استيقظت في هذا الصباح مبكرا وعلى غير أوانك ، ولكن ضجيج الأصوات وارتداد ذبذباتها وهي تخترق الجدر العازلة لمنزلك ، كانت كصفارات الإنذار المنبعثة في الحروب ، فنهضت مفزوعا واستعذت من الشيطان الرجيم ، وطمأنت نفسك بطلب الستر من الخالق الكريم ، وتوجهت مسرعا تقرع باب الجيران ، وزاد اضطرابك بعد أن استحالت الأصوات من صراخ وعويل إلى اشتباك غير مرئي ، ترجح فيه الاستعانة بمواد زجاجية كانت تتحطم تباعا على الجبهة الداخلية للباب ، وهذا كان يستدعي إلحاحك بالضغط على الجرس بكلتا يديك ، وركل الباب الخشبي المتأهب للسقوط بكلتا قدميك ، ولا يزال تقاذف الشتائم التي انتهكت جميع الأعراض ، الأحياء منها والأموات ، يقترب من مسامعك أكثر ، حتى انكشف المستور ، وشرع الباب على مصراعيه ، وقد وقف خلفه رجل ضخم بثياب عارية من نصفه الأعلى ، وقد سكنت على وجهه علامات مخالب قطة كانت على مايبدو جائعة منذ أيام ، وقبل أن تبادر بسؤاله عما يحدث ، ينبعث الصراخ والعويل مجددا من وراء الباب ، وتنهمر الشتائم بغزارة لتغرق شرف كل نساء عائلتك ، أنت وذلك الرجل الضخم الذي لا يلبث أن يرد على تلك الشتائم بما هو أشد وطئا وأعظم قيلا ، ولازلت تسأله بصلاة على الحبيب المصطفى كمحاولة لإخماد ثورة غضبه ، حتى بادرك بلكمة أفقدتك البصر مؤقتا في عينك اليسرى ، وإغلاق الباب في وجهك كي يستأنف معركته الضروس مع قطته ، عفوا ، زوجته التي ظلت شتائمها تقرع طبلة أذنك حتى غادرت مهرولا إلى ناصية الطريق العام .
ولكن هذا اليوم المشؤوم جعلك أسيرا لظروف تدفع بك إلى التدخل في اشتباك بدأ للتو بين سائقي سيارة عمومية و أخرى خصوصية ، وذلك بعد أن ارتطم الأول بسيارة الثاني عند توقفها المفاجىء من أمامه ، فهرولت لفض الاشتباك بين الرجلين ، ولكن وقوفك كدرع بشري بينهما ، جعل كل اللكمات والرفسات والصفعات من نصيب جسدك الذي تكلم قبل يوم القيامة ، ليس ليكون شاهدا على ذنوبك ، بل ليلعن الساعة التي وافقك فيها الرأي للذهاب والإصلاح بين هذين الثورين الهائجين .
وتوجهت إلى مكان عملك ، وكم كنت تتمنى لو أن إجازة طارئة منعتك من الذهاب في ذلك اليوم ، فزميلتك التي اكتمل نصاب حملها بشهوره التسع ، كانت تتوسلك للذهاب معها إلى غرفة المدير الغاضب من تأخرها عن موعد الدوام الرسمي بخمس دقائق ونصف ، لعله يسمع منك ويقتنع بعذر المخاض الذي زارها طوال الليل ثم تراجع بعد الفجر عند وقت الضحى ، فذهبت وأنت على ثقة بأنه لن يردك عن بابه خائبا ، وحين شاهدكما معا ، اكفهر وجهه وامتعض وعقد حاجبيه وصفق الباب في وجهك ووجه زميلتك قبل أن تتفوه بالكلام ، وقبل أن تعود إلى مكتبك ، تناديك السكرتيرة المتصابية في الهرم ، لتبلغك بقرار المدير بخصم مغادرة زميلتك من رصيد إجازاتك السنوية ، وعندها ضحكت قليلا وبكيت كثيرا ، إذ أنك تذكرت بعد كل هذه الأحداث ، مثلا شعبيا ذائع الصيت ، كانت والدتك تردده بسخرية بحق كل وجوه الخير التي تتدخل فيما لا يعنيها : (( يا داخل بين البصلة وقشرتها ... مارح ينوبك منها إلا ريحتها )) .
الذي تكلم قبل يوم القيامة
ردحذفshoo ya Ashraf
malak?
shiklo = el3ab wa7dak teejy rady is the name of the game from now on?
:D
دكتور هيثم :)
حذفأكيد العب وحدك تيجي راضي :)
مودتي يا صديقي
ما كانت ريحه اللي صابت هالزلمه بهاليوم المشؤوم :$
ردحذفعبّقت فيه و جابت اخرته
ويسبر :)
حذففعلا شكلو ريحة البصل والتوم وكل التوابل عبقت في هالزلمه في هاليوم :)
كل الود لحضورك
يعني بدي اقول خليك بحالك احسنلك بس مش قادره:)
ردحذففي مواقف ما بيقدر الواحد الا يتدخل حتى لو بدو ينوله من الطيب نصيب :)
نيسانة التدوين :)
حذفوالله يا نيسان مش عارف لو صارت معي متل هالمواقف كيف رح اتصرف ... الحمدلله انها من محض الخيال :)
لك مني كل التقدير
ومن كان فى عون أخيه كان الله فى عونه
ردحذفدائماً براعتك فى التصوير ودقة التفاصيل تعطى لمقطوعتك مايشبه الروح فتراه حياة متحركة أمام عينيك...
تحياتى وتقديرى
أستاذي العزيز محمد :)
حذفصدقت والله ... فالاسلام علمنا أن نساعد الآخرين وأنا وبكل تأكيد مع هذا الاتجاه 100% وهذا من الاسباب التي جعلتني أكتب هذه التدوينة وذلك لأستعرض ما يحدث في كثير من الاحيان مع الاشخاص الذين يحاولون الاصلاح بين الآخرين وما يصيبهم من أذى نتيجة لذلك بدلا من شكرهم ...
شهادتك دوما لها مكانة غالية وجدا عندي :)
لك مني كل الاحترام
ردحذفأوافقك بأن واقعنا لا يشجع على فعل المعروف
فالمعروف والمؤازرة اليوم تدخل تحت بند " التدخل في شئون الغير "..فتعطي نتائج عكسية لما ترغب
لكن الأمر بالمعروف .. هو جزء من ديننا
!!
إذن علينا بالوسطية
"يعني ما ندخل بين البصلة وقشرتها ... وبنفس الوقت ما نترك البصلة نهائيا"
أسلوب شيق
جميل
أحب أن أكون هنا
زينه :)
حذفأود في البداية أن أبارك لك ولقلمك الرائع الفوز في مسابقة المئة تدوينة في نسختها الثانية ... ألف ألف مبروك يا زينه صدقا تستحقين ذلك وأكثر :)
الوسطيه ... آه وآه من هذه الكلمه ... اليوم كان موضوع خطبة الجمعة عنها وللمرة الثانية أسمعها منك اليوم وكأن كل التساؤلات التي طرقت أفكاري ورحلت دون أن تجد إجابات مقنعة لما يحدث لنا في هذه الأيام فلماذا لا نجد القدرة على الموازنة ما بين الغلو والإفراط ... تماما كما صورت ذلك يا زينه بالبصله ... فالحل ليس بتركها نهائيا أو بالدخول عميقا بينها وبين قشرتها :)
كم يشرفني أن تكون هذه المدونة من المحطات الالكترونية المحببة لقلمك الرائع بالتوقف عندها :)
كل الود والاحترام والتقدير