الجمعة، 21 سبتمبر 2012

المرأة الأفلاطونية


أن تكاشف امرأة بهذيان من الحنين قد تداعى ، كلما قيضت لك الأيام قرينا لا يسأم عبثا بذاكرتك ، ولعلك حينها تود لو أن الزمان يمضي بك إلى ذلك الوراء البعيد ، كي تجاهر عند مواجهة محمومة بعينيها المتواريتين خلف منصة الحب ، أنك ومنذ رحيلها قد تقطعت بك الأسباب ، وأوصدت في وجهك جميع الأبواب ، لتجد نفسك تسير في هذه الدنيا وكأنك تتقلص أو تتلاشى إلى خريف يقودك إلى أرذل العمر .

و في هذا الفراغ العاطفي ترتبط بزواج أبدي لا انفصام منه بطلاق بائن بينونة كبرى ، أو حتى صغرى ، ولا مخالعة رضائية تسرحك بمعروف وإحسان ، ولربما تتهاوى ما بين درجات اليأس ، وتخلع المواربة عن جسد حروفك كي تخاطبها بكلمات عارية من الكبرياء ، ثم لتسألها من الحب إلحافا ، وحين لا تكترث إليك ولا تلتفت ، ستتحرى جلوسك على ناصية الوحدة إلى أجل غير مسمى ، وستنادي بصوت قد أجهدته الخيبات ، لتجد أثره يتردد بين جميع حروف النداء ، ثم لا يلبث أن يقضي نحبه بأدوات النفي والنهي والجزم ، فلا يكون في صدرك عندها حرج ولاضيق ، حين تجد قلبك كجملة معترضة لا محل لها من الإعراب في مقدمة تلك الحكاية أو عند خاتمتها . 

وكأنك اليوم تعض أناملك ما بين حسرة وندم ، على خسارة امرأة أحببتها أكثر من نفسك ، ولكن غرورك كرجل يأبى أن يستجدي عودتها ، وانتظارك خلف الباب المهجور على أمل أن تأتي وتقرعه بلهفة من جديد ، قد لا يكون سوى حلم وردي سيراودك كل ليلة وأنت تلفظ أنفاسك الأخيرة بعد قبلة تكاد تلامس شفاه صامتة تنام إلى جوارك في السرير الأعزل من جسدها ، وحينها تدرك أنك ألفيت نفسك وحيدا ، تبكي كالأطفال عندما يستيقظون في منتصف الليل في حجرة لا يبدد وحشة عتمتها إلا نور ينبعث من صدور أمهاتهم الدافىء .

فلا غرو أنك اليوم تتمادى في استحضار نوبات الحنين ، ولربما لا زلت تقف أو تتأرجح ما  بين الشك واليقين ، ولكن كم سيلزمك أن تناظر أو تجادل في امرأة أفلاطونية ينقلب مزاجها ما بين الدقيقة وأنصاف ثوانيها ، تماما كالسماء التي تشرق فيها الشمس وقت الضحى ثم تمطرك بالغدر عند الظهيرة .

هل لا تزال ذاكرتك غائرة بكلماتها الأخيرة حين قالت : (( أن في الحب حدودا لا يمكن اختراقها )) ؟ 

ماذا كانت تقصد بذلك يا ترى ؟ 

لن يجدي التأمل والتفكير ، فأنت الآن لا يحتويك منها سوى الفراغ ، تنظر خلفك وتعقد عزما بخطوات قد تدفع بك إلى الأمام ، ثم تلتفت عن ميمنة وميسرة ، تتمنى أن تكر و لا تفر من هذا القدر الذي جعلك تعشق امرأة تخشى أن تجاهر بحبك حتى وهي في خلوة مع قلبها ، كم هو مؤلم أن تبكي امرأة تجد نشوتها في عالم من الخيال و (( الفنتازيا )) ، وتتجرد منه في عالمها المحسوس ، وأنت تقف هناك بين الوجود واللاوجود ، كدائرة لا يكتمل محيطها ، فكيف ستجد سبيلك للخلاص من هذه المرأة الأفلاطونية ؟ 

هناك 6 تعليقات:

  1. لا خلاص من امرأه تركت بصمه فى قلب رجل
    سيظل يتعبد فى محرابها لا يجد سبيل للخلاص
    ملك التدوين حقا انت يا اشرف

    ردحذف
    الردود
    1. هبه :)

      وأنا كيف خلاصي من ثناء حروفك الذي يعدل ذهبا خالصا في ميزان الكلمات :)

      لك مني خالص مودة وتقدير واحترام

      حذف
  2. عندما يصل بك العشق لمرحلة متقدمة
    لن يكون تراجع بعدها
    و لن تجد مكان تفر إليه
    و لازمان يخلو من ذكراه
    وسيصبح مستقبلك مرسوم بفرشاة القدر
    التي لا تزول ألوانها
    بل مع مرور الوقت تترسخ لتمسي نقوشاً
    عبر الفؤاد مكانها
    و على الجسد النحيل ترسو رتوشها

    الندم
    هي حالة صعبة
    و في العشق أقسى حالتها


    أسلوب عميق
    ينقل بين الحرف والحرف أوجاع

    ردحذف
    الردود
    1. زينه :)

      أدهشتني كلماتك في وصف أفكار هذا الإدراج ... فأجدني أقرأ وانكتب بها سطرا بعد سطر ... وفقرة تلو الأخرى ... :)

      لك مني كل التقدير والاحترام

      حذف
  3. من اصعب الامور هو التارجح بين الشك و اليقين

    دائما مبدع

    ردحذف
  4. لبنى :)

    مع حواء لا خلاص من هذا التأرجح :)

    دوما شهادتك مصدر فخر وعز :)

    لك مني كل التقدير

    ردحذف