الجمعة، 3 فبراير 2012

رسام الكلمات

أمطار وثلوج ، هذا هو حال الطقس منذ أسبوع ونيف ، حتى أصبحت رؤية الشمس أمنية لا تتحقق حتى في الأحلام ، والبرد قارص ، ينخر العظم بلا هواده ، وذلك يستدعي البقاء بجانب المدفئة الغازية أو الكهربائية برفقة طبق من المكسرات ، وإعادة مشاهدة المسلسلات في فترات عرضها الصباحي والمسائي ، مع تعاظم الانجماد في الأطراف السفلية والعليا إذا راودتها حركة خاطئة خارج حيز المدفئة الضيق .

وموجات الزمهرير المتتابعة هذه ، من الصعب التكيف معها ، إذ لابد من استقبال عامل أنابيب الغاز ورتق جيبته بما يعادل عشرة دولارات في كل زيارة تتكرر مرتين في كل ثلاثة أيام ، وليس الحال أفضل حين نتحدث عن فواتير الكهرباء الشهرية، والتي تضاعفت بعد إقرار طرائق محدثة في احتساب كلفة استهلاكها وبما ينسجم مع مصلحة المواطن بالتأكيد ، ومن الذي سيجرؤ على الخروج في جوف الليل لشراء دواء أو مستلزمات منزلية مستعجلة ، غير الذي ستكون (( أمه داعيه عليه )) ، أو من ذا الذي سيفكر في اللحاق برفاق المقهى لتصفية ثأر خسارة حدثت في لعبة الورق قبل حلول هذه المنخفضات الجوية التي تأبى الارتفاع ، إذ أن الحصافة هنا تستدعي ضبط النفس والأعصاب ، والتزام المنزل في عزلة إجبارية لا تنقطع أسبابها إلا (( للشديد القوي )) .

و عندما يأتي الصباح يكون الخروج من المنزل إجباريا للذهاب إلى العمل ، ولأن موعد الدوام موحد في معظم الداوئر والمؤسسات الحكومية والخاصة ، مع استثناء المدارس التي غابت عن هذا الموعد الصباحي لظروف تتعلق بعطلة منتصف السنة الدراسية ، فإن جميع الطرق ممتلئة عن بكرة أبيها ، وليس هناك من فرص للشوارع الاسفلتية كي تلتقط أنفاسها ، وحوادث السير حدث و لاحرج ، ودفاتر رجال المرور نفدت أوراقها من تحرير المخالفات المرورية التي لم تقصد التربص بالسائقين ، وكل مركبة وحذاقتها في اللجوء إلى خارطة الشوارع الفرعية ، والتي لا تكون بالضرورة الحل المثالي الذي قد يضمن التخلص من مواعيد (( عرقوب )) والوصول إلى المواعيد على الطريقة الإنجليزية .

ومن غير المألوف أبدا ، أن يضرب المرء في مثل هذه الأجواء موعدا مع حبيبته المفترضة ، ولكن (( للضرورة أحكام )) ، إذ أن هذا اللقاء قد تم التخطيط والاستعداد له منذ الصيف المنصرم ، وحين أزفت اللحظة الموعودة ، وخرجت من عملي مسرعا للحاق بحبيبتي قبل أن تسأم من الانتظار ، وقعت أسير جنون الطرقات ، ومع ذلك لم أبالي ، بل استعنت بخبرتي الممتدة لثلاثة عقود في مخطوطات شوارع هذه المدينة ، ووصلت إلى مكان لقائنا مبكرا ، لأخالف بذلك كل الأعراف السائدة في مواقيت مواعيدي المتأخرة على الدوام .

وحين أقبلت حبيبتي من خلف الرؤوس المتصاعدة على السلم الكهربائي في إحدى المولات التجارية ، بشعرها الأسود المنسدل على ظهرها كالحرير ، وملامحها اللاتينية التي ذكرتني بأساطير الأغريق ، وقامتها الممشوقة بخطوات تسير بخيلاء ، ارتبكت كـ (( أحدب نوتردام )) حين شاهد (( الاسميرالدا )) ، فلقد كان جمالها يفوق كل الصور التي رسمتها في خيالي .

ولكن العلاقة بيني وبين الفرح سيئة للغاية ، فبعد أن تلاقت عيوننا ، شعرت أن عدوى الطقس البارد قد أصاب حماستها نحوي ، وتحققت هواجسي حين أخبرتني أنها مضطرة للذهاب بسبب ظرف طارىء ، دون أن تبدي تماما ما قد جثم على صدرها من نفور لم أتمكن من تعليل مسبباته على وجه الدقة .

