انبعثت الشمس من مرقدها ، وتناثرت خيوطها الذهبية في غسق الليل الراكد ، وتوارى القمر بتؤدة من كبد السماء ، فأشرقت الأرض بنور ربها ، واصطفت الطيور تشدو فوق الأغصان بصوت عذب لا يلبث أن تبتلعه المدينة بضجيجها المتعاقب على مدار النهار ، أما البيوت فلا يزال الهدوء الذي يخيم أركانها ، تترصده أجراس الساعات المتأهبة في موعدها الثابت لاستدعاء الناس مجددا للحياة والسعي في مناكبها ، فذلك موظف يسارع في الخروج من منزله باكرا كي يدرك حافلة النقل العام ، وتلك أم توقظ أولادها بقبلات على جباهم الندية وتحفزهم للنهوض بنشاط للمدرسة عند تذكيرهم باقتراب موعد العطلة الأسبوعية ، وذلك شاب وفتاة ينقبان ثلاثة صحف رسمية على الأقل ، ويدونان كل أرقام الهواتف التي قد تعبد لهما درب وظيفة يبحثان عنها منذ سنين ، وذلك على أمل إكمال نصف دينهما عند ولوج أول منعطف في تلك الطريق ، وذاك كهل لاتكاد قدميه تعينانه على الوقوف ، يستجدي دوره في طابور التأمين الصحي ولايدري إن كان الوقت سيسعفه في إدراك نافذة قبول المعاملات أم ستسقط أوراق حياته في يد ملك الموت قبل الوصول ، وهكذا تزدحم المدينة وتتعالى فيها أصوات الناس في الطرقات ، وكل يسبح في فلك حياته الرتيبة ويمني النفس بيوم قد يأتي متمردا ويعد بحياة أفضل .
وفي باحات المدارس يقف الطلاب والطالبات في طوابيرهم الصباحية أمام مدير متجهم الوجه أو مديرة لا تتقن ملامح وجهها سوى العبوس في وجوه طالباتها ، ولقد حدثت مأساة (( حنين )) في إحدى تلك الطوابير الصباحية ، وذلك عندما استدعتها المديرة للوقوف أمام جميع الطالبات وانهالت عليها بشتائم ما أنزل الله بها من سلطان ، و (( حنين )) تقف خافضة رأسها لا تجرؤ على النظر في وجوه صديقاتها وهي تتلقى دون هوادة كل تلك الإهانات ، حتى أنها لم تفكر بالدفاع عن نفسها عن ذنب لم تقترفه بإرادتها ، مما حدى بالمديرة إلى اتخاذ قرار طردها وهي مرتاحة الضمير ، فلقد حذرتها مرارا من أنها ستفعل ذلك إن لم ترتدي (( حنين )) الزي المدرسي ، ولا شك أن (( حنين )) وهي تتعرض لذلك الموقف المهين ، كانت تتمنى لو أن الأرض قد انشقت وابتلعتها ، فهي ليست متمردة على الأنظمة والقوانين ، بل إنها تعلم علم اليقين ، أن والدها لو كان على قيد الحياة لما تأخر لحظة واحدة عن شراء الزي المدرسي لها ، فهل الذنب هو ذنب والدتها التي لا تملك من الدنيا سوى راتب تقاعدي بالكاد يكفي لاطعام (( حنين )) وإخوتها ؟
ولم يكن مصير صديقتها (( أمل )) بأفضل منها ، وذلك حين وقعت في براثن المديرة عند نهاية فترة استراحة الطعام ، وذلك عندما وجدتها تعبث في سلة المهملات ، ولقد ظلت تصرخ في وجهها وتضغط بأظفارها المتسخة على ذراعها الصغير ، لعلها تكتشف سرها وتعترف لها بالذي كانت تحاول إخفاءه في سلة المهملات ، ولكن (( أمل )) لاذت في غياهب الصمت وأبت الرضوخ لتهديدات المديرة ووعيدها ، وحينها لم تتردد المديرة أيضا باتخاذ قرار الطرد مجددا بحق (( أمل )) وعدم عودتها إلى المدرسة إلا برفقة ولي أمرها ، فخرجت (( أمل )) من المدرسة والدموع منهمرة فوق وجنتيها الرقيقتين ، ولكن حزنها في تلك اللحظات لم يكن سببه قرار الطرد ، بل هو الإشفاق والخوف على والدها الكفيف إذا اعترفت له بحقيقة مصدر الطعام الذي كانت تحضره له في كل يوم بعد عودتها من المدرسة ، فكيف يمكنها أن تقول له أنها كانت تطعمه من بقايا فضلات زميلاتها ؟
