الجمعة، 9 نوفمبر 2012

القفص الذهبي

لا تسألني يا صديقي الأعزب مبادلة الأدوار ، فأنت عصفور يطير في فضاء الحرية الرحب ، وأنا أكتفي بالطيران من خلف حدود قضبان قفص ذهبي دخلت إليه طوعا قبل عقد من الزمان ، ولازلت تخالني أسدي إليك نصيحة كنت أولى بها لنفسي ، أم تعتقد أن الحكمة تولد مع التجارب والخبرات حين تجد نفسك في معترك معها ، وأنت لا تدري كيف تمضي بك الأيام في حرب لم تكن لتحسب أنها ستشتعل في أرضك التي لم يبارحها في يوم حمام السلام الأبيض وأكاليل الغار والزيتون .

وإليك أصل الحكاية حتى لا تتهمني بالكذب والخداع ، ولكي لا تساورك الظنون بأنني كباقي أصدقائك المتزوجين ، لا أعترف بالخطأ ولا أجلد ذاتي وأنتقص من قدرها حين تصر على السير في درب يخالف تماما ما كانت تحلم به وتتمناه .

فأنا بدأت حياة الزوجية بمبدأ (( رفعت راسنا )) وألقيت بملاءة السرير المضرخة بالدماء بعد ليلة الزواج الأولى وأودعتها في صندوق صك البراءة والعفة أمام وجهاء عائلاتنا حتى تطمئن قلوبهم وينامون قريري العيون والأنفس ، وظلت حياتي بعدها في ترقب والأنفاس لا ترتد منها شهقتها طيلة شهرين متتابعين حتى جاءت البشرى بحمل زوجتي بمولودها الأول ، وحين وضعتها أنثى ، ظل الأهل ينخرون رأسي بضرورة عدم المباعدة بين الأحمال والاطمئنان لقدوم ولي العهد مع أنني لم أكن قد تجاوزت الخامسة والعشرين من عمري ، لتعود الأنفاس حبيسة في الصدور حتى أنعم الله علينا بما كنا نخشى أن لا يأتي قط .

وتبدلت الأهتمامات في منحنيات مغايرة من بعدها ، ولكن أرجوك لاتذهب بخيالك بعيدا ، فتعتقد أننا كنا نريد تعويض ما فاتنا من أوقات رومانسية وأجواء شاعرية تبدد عتمة الفراغ العاطفي الذي لم يجد نورا يهتدي إليه عند الانشغال بموضوع الإنجاب ما بين الذكور والإناث ، فقد كان الوقت من ذهب ولابد من عدم هدره بمثل هذه التفاهات ، وكان لابد من التفرغ التام لايجاد وظيفة مسائية أخرى لتحسين مستوى الدخل والتحوط لقادم الأيام قبل دخول الأولاد للمدارس .

واليوم تجدني وقد اشتعل الرأس والوجه بالمشيب المبكر ، إذ كان لابد من التفكير بشراء منزل قبل تطبيق قوانين المالكين والمستأجرين ، وكان لابد من شراء سيارة أخرى تنتهي لوحتها برقم زوجي حتى نتمكن من استخدامها فيما إذا تم تطبيق سياسات التقشف لسير المركبات ذات اللوحات المنتهية برقم فردي ، وكان لزاما علينا أن نحسن التدبير والتفكير بطرق تجنبنا زمهرير الشتاء بأقل التكاليف ، ثم كان علينا جدولة الديون والالتزامات وتحرير شيكات لأجل غير مسمى ، لنجد قوت يومنا نحن والأولاد وننفق على تعليمهم في مدارس تتجاوز أقساطها السنوية تكاليف دراستي الجامعية بأكملها ، وكان علينا أن نكون مواطنين صالحين فنلتزم بكل الضرائب والرسوم التي تفرضها علينا الدولة ، ودوما كان علينا أن ننعش ذاكرتنا بجميع المناسبات الاجتماعية من مآتم وأفراح ، فلا نهمل واجباتنا تجاه عائلاتنا قط .

وأخيرا وليس آخرا يا صديقي الأعزب ، فلا ضير في المساهمة بمساعدة الزوجة في الأعمال المنزلية بين حين وآخر ، ولكن إياك أن تبدي امتعاضك ، إذا وجدت زوجتك في منتصف الليل وقد ضج شخيرها في أرجاء المنزل من فرط التعب والإرهاق ، وقد كنت تتمنى لو أنك تدعوها لرقصة رومانسية على أضواء الشموع .

أتدري يا صديقي الأعزب ما هو عزاؤك من هذا كله ، أولادك الذين تتمنى أن يكبروا وقد جنبتهم تكرار تجاربك الحياتية ، فالعصافير الكيسة لا تدخل القفص الذهبي إذا كان الهواء فيه ملوثا بعادات وتقاليد بالية ، ورتابة وروتين ، وضنك عيش يلازمه تقشف يستنفد الأوكسجين الصالح للحب من قلوب الأزواج .     

