على القوانين والأنظمة تجد أن أشد العقوبات وأقساها ستحل به ولن يرحمه أحد وأنا لست ضد معاقبة المذنب ولكن هل هذا العقاب يطبق على جميع الأفراد في المجتمعات العربية بنفس الطريقة ؟ لربما اكتفيت بوضع علامة استفهام واحدة ولكن في الواقع هذا التساؤل يتطلب العديد من علامات الاستفهام .

قاعدة ( القانون فوق الجميع ) ليست مطبقة في العالم العربي بل القاعدة الأصح هي ( القانون فوق الضعيف فقط ) فصاحب النفوذ والسلطة والمال لا يجد من يردعه عن أي فعل قد يرتكبه هو أو أحد أفراد عائلته والأمثلة في هذا الصدد عديدة ولاحصر لها مما يتسبب بزيادة غطرسة وتكبر وغرور هذه الفئة من المجتمع وكما يقولون في الأمثال ( قالوا لفرعون إيش فرعنك قال مالقيت حدا يردني ) .

ولذلك ستبقى عبارة ( خالفني يا سيدي ) هي العبارة السائدة في هذا الزمن حتى يأتي من يطبق عبارة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .

السبت، 10 أبريل 2010

السعادة المؤلمة

عاشق مجنون ليس مدرجا في صفحات أيام هذا الزمان ، يتذكر قول سيدة الأدب العربي أحلام المستغانمي عندما قالت (( الحب يجلس دائما على غير الكرسي الذي نتوقعه ، تماما بمحاذاة ما نتوقعه حبا )) ، وهذا ما حدث معه بعد عصور جفت فيها أقلام نبضات قلبه عن الخفقان ، لا تسعفه حروف كلماته التي ما فارقها القحط والجفاف لتقارع أمواج حروف كلماتها التي فجرت صخور شواطئه الصامتة عن الاعتراف بلذة العشق الأبدي .

كان يؤمن دائما بالمثل الذي يقول : (( مفتاح باب قلب الرجل في عيونه أما المرأة ففي أذنيها )) ، ولكنه اكتشف أنه عشقها قبل أن يراها ، ليثبت لنفسه بذلك أنه عاشق الكلمات وليس عاشق الأجساد ، لم يكن مهتما للتفاصيل ولم تجذبه أنوثة قد تقاسمتها في لون عيونها أو سحر ابتسامتها أو رشاقة جسدها مع الأخريات ، بل كان مسافرا في بحور كلماتها العميقة الأثر على عقله وفؤاده ووجدانه .

لم تعد تعنيه قصيدة عملاق الشعر نزار قباني التي التصقت بذاكرته منذ زمن بعيد وارتبطت مع كل فنجان قهوة يحتسيه ، فحبيبة قلبه أصبح لها أرض ووطن وعنوان ، واقتنع تماما أن امرأة واحدة قد تغدو هي الدنيا وليس كما كان يقال في الأفلام أن امرأة واحدة لا تكفي ، استسلم تماما لتلك الأقدار التي قادته إليها دون تخطيط مسبق وبدون أية مقدمات أو إعلانات استثنائية توهم متلقيها بتميز ما تدعو له في حين أنها لا تكون كذلك أبدا .

ماهو سر تلك الرسائل الخفية التي كانت مختبئة وراء حروف كلماتها ؟ تلك التي أشعلت فتيل ذلك العشق المجنون في فؤاده الذي اعتراه الرماد الداكن الكئيب بعد أن اتخذ قرار الإعتزال عن ممارسة طقوس العشاق و اقتنع تماما بفشل كل محاولاته الماضية في العثور على ذلك العشق الأسطوري الذي لا تتعدى حدوده الأقليمية الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال .

هي أنثى تتقن تماما وضع السكر في كل ما تقول وبذات الوقت لديها موهبة فطرية في نزع الملح من كل ما يقوله لها ، ترفض الوقوف في الأماكن الرمادية ويفصل بين حروف كلماتها دائما أدوات جزم يذوب فيها أية احتمالات لمعاني الشك والريبة في صدق أحاسيسها عند الحديث .

هي أنثى ترفض تماما مقولة (( أن أقصر طريق لقلب الرجل هي معدته )) ولا تبذل مجهودا في إقناعه دائما أن سحر كلماتها هي طعامه وشرابه وغذاء روحه التي يتوجب أن يترفع بها عن كل ملذات جسده البالية ، دائما كانت لديها قدرة خارقة في التحكم بمشاريع أحلامه المحتملة وبث هيمنتها في فرض كل التفاصيل فيها كما يحلو لها وهو ماكان يملك سوى الإذعان والخضوع الجميل في رسم تلك التفاصيل والأحداث دون أن تبادره أية وسوسات متمردة في الخربشة على لوحات تلك الأحلام الوردية .

