لا
تلهمني ذاكرتي على استحضار صاحب هذه المقولة : (( قد ترفض المرأة دينك
لكنها لا ترفض حبك )) ، ولست أدري لماذا استعين بهذا الاقتباس قبل الشروع
بسرد تفاصيل هذه الحكاية ؟ مع أنني أعلم تماما أن بطلة هذه القصة قد رفضت
ديني وحبي معا ، بعد إغوائها لي بشتى المكائد النسائية ، وذلك كي تبعدني عن
صديقتها التي ارتضت ديني وحبي ، فخنت عهدها مع أقرب الناس لقلبها ، في حين
غفلة عن خبث النوايا التي أطاحت بقلبي وحيدا على ناصية القهر والحرمان .
الأحداث
بدأت في حفلة تقيمها جمعية شبابية تعنى بالنشاطات الاجتماعية والثقافية
لأبناء وبنات طائفة (( مارغريت وصديقتها )) ، وكان يحظر في مثل هذه الحفلات
دخول أبناء الديانات والطوائف الأخرى ، خوفا من الاختلاط غير المبرر بين
العقول وما تنضح به من أفكار ومعتقدات ، ومفاهيم مضادة قد تودي إلى درب
التهلكة لشباب المستقبل الذين سيحملون على أكتافهم هذه الديانات والمعتقدات
وسيحاربون من أجلها بالمال والنفس والولد ، وهذه الحروب الطاحنة بين
الطوائف والأعراق والأديان المتباينة تكاد تنقرض إن لم تكن قد انقرضت في
الدول الكبرى ، و التي يتفيؤ في ظلال قوانينها كل مواطن ينتمي إليها ،
ويتساوى الجميع في الحقوق والواجبات ، فلا فضل لمواطن عن مواطن إلا
بالقانون ، ولا حكم لدم أزرق أو أحمر أو أصفر ، ولا مهابة لمسؤول أو ثري أو
صاحب نفوذ وسلطة ، فهم يعيشون بمبادىء لقوانين تستمد روحها من ذلك السوط
الذي ضرب فيه العبد ابن الأكرمين في حمى الفاروق ، والذي مازلنا ننتظر له
خليفة في هذا الزمان ، فالحقيقة المؤلمة التي نحاول دوما إنكارها ، تتلخص
في القوة الكاسحة لأبناء الشعب الواحد في أي بلد عربي حين يتم تسخيرها في
القتل والذبح والتنكيل فيما بينهم ، ومن ثم تقديمهم كقرابين على أطباق من
الدم لأعداءهم .
صديقي
كان على علاقة غرامية بفتاة متواجدة في تلك الحفلة ، وهي من دعته إلى
الحضور بعد أن يتخذ كافة التدابير الزائفة للتنكر كفرد من أفراد طائفتها ،
والذي بدوره أقنعني بمرافقته رغم إنكاري الشديد للتظاهر باعتناق ديانة أخرى
، ولكن فضولي لاكتشاف هذا النوع من الحفلات ورغبتي في الاختلاط بالفتيات
ولهفتي في سبر أغوار هذه الفئة من المجتمع ، والتي يضرب المثل بها دوما عند
الحديث عن المدنية والحضارة والرقي ، جعلتني لا أتلكؤ في الموافقة على
عرضه والسير معه في دروب المجهول ، دون احتراز لما قد يحف نواصيها من مخاطر
لا يمكن تقدير عواقبها على وجه الدقة .
وعند
وصولنا إلى البوابة الرئيسة لقاعة الحفلة ، دخلنا بأسماء وهمية تنتسب
لعائلات عريقة في تلك الطائفة ، وهذا جعلنا من أصحاب الحظوة لدى منظمي
الاحتفال ، فاستقبلنا مدير الجمعية وقد تعاظمت أساريره بالانفراج ، وبدت
عليه علامات الدهشة وهو يسألني عن والدي وأعمامي المهاجرين إلى بلاد الغرب
منذ أمد بعيد ، فقد كانت تربطه بهم صداقة وزمالة منذ أيام الطفولة ، ثم
انقطعت أخبارهم عنه منذ هجرتهم ، فتلعثمت قليلا ولعنت حظي العاثر الذي
جعلني أختار هذا الاسم ، ثم ما لبثت أن تداركت الموقف ووعدته بحرص شديد على
نقل سلامه وعتابه لوالدي ، بمجرد زيارتي له في العطلة الصيفية ، فأنا
ووفقا لخطة انتحال الشخصيات الوهمية ، عدت إلى الوطن لدراسة الأدب المقارن
بين الشرق والغرب ، كمتطلب لاستكمال دراساتي العليا هناك ، ونجحت الخطة في
النهاية و دخلنا الحفلة وجلسنا على طاولة رفيقة صديقي
وصديقتها ، والتي تمكنت من الاسترسال معها في حديث تعارف مختصر ، ما أوقفته
سوى أغنية لم أتردد إثر سماعها من بسط كفي لها ، كدعوة جريئة للصعود إلى
منصة الحفلة والرقص سويا على أنغامها .
وفوق
المنصة التي كانت تعج بالشباب والشابات المتلاصقة أجسادهم برقصة عاطفية ،
وتحت الأضواء الخافتة التي تبرر حدوث قبلات خاطفة ، كان اللقاء بتلك الفتاة
الشقراء ذات العيون الخضراء اللامعة ، وقد التف خصرها بذراعين غليظتين
لشاب بدين أشقر ، فتلاقت عيوننا في لحظة لم تتجاوز بضع ثوان ، ثم تباعدت
بعد سماع صوت رفيقتي وهي تنادي عليها : (( مارغريت ، أين كنت ؟ )) ، إذن
هذا هو اسمها ، وذلك البدين بلا شك صديقها ، أتراها ترتبط به بعلاقة
عاطفية ؟ أم أنها مجرد صداقة مجردة من الحب ؟ ولكن هل هناك حقا من رجل شرقي
يرضى بدور فرعي في حكاية فتاة يرافقها إلى حفلة كهذه ؟
"حين تخشى الأنثى أن تفقد رجلها ، تستدعي مكائدها بشتى الوسائل لاسترداده حيا أو ميتا ، فالغاية أن لا يكون لامرأة سواها"
ردحذفحقيقة علمية ^_^
موناليزا :)
ردحذفحقيقة علمية وبكل تأكيد :)
كل الود لحضورك
شكرا على الموضوع ))
ردحذف