كان حلما وربما قد تحقق ، وهذا هو حال كل رجل ذي حظ عاثر ، لا يتمكن من توثيق ما يتمناه من أحلام في دفاتر الواقع ، فلماذا تحقق ذلك الكابوس الذي زف له خبر ارتباطها بغيره ؟
هل خان الأمانة ونكث بالعهد ؟
أم أن قلبها ارتضى بعاشق أمين يحفظها ويصونها بعيدا عن خزائن قلبه ؟
ولكن ألا كانت ترغب بترصيد حساباتها العاطفية ومراجعة فواتير ذكرياتها قبل أن تعقد العزم على الرحيل ؟
أم أنه الصفح عند المقدرة و (( المسامح كريم )) ؟
ما كان بيده سوى الإذعان لرغبتها ، ولكنه قرر أن يقدم لها تقريره العشقي الذي قد يكون الأخير ، فكتب لها قائلا :
في هذه الليلة كانت زخة المطر الأولى ، فجلست أمام النافذة وتأملت القمر المختبىء خلف ستارات الغيوم ، واستجديته أن يبعث لك بهذه الكلمات ، والتي ما تجرأت بالبوح بها مذ يوم رحيلك ، ليس غرورا ولا زهوا ولا كبرياء ، و إنما هي بقايا من أمل كنت أعتقد أنها قد تستدعي حضورك من بين ثنايا الغياب .
ما تعودت أن ألقي بقلبي وأعرضه بثمن بخس ، ولست مكترثا إن انتهت صلاحية نبضاته المفترضة للحب ، وغدا بعدها كبضاعة كاسدة أمام قلوب النساء ، فإن قلبك إذا ما كان هو المشتري ، فلن يجدي حينها الاستدراك .
أحقا أحببت رجلا غيري ؟
أم أن (( البعيد عن العين ... بعيد عن القلب )) ؟
إذا كان هذا ما يفسر غيابك ، فالأمانة قيد التسليم ، ولك أن تستردي قلبك في أي وقت ترغبين ، ولكن قبل أن يأتي موعد الاستلام والتسليم ، دعيني في هذه الليلة أنام مطمئنا ولآخر مرة بين ذراعيك ، ولا تتركي يداي المرتعشتان شوقا إليك ، دعيني أقبل أناملك التي خطتني حبيبا لك في يوم من الأيام ، ودعيني أبكيك كالأطفال عندما يتهيأون للحظة الفطام ، فعندما ستشرق شمس الشتاء ، تكون الحكاية قد انتهت ، ولك حينها أن تنتزعي قلبك من أحشائي وترحلين .
لن أطالبك بدية لدم فؤادي المهدور ، فأنا لست أول ضحايا الحب ، ولن أكون حتما الأخير ، ولكن لست أدري لماذا معادلة الحب دوما غير متوازنة ؟
ربما قد آن الأوان لتغيير كل مصطلحات العشق ، فأنا وبعد هذا اليوم ، لن أبحث عن الحب ، بل سأجعله يبحث عني ، ولن أرضى بدور العاشق في مسرحية الحب ، بل سأكون أنا المعشوق ، ولست منذ هذه اللحظة حافظا أمينا لودائع القلوب ، فأنا لست كفؤا لهذا المنصب ، وأعلن استقالتي والتنحي عن مقعده لرجل غيري .
والآن قلبي برسم الأمانة ، فهل من امرأة أودعه إليها ؟ تحفظه وترعاه وتصونه ، وتتقن تلك المهمة التي عجزت أنا عن القيام بها ، ولكنني سأحذرها مسبقا من شرط جزائي قبل توقيع عقود الحب ، فلا تطالبني بتسديد رسوم عشقية مستحقة الدفع ، لأنني من بعدك أشهرت إفلاسي العاطفي .
عندما يتأهب العيد للحضور في موعده المتغير من كل عام ، لا يكون ذلك بالضرورة مدعاة لاضطراب طقوس الناس في استقباله ، فالأسواق ستعج بالنساء والأطفال ، والطرقات ستزدحم بالمركبات ، ومحلات الحلويات والقهوة العربية ستمتلىء عن بكرة أبيها ، والصحف ستختزل مساحات شاسعة من عناوينها السياسية الرتيبة ، لتستوعب صفحاتها الترويج لعروض الرحلات السياحية واعلانات أسعار الأضاحي المنافسة في هذا العام بشكل غير مسبوق وبرامجها التقسيطية المريحة .