وفجأة يوقظه صوت الهاتف من سباته العميق ليجد نفسه أمام التلفاز لا يزال يشاهد تلك الندوة التي تناقش نشأة علم غسيل عقل المواطن العربي وأسباب تقدمه وازدهاره على مر العصور .

الأربعاء، 7 أبريل 2010

حبيبتي....عمان

للورود لغة جميلة لا يرغب في تعلمها إلا العاشقون وقد قررت مع بداية فصل الربيع من هذا العام أن أتعلمها وأتقن فنون لهجاتها في العشق والغرام ، فانطلقت متوجها إلى بائع الورد فسألني عن أي وردة أرغب في اهدائها لحبيبتي ولكني تلعثمت في الكلام فأنا لست خبيرا بلغة الورد ودهاليزها الخفية وطلبت منه المساعدة في تعلم تلك اللغة الجميلة والرقيقة والصادقة .

قال لي بائع الورد : إذا أردت أن تهدي حبيبتك وردة التوليب فهذا يعني اعلانك واستسلامك لحبها ، أما وردة الأوركيد فهي اعتراف منك أنها المرأة الأكثر جمالا وسحرا ، ولكن أنصحك بوردة الروز فهي قرينة العشق الصادق.

فقلت له أنني أرغب في شراء الأنواع الثلاثة ولكنني بحاجة إلى سبع وردات من كل نوع ، فأخبرني أن هذا سيكلفني الكثير ، فأجبته أنني في سبيل حبها أضحي بكل ما أملك ولا أقبل أية مساومات على محبتي لها .

نادى البائع ساعي الورد ليأخذ عنوان حبيبتي فقلت له :

المجموعة الأولى عنوانها يا ساعي الورد في جبل الأشرفية حيث ولدت هناك في مستشفى الهلال في إحدى الليالي العاصفة بالثلوج من شهر كانون الثاني ولازلت أذكر كلامك يا أمي كيف أنقذتني أحضانك الدافئة من الموت بردا في تلك الليلة بعد انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى ، يا ساعي الورد أوصل سلامي لجبل الأشرفية بشوارعه وأزقته وأحيائه القديمة ولاتنسى مسجد أبو درويش الشامخ في أعلى قمته .

المجموعة الثانية عنوانها يا ساعي الورد جبل الحسين حيث طفولتي ومراهقتي وشبابي وأجمل أيام حياتي ومكان إقامتي الذي لا أرضى له بديلا أبدا ، سلام ممتد إلى ربوعك من دوار الداخلية مرورا بميدان الشهيد فراس العجلوني وعلى طول امتداد شارع سيف الله المسلول خالد بن الوليد وصولا إلى شقيقك الأكبر جبل القلعة .

المجموعة الثالثة عنوانها جبل القلعة حيث لازالت الذكريات تداعبني من فوق قمته وأنا أشاهد وسط البلد القديم وساحة المدرج الروماني فأسير على امتداد الشارع الهاشمي وأقف أمام الجامع الحسيني الكبير وأتذكر أياما قضيتها أبيع الساعات في متجر والدي المزروع هناك من خمسينيات القرن الماضي .

المجموعة الرابعة عنوانها جبل التاج ولازلت أذكر بيت خالي هناك عند مثلث الحاووز حينما كانت زوجة خالي القادمة من وسط القارة الاوروبية وتحديدا من كرواتيا يجتمع في منزلها الجيران من مختلف المنابت والأصول فهناك جلست سيدة من الطفيلة مع والدتي القادمة من يافا مع سيدة أخرى من بلاد القوقاز ، وعند باب المنزل تتبادل سيدة من ارمينيا القبلات مع جدتي التركية وتمسك بيدها سيدة من كردستان ، جمعهم مكان واحد أحببنه وأحبهن ولم يقبلن بمفارقة ترابه حتى بعد زيارة الموت لهن ، فرحمة الله عليك يا زوجة خالي أحببتك كما أحببت أمي فكم كنت حنونة وطيبة ورقيقة يا من رفضت الموت على تراب كرواتيا ورفضت أية مساومات في ذلك واعلنت اسلامك بكل اقتناع ومحبة ، لن أنساكي يا جدتي عندما رحلتي إلى تركيا بعد وفاة جدي ولكنك لم تتمكني من البقاء هناك لأكثر من عام واحد لتعودي إلى الأرض التي تعشقين وتموتين بين ذراعيها فرحمة الله عليك وعلى جدي الحبيب .