هناك 5 تعليقات:

  1. لا أحد يرضي بحاله ...العازب يريد أن يهرب من العزوبية والمتزوج يريد الرجوع لها...!ونقف نحن بين الاثنين ننظر
    جميلة..حاسة انها فعلا بتحكي عن واقع مرير...لو بداية حياته كانت حلوة بيلاقي عقبات تانية ..وتالتة كمان ..ليه ف الطريق..ربنا يهدي

    ردحذف
    الردود
    1. ياسمين :)

      بالفعل عبارة تلخص الجوانب الحياتية لكل إنسان (( لا أحد يرضى بحاله ))

      وهكذا هي الدنيا كمياه البحر تماما : مهما شربنا منها لا تروينا قط :)

      لك مني كل الود والتقدير والاحترام

      حذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  3. مرحبا اشرف
    كيفك ان شاء الله بخير ؟ اول ما بدأت اقرأ في البوست حكيت لحالي الله يسامحك يا اشرف هيك بتنفر الاعزاب من الزواج بتفهمهم انه الزواج اشي صعب كانه في قفص ذهبي أو غيره أو بالأحرى سجن ، أنا معك انه الزواج بشكل عام صعب و مرحله كتير صعبه بحياة أي اتنين باديين حياتهم مع بعض عن حب أو بالطريقة التقليدية، بس باليد التانية الزواج تجربة كتير حلوة وأنا بعتبرها من وجهت نظري مغامرة لانه كل يوم بصير اشي جديد بصير معك أحداث بتمر بتجارب منها سيئة وسيئة كثير مرات ومرات بتكون حلوة وطريفة وذكريات لا تنسى ، هي في الآخر بتعمد على الزوجين نفسهم إذا حابين يعملو ويمارسو حياتهم ببساطة وسلاسة أو يعملها ويعيشوها نكد وخوف من المستقبل وأكل الهم على الفاضي والمليان ..
    خد الدليل من الزواج اللي عاش واستمر زواجهم ٣٠ سنة واكثر أنا عنجد بقدر هيك ناس لأنهم أكيد مر عليهم كتير مصائب قبل ما شافو الحلو من حياتهم بس ضلو مع بعض ساندو بعض وقفو مع بعض على الحلوة والمرة .
    أنا كتير بتمنى أكون من هدول الناس انا هلا اللي ١٢ سنة متزوجة بشكر الله دوم على اللي انا في حاسة كانه متزوجة امبارح الحمدلله على الراحة النفسية اللي انا فيها صحيح هدول ال١٢ سنة ما كانو كلهم عسل ما تفهمني غلط وتفكر زواجي كل هالسنين كان جنة لا طبعا بس زي ماحكيت من قبل انه كيف إحنا رح نتعامل مع المواقف في حياتنا لانه في النهاية الحياة بدها تمشي ..........

    وبخصوص اللي ذكرته من عادات وتقاليد متل إثبات العذرية انا شخصيا دينيا وأخلاقيا عيب وحرام وبتمنى انه هاية العادة السيئة تكون اختفت من مجتمعنا لانه فعلا عادة مقرفة ، وبخصوص التدخل بالنسل والولادة ولي العهد وما ولي العهد فانا بحط المسؤولية بالكامل على الزوج اكتر من الزوجة انه يضع حد للموضوع مع أهله أواهلها أو أي حدا بالعموم لانه هاد بالنهاية موضوع جداً جداً شخصي بين الزوجين ممنوع بأي حال من الأحوال حدن يدخل فيه وثانيا وهاد الأهم انه هد كله يبد الله وحده إذا بيده يرزق هالزوجين أولاد بنات أولاد أو من غير أطفال هاد كله بيده وحده .......
    طولت عليك انا أسفة بس الموضوع جذبني انا وتعليقاتي هههههه

    ردحذف
    الردود
    1. نور :)

      كم اشتقت لتعليقاتك الشاملة والوافية لأي موضوع اتطرق إليه :)

      في البداية لن أنكر أبدا تلك الهواجس التي أصابتني من الحديث في هذا الموضوع وما سينجم عن ذلك من تخوف من قبل العازبين في الإقبال على الزواج ... ولكن كان لا بد من وضع بعض النقاط على الحروف من خلال التجارب والذكريات التي عصفت بأيامنا خلال عقد من الزمان سواء أكانت لحظات سعيدة أو غير ذلك ...

      نعم أتفق معك في أن الزواج أشبه ما يكون إلى المغامرة نحو المجهول ... وهو تجربة جميلة بكل ما تحمل من معنى وأن الزوجين هما من يجعلان أيامهما ما بين الجنة والنار ... ولربما يكون الوضع السائد في المجتمعات العربية عموما هو ما يجعل التفكير بالمستقبل والخوف من عواقب الأيام القادمة بما تحمل بين طياتها من شقاء أو نعيم ... ولكن بشكل عام الزمن اختلف كثيرا عن الذي مضى وهذا ما ألمسه دوما في حديثي مع والدي الذي مضى على زواجه من أمي أكثر من نصف قرن ... ولكن الخير كان كثيرا في أيامهم ولم تكن النواحي المادية تشكل عبئا في حياتهم كما هي في أيامنا هذه التي أصبح فيها كل شيء يحتاج إلى خطط ومشاريع للحصول عليه ... ولعلي ما أود قوله من كلامي هذا أن المناخ العام لهذه الظروف جعل الحياة الزوجية تواجه العديد والعديد من المصاعب حتى تستمر وتقف في وجه هذا التيار المجنون ...

      وصدقا كم يسعدني أن اسمع كلاما من نساء يشبه كلامك واحساسك ... فلو شعرت كل امرأة مضى على زواجها أكثر من عقد من الزمان بلهفة الأيام الأولى من الزواج فذلك وبكل تأكيد سيلعب دورا جوهريا في ديمومة عواطف الزوجين لتكون في أوج عطائها وهذا بدوره سينعكس إيجابيا على حياة ونفسية الأولاد ...

      وبخصوص العادات والتقاليد التي تم ذكرها ... فنحن بالفعل في أمس الحاجة لتنشئة الأجيال القادمة بعيدا عن كل هذه التفاهات التي لا تسمن ولا تغني من الجوع ...

      ولا يسعني في النهاية إلا أن أشكرك على هذا النقاش القيم الذي فتح شهيتي للكتابة كثيرا ... تماما كتلك الأيام الأولى لي في التدوين وما كان من نقاشاتنا المطولة في مختلف المواضيع :)

      لك مني كل المودة والتقدير

      حذف