والجميع يتحفز للمناسبة السعيدة ويلقي وراء ظهره عبء التفكير الذي يلازمه على مدار العام ، فلا وقت الآن للتذمر من غلاء المعيشة وجنون الأسعار ، ولابأس في إرجاء الاستياء من تدهور الحال العام ، فالدنيا عيد وهذا مسوغ كاف لفرح طارىء ، يتم اختطافه عنوة من بين أضراس الشهور والأيام .
لا شك أن رتابة الأيام ستتعطل حركة سيرها في درب العيد ، وهذا سيجعل الفرصة مواتية لاغتنام لحظات من العمر المهدور ، لتحقيق مآرب استثنائية لا تتكرر ، فالزوج سيتمكن من التبسم في وجه زوجته وهما يحتسيان معا فنجان القهوة في الصباح ، والأولاد سيفرحون برؤية أبيهم في يوم غير يوم الجمعة ، والجيران سيقبلون بعضهم البعض ، والأرحام لن تشكو من القطيعة ، والناس لن تتعارك كعادتها في الطرقات ، فالكل خدر بالتسامح والمحبة وليس مشحونا بالتوتر والعصبية والمزاج السيء الملاصق لهم على مدار العام .
وأعتقد أن الحلاقين في هذه الأيام ستزول عنهم أعراض الاستياء من جفاء زبائنهم المتتابع لهم في الآونة الأخيرة ، وخصوصا مع تغير الجدول الزمني لمواعيد الحلاقة التي كانت في أحسن حالاتها لا تتجاوز الثلاثين يوما ، لتصبح حاليا من شهرين إلى ثلاثة شهور ، حتى بات الحلاقون لا يميزون ملامح زبائنهم كلما حضروا إليهم بعد طول غياب ، وكأنهم كانوا يرقدون في رقيم أهل الكهف ، وهذا إنما يؤكد على مصداقية المثل القائل (( الناس ما معها تحلق )) .
الدنيا عيد ، وأنا ألاحظ أنني احتفي بقدومه في هذا العام بنشوة استثنائية ، وليس ذلك بسبب فتاة بغدادية أطالت التحديق بي في أثناء مروري العابر من أمام طاولتها في أحد المولات التجارية ، وليس ثمة ارتباط لهذا بقدرتي على تلبية نداء أشواقي المتداعية لدمشق ، والتي ما وطأتها منذ عيد الأضحى في العام الماضي ، ولا اعتقد أنه بإمكاني تعليل ذلك بملاءتي المالية التي تجعلني لا أتردد في الاتصال بأرقام الهواتف المدرجة في متن عروض الرحلات السياحية ، فأغمض عيني وأفتحها لأجد نفسي في رحلة روح علاجية .
أستطيع اليوم أن أجتهد في الإجابة وأسترسل في وصف حالي بعد لقائك ، ففرحتي لن يفسرها إلا أنت ، ولذلك دعيني أخالف كل الأجواء المتعارف عليها ، وأهرب من أزقة الأسواق وأزمات المرور ، كي اختبىء بين ذراعيك وأقول لك بعفوية الأطفال (( كل عام وأنت عيدي )) .
أتمنى للجميع عيدا مباركا ... ويتجدد لقاؤنا بمشيئة الله تعالى يوم الجمعة الموافق 18/11/2011
من كتاباتي (116)
-
1- "بشروا ولا تنفروا"
لما تشوف حد كاتب أمنية ما، بلاش تستظرف بتعليقات سخيفة تظهر اليأس اللي
بتعانيه.
لو مش هتقدر تبشره بتحقيق اللي بيتمناه، يبقى س...
Best Portable TVs
-
*1.Enable the portable digital TV ED8850B, the best portable TV,Best
Portable TVs*
Envizen Digital ED8850B is a TV and DVD player. With a size of 7.5 x 4.5...
رحلة الشتات.. قصة المواطن اكس
-
كانت تبثّه أشواقها عبر شاشة بحجم اليد حين أشاح بعينيه عنها وقال بصوت مسموع
ومكسور "الله ينتقم من اليهود.. همّه سبب كل مشاكلنا". كان هذا قبل عدة أيام،
حيث ل...
هموم مصريّة
-
*#هموم_مصريّة يوم الخميس مصر رفعت اسعار مشتقات البترول بنسبة 55% واسطوانة
الغاز للاستهلاك المنزلي بنسبة 100% ... بغض النظر عن الموقف الشعبي من
الا...