المجموعة الخامسة ليست ببعيدة عن مكان المجموعة الرابعة فهي يا ساعي الورد عنوانها في جبل الجوفة حيث إطلالة أخرى من هناك على وسط البلد القديم وذكريات عشق تبرأت منه قبل الأوان لمطاردة أحلام وسراب ماوجدت فيه سوى عذاب وألم وحسرة على فراق أصدق الأحباب .


المجموعة السادسة عنوانها جبل اللويبده حيث قضينا أجمل الأيام في بطولات كرة القدم في ملعب كلية التراسنطة ولا زلت أذكر قيلولتنا بعد المباريات في دوار باريس الذي كان في وقتها يطلق عليه دوار الحاووز ولازلت أذكر نسمات الهواء التي كانت تداعبنا هناك وهي مليئة بعراقة وأصالة من كان يقطن هناك في ذكريات الماضي الجميل .

المجموعة السابعة يا ساعي الورد اسمها قد اقترن باسم حبيبتي فهي جبل عمان هناك حيث اجتمعت العراقة والحداثة فعند دوارها الأول ستجد شارع الرينبو أقدم شوارع حبيبتي وستجد عبق الماضي عند مسيرك به وصولا إلى ساحة جارا وختاما بفيلا عائلة مانجو ولاتنسى أن تعرج على شارع خرفان وتزور بيت شقير لتدرك جمال حبيبتي وروعتها على مر الأيام وأعتقد أنك بعد هذا المشوار الطويل تحتاج إلى أن تستريح قليلا عند الدوار الثاني وتتناول وجبة من الشاورما اللذيذة عند مطعم ريم ولكن لاتنسى بعدها أن تزرع الورود على كل دوار ستصادفه وتكتشف معه سحر حبيبتي الحديث من دوارها الثالث وحتى دوارها الثامن .

أو تدري يا ساعي الورد فلقد غيرت رأيي في ارسالك لتلك المهمة لأنني أتوق للقيام بها بنفسي وسأزيد عدد الورود لأزور جبل النزهة ووادي الحدادة ووادي صقرة ووادي عبدون ولن أنسى زيارة جبل النصر وجبل القصور والجبل الهاشمي بشماله وجنوبه ومنطقة طبربور وسأتوقف عند جسر المحطة وأزور بعدها أول مطارات حبيبتي في ماركا ومن ثم انطلق من جديد إلى وادي الرمم وأزور المنارة وأتابع مسيري إلى دوار الشرق الاوسط فأتوقف في الوحدات والقويسمة وأبوعلندا والمقابلين وسأعود أدراجي إلى رأس العين وانطلق إلى حي نزال والجبل الاخضر ومن ثم سأعود مرة أخرى لكي أعانق جبل النظيف وجبل المريخ وبعدها سأتابع رحلتي من شارع الأردن الكبير لأتوقف في عرجان وحي المدينة الرياضية وسأتابع مسيري إلى ضاحية الرشيد وحي الجامعة الأردنية وسأتوقف طويلا عند محطة ذكرياتي في منطقة الجبيهه في ليال طوال قضيتها أتأمل مشاهدة بيوت البقعة وأضوائها وسألقي السلام على منطقة أبو نصير وشفا بدران وأعود لأزرع الورود على دوار صويلح ومنطقة بيادر وادي السير ولابد من أن أختم جولتي في الجهة الغربية من مناطق حبيبتي فأتوجه إلى خلدا وتلاع العلي والصويفية ودير غبار وعبدون والرابية .

تجتمع كل تلك المناطق التي سأهديها ورودي في مدينتي التي عشقتها حد التطرف وكرهت كل من يلوث ترابها في بث فرقة وانقسام بين أبنائها حد التطرف كذلك ، أدرك يا حبيبتي كم تذرفين من الدموع على أبنائك العمانيين الأوائل الذين غابت شموسهم عن سمائك التي أضحت حزينة باكية بعد أن تلوثت بدخلاء لا يعرفون إلا لغة الدولارات والدنانير والدراهم ، هل أصبحت أنا الغريب عنك وتوجهت أصابع الاتهام نحوي بأنني قد خنت عهدك لأنني رفضت أن أحبك بطريقتهم ومنطقهم ؟

أحبك يا عمان ولن يملي عليا أحد شروط محبتك وعشقك ، فهل ستقبلين يا حبيبتي ورودي أم أنك أصبحت لا تقبلين إلا بهرجهم الخداع ، أرجوك يا حبيبتي حاذر أن تخونك عيناكي ، حاذر سطوة العاشقين المزيفين ، حاذر دموع أبنائك المجروحين الذين يشتاقون إليك ويتحسرون على زمن جميل تقاسموا تفاصيله معك ، أرجوك يا حبيبتي لا تسمحي لهم بالرحيل ، فهؤلاء أبناؤك المخلصون وقرة عينك في هذا الزمن المجنون .