ثم صعدت السلم الكهربائي مجددا ووقفت خلفها دون أن أجرؤ على الكلام ، بل اكتفيت بسد رمق الاشتياق بالنظر ليس إلا ، وذهب كل منا في حال سبيله ، لا ندري ماذا سيكون من أمرنا في الغد القريب .

وجاء اليوم التالي ، وتبادلنا الرسائل الالكترونية كالمعتاد ، ولكن ردودها كانت مقتضبة وجافة ، فحاولت اجتثاث مخاوفي والحديث بعبارات مباشرة عن انطباعها حول اللقاء ، فظلت كلماتها مبهمة وتحتمل التأويل في عدة اتجاهات ، وهذا جعلني أمسك بزمام المبادرة كي أصف لها سعادتي برؤيتها ، مستعينا بالكلمات التي لا أبرع إلا برسمها ، فقلت لها أن عيوني كانت تتمنى أن تلتهم كل ركن منها وهي أمامي على السلم الكهربائي ، ولكن هذه الجملة كانت كـ (( القشة التي قصمت ظهر البعير )) ، لتعاتبني بلهجة لاذعة بعدها وتتهمني بأنني لا أجيد الحديث مع سيدة مخملية .

وأنا الذي قضيت عمري بين دواوين الشعر وروايات الحب والغزل ، كي أتعلم الرسم بالكلمات في لحظة ألتقي بها مع محبوبتي ، فهل كنت تلميذا سيئا إلى هذا الحد ؟

هناك 6 تعليقات:

  1. Oh you poor, she turned you down! just like that, without any reason!!
    Sometimes direst simple words are considered to be vulgar, but in other times they are just very expressive and enough,, I don't know it depends.
    I think you should or the hero of your story should give his lover sometime may be till the sun come out and melt the ice on her heart :)
    But you had a very nice description of the winter, may Allah have mercy on people in this time.

    Sereen

    ردحذف
    الردود
    1. سيرين

      أتدرين ... لقد توقفت كثيرا عند كلماتك وسألت نفسي لماذا حين يكون المرء يتأهب لأمر كان يعتقد أنه كالحلم ... وحين وجاء الوقت وتهيأت الظروف كي يتحقق ...يحاول عندها أن يبذل كل ما لديه من قدرات كي يظهر في أبهى صورة ... ولكن إذ بالأمور تنقلب رأسا على عقب ويظهر بشكل معاكس تماما ... والغريب أن المرء حين يترك الامور تسير على طبيعتها دون تعقيد وتمهيد واستعدادات وغيرها في أمر لم يكن ذا قيمة لديه ...ينجح نجاحا باهرا ...وهذا بالفعل ما استوحيته وأنا أقرأ كلامك عن موضوع البساطة في الحديث :)

      دوما أكون سعيدا حين تخبريني أن وصف الكلمات قد أعجبك فأنت تعلمين كم يهمني رأيك في كتاباتي :)

      وأضم صوتي لصوتك في الدعاء ويارب يخفف هالبرد عن الناس شوي :)

      لك مني خالص مودة

      حذف
  2. ههههههههههه,, ضحكت بجد
    لإنه مش رح تفهمونا لو كنتو مجمعين بعقولكم أفلاطون ع اينشتين
    ههههههههههه

    عجبني وصفك لنهارنا,, بشبه نهاري كثير لإنه

    مساءك خير

    ردحذف
    الردود
    1. ام عمر :)

      يعني بفهم من كلامك انو ما في امل أبدا :(

      عموما شو بدنا نسوي إلنا رب العالمين :)

      يعني تشابهنا بالنهار بس انشالله ما نتشابه بالحظ لأنو انا دائما حظي بكون في خانة اليك (( يعني ما في أمل يحل النحس عني ))

      خالص تحياتي

      حذف
  3. الأمل بيجي من نتوفه إزا الطرف التاني حب يخليك تفهمه

    ولا تتوقع ديمومه هالأمل كمان
    ههههههههههه

    صباحك خير

    ردحذف
    الردود
    1. ام عمر

      معناتو خلينا نستنى ونشوف الطرف التاني شو رح تكون ردة فعلو :)

      يسعد صباحك ومساكي :)

      حذف