وسواس
-
*حركة خاطئة على المسرح منعتني من استكمال التدريب ،ثلاثة سنوات مرت لم أرقص
فيها كفيلة لتجعل خطواتي مضطربة و ثقيلة، لا تزال أنفاسي تتصاعد و لم تهدأ
حرا...
ثلاثة أيام من الذاكرة المفقودة
-
*ما في شي ممكن ينكتب بهالحالة غير شوية شخابيط *
*اليوم الاول (أول أيام العيد ) : ما في شي غير شوية سواد و ناس بتتحرك بثقل
حواليك *
*اليوم الثاني : وجه ام...
احلامنا
-
أحلامنا كالسراب
نركض وراءها بعيدا
لا تأخذنا الى مكان
نجد أنفسنا داخل دائرة
ندور بداخلها
ولا نخرج منها
هل للأحلام أن تتحقق؟!
أم ستبقى سجينة خيالنا...
أوجاع الروح \ إمتياز النحال زعرب .
-
مراجعة لكتاب أوجاع الروح للصديقة العزيزة إمتياز النحال زعرب أن تتابع مئات
النشرات الاخبارية والتقارير الصحفية عن الحروب على غزة. أن تشاهد الآف الصور
للبيوت...
الأسبوع السادس والأربعون - مذكرات أنثى
-
كما كل الأطفال الذين يضحكون إذا ما ضحك الكبار من حولهم، باسمة كنت أنقل
النظرات بين وجوه الكبار المنشرحة من حولي، يومها أشرقت الوجوه مثل أرض مسها
ال...
Symbole d’amour -dédicace à toutes les mères
-
Symbole d’amour,
Elle donne sans attendre
Un remerciement,
Un geste réciproque,
Avec un sourire
Tendre,
Et chaleureux.
Lorsqu’elle caresse mes cheveux
...
شهر يــار
-
حدثونى عنه كثيرا
أحبرونى بـأنة ساحر وأميرا
سمائه تمطر نبيذا بنكهة الموت
ومتى وشهر زاد تخشى الموت
اه الموت بين أحضانه حياة
أيـــا سمائى
أمطرى لتروية ب...
في مساء ٍ شتوي
-
مسحورة ٌ أنـــا بتلك المرأة التي صادفتها … تحت ضوء الشارع وفي يوم بارد ….
تمسكـــت بذراعه بكلتا يديها وهي تمشي بجانبه ….مأخوذة ٌ به على ما يبدو … هو
في كام...
حكي فاضي
-
*هالتدوينة ما فيها أي معنى ولا وراها أي مغزى..*
*ما عندي أي كلام عميق أحكيه.. بس حبيت أزور مدونتي لأثبت لحالي أنه هالمساحة
مش مهجورة..*
*الدنيا برد.. واتخي...
مافيا المستشفيات
-
العامل في القطاع الحكومي بشكل عام يلاحظ ظاهرة المافيات بين الموظفين ،
فكثيرا ما تسمع مصطلح "انك محسوب مع جماعة فلان ، و اضافة لذلك هناك من يسيطر
على ال...
مفتت
-
لم أعد أفهم حال قلبي المضطرب المتسارع,
يحتاج لحب عميق ,يشعره بالآمان,يخرجه من أحزانه المستمرة..!
لم أعد أعلم أمتواجد بقلبي؟! هل حقا قلبي المفتت قابل للترم...
سلام الله عليك يا شام
-
*يقول نزار ك*
*أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي*
*لسال منه عناقيد وتفاح*
*فأقول*
*لملموا عناقيدا على الطرقات سالت*
*وأشلاء*
*من باسم حب دمشق قد راحوا*
*عد ي...
اعتذار شديد
-
*احبتي اصدقائي جميعا*
*اسعد الله اوقاتكم بكل الخير*
*اعتذر وبشدة عن غيابي المفاجئ هذا*
*اعتذر عن عدم متابعة ما تخطه اناملكم الرقيقة*
*وما تجود به اقلامكم ال...
عبارات هوليودية(19): قنابل في حياتي..!!
-
"كلنا يمضي برتابة في حياته يوما بعد يوم.. حتى يُلقي أحدهم قنبلة عليها..!"
[أحد أبطال فيلم: Big Trouble] أنت مثلي بالتأكيد.. مررتَ بأكثر من نقطة تحول
في حيا...