الاثنين، 5 أبريل 2010

جلسة مع الحلاقين وسائقي التاكسي









في الأسبوع الماضي أصابني نوع من الكسل عن حلاقة ذقني فقررت الذهاب إلى الحلاق ليتولى تلك المهمة بالنيابة عني ولم أكن أدري بعد أن تسعيرة حلاقة الذقن قد دخلت في نطاق غلاء المعيشة أيضا وأصبحت بدينارين مما جعلني أتذكر بعد الإحصائيات التي يتم نشرها بين حين وآخر والتي تؤكد أن معدلات التضخم في بلدنا انخفضت عن سنوات سابقة ومع هذا لن أناقش ولن أخوض في الحديث عن تلك التقارير بل سأكتفي بالتساؤل فقط أنه في حالة ارتفاع الاسعار بشكل غير متواز مع نمو الأجور والرواتب والدخول وبالتالي ضعف قدرة الفرد الشرائية فهل هذا سيتسبب في انخفاض معدلات التضخم ؟

عموما هذا كان تساؤلا اقتصاديا على هامش الإدراج أما ما أردت الحديث عنه فهو حول ظاهرة بدأت أقتنع تماما أنها مرتبطة بشدة بالعديد من الحلاقين وسائقي التاكسي ويعود سبب اقتناعي بذلك أن العديد من الذين صادفتهم في حياتي من أصحاب تلك المهن لا بد أن يحدثوني عن مغامراتهم مع النساء وتهافتهن عليهم ، وصدقا في كل مرة أسمع قصصا وروايات لربما لا تكفي مئات الإدراجات لسردها .

في الواقع التساؤل الذي يحيرني في الرجال الذين يتحدثون عن تلك المغامرات بكل فخر ومباهاة أمام أقرانهم من الرجال ماذا يحاولون أن يثبتوا بذلك ؟

هل يحاولون إثبات فحولتهم ؟

هل يعتقدون أنهم سيكبرون في عيون الأشخاص الذين يستمعون إليهم ؟

أم أنها محاولة فاشلة في القضاء على عقد نقص كثيرة يعانون منها في جوانب أخرى من حياتهم ؟

هل هذه هي الرجولة في نظرهم ؟

صدقا في جلسة حلاقتي ذقني تلك استمعت لثلاثة روايات من ذلك الحلاق وجميعها تؤكد على تهافت النساء عليه وكيف أنه يحاول التخلص والتمنع عنهن ولايجد لذلك سبيلا ، ولازلت أذكر عندما كنت في فترة مراهقتي بعض سائقي التاكسي الذين بمجرد ركوبي معهم يبدأون بقص الروايات التي لا تنتهي عن هيام النساء اللواتي يركبن معهم بسحر رجولتهم الذي ليس له مثيل فلا يدعون طالبة جامعية ولا شابة تكون متجهة إلى عملها ولا امرأة متزوجة وحتى أن بعض الروايات كانت تشير إلى هيام نساء طاعنات في السن بهؤلاء السائقين من أول نظرة .

لازلت أذكر وصية والدي لي عندما كنت صغيرا حيث كان يقول لي دائما : (( يا ولدي إن لكل إنسان خصوصيات لا يجب أن يتحدث فيها أمام أحد )) فكيف بهؤلاء الذين لا يتورعون في الخوض بتلك الأحاديث أمام كل من يصادفهم في أثناء ممارستهم لعملهم ، أيحب أحدهم أن يخوض الآخرون في الحديث عن أعراضهم بتلك الطريقة ؟

صدقوني إنني أشعر بالاشمئزاز من أي رجل يستعرض بطولاته النسائية حتى ولو كان أخي فليست الرجولة تقاس هكذا فالرجل ليس بكثافة شاربيه ولا باتساع محيط عضلات ذراعيه ولابحسبه ونسبه وماله وجاهه ، بل الرجل بدينه وأخلاقه وشهامته ومروءته وبقدرته على ضبط نفسه وامتلاكها عند الغضب ، وبشجاعته في الحق وإيثاره في مساعدة الضعيف واحترام الكبير والصغير ، الرجل الحقيقي لا يخوض في الاعراض ولايضرب النساء ولايستعرض بطولات فحولته ، متى يا رجال العرب ستفضون أغشية عقولكم المهترئة من كل تلك التفاهات والسخافات ؟




السبت، 3 أبريل 2010

لعبة الموت

قرأت خبرا في أحد الصحف المحلية يتحدث عن عملية القبض على محتالين يفتعلون حوادث دهس لغايات ابتزاز السائقين ولازلت أذكر لغاية الآن أحد حلقات المسلسل السوري الشهير ( مرايا ) للفنان المبدع ياسر العظمة عندما تناول هذا الموضوع وكيف أن بعض الشباب الذين ضاقت بهم سبل العيش اتخذوا من قضية افتعال حوادث الدهس مهنة لهم غير مكترثين للمخاطر التي قد تلحق بهم نتيجة لذلك ، وهو ماحدث فعلا في نهاية تلك الحلقة عندما حاول أحد هؤلاء الشباب افتعال حادث دهس أمام سيارة مسؤول وكانت النتيجة قيام حراس ذلك المسؤول بضرب ذلك الشاب حتى كسروا له ضلوعه .

إن ما يحدث من سلوكيات من قبل بعض الأفراد هي النتيجة المتوقعة لارتفاع معدلات الفقر التي بدأت تسود في المجتمع وارتفاع معدلات البطالة بين فئة الشباب وطالما أن الشعب بدأ يعاني في الحصول على لقمة العيش كما أكدت في إدراج سابق فسنرى ونسمع ونشاهد المزيد من السلوكيات الاجرامية وعمليات النصب والاحتيال وغيرها كثير من الأمراض الاجتماعية التي ستنهك جسد هذا المجتمع .

من جهة أخرى فما دفعني للحديث عن هذا الموضوع أيضا هو حادثة حصلت معي قبل عدة شهور في أحد الشوارع الفرعية في منطقة جبل الحسين ، فبينما أنا في طريقي إلى المنزل في المساء فوجئت بطفلة لا تتجاوز التاسعة من عمرها تعبر الشارع أمامي وبحمد وفضل من الله تعالى تمكنت من السيطرة على السيارة وايقافها في الوقت المناسب.

في الواقع لم أوبخ تلك الفتاة وتابعت مسيري ولازلت أنظر بالمرآة إلى الخلف ففوجئت بأن الفتاة الأخرى التي كانت مع الفتاة التي كنت على وشك دهسها تعبر الشارع أيضا بنفس الطريقة وكانت السيارة الأخرى أيضا على وشك دهسها ، في تلك اللحظة بالذات أوقفت سيارتي وبدأت بمراقبة هؤلاء الفتيات وكانوا ثلاثة ، فوجدت أنه بمجرد عبور أية سيارة من ذلك الشارع تقفز إحداهن في كل مرة إلى وسط الشارع متظاهرة بعبوره وفي كل مرة ينجح السائقون بالافلات من مكيدة دهس إحداهن ، هذا مع العلم أن جميع هؤلاء الفتيات لم يتجاوزن العاشرة من عمرهن .

بعد مشاهدتي الثالثة لتلك اللعبة المميتة تأكدت أنها لعبة يمارسنها دون ادراك لخطورتها وما قد ينجم عنها ، فتدخلت وعدت بسيارتي إلى مكان تواجد هؤلاء الفتيات وبالطبع حاولت إحداهن أن تقفز أمامي ولكنها فوجئت أنني توقفت قبل وصولي إليها بكثير ، وبدأت بمناداة هؤلاء الفتيات ، فاقتربن مني على حياء وكأنهن أدركن أنني اكتشفت سر لعبة الموت التي كانوا يلعبونها ، وفعلا بدأت أنصحهن حول خطورة ما يفعلن وأنهن قد يتعرضن للموت بسبب تلك اللعبة التي لا يدركن خطورتها ، تظاهرت أمامهن بأنني رحلت ولكني أوقفت السيارة في مكان يمكنني من رؤيتهن دون أن يلاحظن ذلك وفعلا وجدت أنهن توقفن عن لعبة الموت تلك ، فتابعت مسيري إلى المنزل ولكن عقلي استمر بالتساؤل حينها في أن الساعة كانت حوالي الثامنة مساء وهؤلاء الفتيات يلعبن في الشارع لوحدهن والمشكلة ليست في ذلك فقط بل في المدة التي قضينها في ممارسة لعبة الموت تلك ؟

يا ترى أين كنتم يا أهالي هؤلاء الفتيات في ذلك الوقت ؟