الجمعة، 20 يناير 2012

متى ترجح كفتي في ميزان إعجابك ؟

كنت دوما أراهن على الفرس الخاسر ، وأبني قصورا من الرمال لا يلزمها أكثر من موج هادر ، لتزول وتتلاشى أحلام طارئة قد أشرعت نوافذها لفرح عابر ، فلم يسبق أن بددت غيوم قلب حائر ، وأفلحت في استدراجه لأرض قلبي بعد بلوغي العاطفي أو حين كنت قاصر ، وهذا كان يستدعي اللجوء لمسببات حظي العاثر ، والوقوف عند تحليلها مطولا ، لعلي أستكشف حرز المفاتيح لأبواب النساء الموصدة أمامي ، وانفراج مزلاجها دون عناء لرجال تقف بمحاذاتي ، وكم حاولت أدراك السبيل الذي يقودني لدهاليز الإعجاب الخفية ، ولكن الأقدار أصرت على بقائي في صومعة التمني ومهدت لغيري كل دروب النساء التي كانت تلتف من حولي .

في البدء كان صديقي الأشقر يخطف من أمامي قلب كل انثى لا يستهويها الشاب الأسمر ، فقررت أن أتنكر في ملامحه و أستبدل لون شعري الأسود وأضع مساحيقا على وجهي كي تبدد عتمته ، ولقد استدعى المظهر الجديد أن أسدل خصلات شعري من خلال جلسات حمام الزيت ومواد التمليس في العصر الذي سبق ثورة (( الواكس )) ، وكان لا بد أيضا من وضع نظارات شمسية تكون عدساتها زيتية ومحفور عليها بالطبع ماركة شهيرة تدعى (( ريبان )) ، وارتداء حذاء رعاة البقر ذو المقدمة الرفيعة كالأبرة والذي ذاع صيته بمسمى حذاء (( تكساس )) ، ومع كل تلك التغييرات الجوهرية ، إلا أنني كنت دوما أرتطم بجدران قلوب حواء والتي كانت تبدو أمامي أقسى من الفولاذ أو الحديد المسلح .

وفي المرحلة الجامعية وجدت الإناث يلتفون حول الشاب ذو النظارات المقعرة والذي كان لا يغادر المكتبة في أوقات فراغه و لا تخلو يديه من مجموعة الكتب والمراجع التي ترافقه أينما حل ووطئت أقدامه ، فحلقت شعري وارتديت قميصا وأغلقت ياقته ، وأقسمت على طبيب العيون أن يؤكد ضعف نظري وحاجتي لنظارة بعظم أسود ، كتلك التي يرتديها كبار السن منذ منتصف القرن الماضي ، وذهبت إلى المكتبة وتعاركت مع أمينها بعد إصراري على استعارة كتب تفوق الحد المسموح به للاستعارة ، ومشيت بين ممرات الكليات بخطوات خجولة وعيوني لا تبصر إلا الأرض ، ودخلت محاضرات وخرجت من امتحانات ولم تطرق أي فتاة بابي ولو حتى على سبيل الخطأ أو الصدفة .

وحين دخلت سوق العمل من بوابته الضيقة ، وانقضت فترة البطالة التي امتدت لحسن حظي لسبعة شهور فقط ، كنت قد قضيتها في عزلة بالمنزل في أرشفة الصحف وأنا انقبها يوميا للبحث عن وظيفة تتلاءم مع الشهادة التي عانيت أربعة سنوات للحصول عليها ، فوجدت نفسي في مؤسسة مالية ضخمة ، وكيفما وليت وجهي فثمة نساء عن يميني وعن شمالي ، من أمامي ، ومن ورائي ، وفي كل بقعة يمتد إليها بصري بنظرة بريئة أو عن سبق إصرار وترصد ، ولكن الحكاية ما انفكت تكرارا لفصولها التي سئمت قراءتها ، فأنا كنت انطوائيا وافتقد لمهارات الاتصال الاجتماعية ، والتي كان يبرع بها زملائي الرجال ، من أحاديث المطبخ وتربية الأولاد مع المتزوجة ، وأحاديث الموضة والأزياء وقراءة الأبراج وحظوظها مع العزباء ، والتملق للمديرات العوانس ، والاستشارات المجانية للمخطوبة عن محلات بيع الاثاث والأجهزة الكهربائية ومحلات المجوهرات وصالات الأفراح ومايلزم من تجهيزات ليوم الزفاف ، مما جعلني أبدو كالأبله امامهن عند سؤالي عن كل ما اعتقدت أنه لا يلزمني معرفته لكي اتجاذب معهن أول أطراف الحديث المؤدي للإعجاب .

وعندما جاء اليوم الموعود ، ووصلت بعد معاناة لحدود الباءة الدنيا والتي قد تؤهلني للزواج ، طرقت كل الأبواب ، وتم طردي في كل محاولة من النوافذ لضرورات السرعة في التخلص من زيارتي المشؤومة لبيوت عروساتي المحتملات ، فأنا لم أكن أملك بيتا وراتبي لا يتكون من أربع خانات ، وهاتفي ليس فيه شعار التفاحة ، ووالدي تاجر مفلس ، وبورصة الذهب أقسمت أن لا تهبط مؤشراتها عن أرقام فلكية ، وليس بمقدوري إقامة حفل زفاف في فندق مدموغ بنجوم خمسة ، وسيارتي لم تولد في الألفية الثانية ، فكيف إذن يا حواء من الممكن أن ترجح كفتي في ميزان إعجابك ؟

هناك 14 تعليقًا:

  1. لا أدري كيف و لكن استمر "نستمر" بالمحااااااولة تلو الأخرى :)

    لا ويل للمطففين هنا غير ويل الحسرة :ميزان أعوج!:

    ردحذف
    الردود
    1. صديقي هيثم

      فلنستمر إذن ولاندري إلى أين سيكون المصير :)

      كل الود

      حذف
  2. :))
    حيرني قلمك :)
    و ظروف بطلك الباحث عن الحب
    و عدم ثقته في نفسه
    فهو دائما يبحث عن ما ليس لديه
    و لم يبحث أبدا عن ما لديه
    من المؤكد انه يمتلك الكثير
    فهو ينقصه الإيمان بقدراته و كيانه
    عليه أن يؤمن و يزداد بالثقة حينها ستلمع عينية
    و يجد الحب الذي يبحث عنه
    و حينما يجده و يكون حقيقي تسقط كل الأسوار و السدود و العوائق

    ردحذف
    الردود
    1. صديقتي الغالية كارول

      كلامك صحيح تماما فهو شخص عاش حياته و لديه مشكلة الثقة بنفسه :)

      أتمنى له أن يجد الحب الذي يبحث عنه وحينها قد لا تحيرك مواقفه المتناقضة :)

      لك مني كل الود

      حذف
  3. المشكله مش فيك,, ولا في إختياراتك
    المشكله بالطرف التاني اللي إنحط قدامك عشان يختارك أو يرفضك

    مفيش عيب بالفقر أو قلة الجمال التكويني أو أو
    العيب فقط بمقايس البشر للعريس أو للحبيب المنتظر
    معظمنا بيطمح ل حدن بمقايس " جورج كلوني " أسفه هيشم

    ومابرتطمو بأرض الواقع إلا ت يفوتهم قطارهم " الأهبل


    ياريت يرجع فينا الزمن عشان تكون البنات معجبات بالشاب المثقف أكثر من الشاب المسحول
    ياريت

    صباحك خير,,
    بالمناسبه
    ذكرت أسمك بمدونتي لإنه بطلعلي إيرور بس افوت هون
    :(

    ردحذف
    الردود
    1. ام عمر

      أنا دائما كنت اعتقد أن المشكلة هي في طريقة ظهور الشخص أمام الطرف الآخر أو ما يعرف بتأثير الهالة الأولى ولكن بعد قراءتي لتعليقك تذكرت هواجس كانت دوما تلازمني أن المشكلة بالفعل قد تكون في الظروف التي جعلت انحصار ظهور أشخاص ليس هنالك أي عناصر انجذاب معهم :)

      انا عند كلامي واذا ضلت المشكله جاهزين نبعتلك البوست ديليفري ...انت بتأمري يا ام عمر :)

      لك مني كل الود

      حذف
  4. صباح الخير اشرف

    اعتقد ان المشكله ليست بالشكل ولا المظهر ولا في الكتب والتحصيل العلمي ولا في الماديات...المشكله تكمن في الشخصيه الاجتماعيه وكاريزما معينه من يمتلكها يتمكن بسهوله من الوصول لقلوب الناس ذكورا كانوا ام اناثاً .
    مش بالضروره ان تكون مهارات التواصل الاجتماعي بالحديث عن الاطفال او الطبخ او الاثاث او التملق والنفاق الاجتماعي لكنها تركيبه معقده فيها عناصر مختلفه.
    كان معنا موظف ايام شغلي القديم لما حد يصبح عليه كان يرد ب يقرف صباحك على صباح اللي خلفوك ولكن يقولها بطريقه كوميديه تجعل من امامه يضحك من قلبه ولكنه كان محبوب وقريب من الجميع بدون استثناء وكان لديه مجموعة معجبات يتوددون له ويخصونه بمعجنات بيتيه وسندويشات تواصي ويقدمن له خدمات اجتماعيه و واسطات لدي فلان او فلانه:)...مع انه شكله عادي وطفران ... وغيره ممن لديهم مواصفات شكليه وماديه افضل منه بكثير كانوا على الرف وما حد ساءل فيهم!!!!

    ردحذف
    الردود
    1. نيسانة التدوين

      متفق معك تماما فهي بالفعل كاريزما أو كما قلت لأم عمر تأثير الهالة لتلك الشخصية وهذا ينطبق على الذكور والإناث على حد سواء ...

      بخصوص مهارات الاتصال الاجتماعي والتي تشيرين أنها ليس بالضرورة أن تكون مرتبطة بالقدرة على الالمام بمواضيع معينة تساهم في جذب الطرف الثاني فأنا هنا أختلف معك يا نيسانتنا لأن الانسان بطبيعته ينجذب إلى الشخص القريب من اهتماماته وليس العكس :)

      لك مني كل الود

      حذف
  5. فليكن نفسه أشرف
    فليكن نفسه لأن نفسه جديرة بالإعجاب

    يا رب تكون بخير اشرف بعتذر عن تقصيري في التعليق بسبب مشكلة تظهر في مدونتك فقط! حيث يذكر لي أن الموقع يحتوي على ما يضر الجهاز و يتوقف عن الفتح..أنا الآن أرسل لك من العمل.

    أتمنى لك يوم سعيد :)
    أرق تحية لك

    شيرين سامي

    ردحذف
  6. فراشة التدوين

    أنا بخير والحمدلله تعالى وأتمنى أن تكوني أنت أيضا بألف خير وأتمنى كذلك أن يكون افتتاح معرض الكتاب في القاهرة وحفل توقيع كتابك الأول قد كان كما كنت تتمنين وأكثر ... أبارك لك مجددا يا فراشتنا وإلى انجازات أدبية تتجدد مع قلمك الجميل في كل يوم أكثر :)

    من سوء حظي أن مشكلة حصلت في مواقع المدونات وحرمتنا من اطلالتك المحببة وتمنياتي أن تعالج المشكلة عما قريب :)

    لك مني كل الود

    ردحذف
  7. May be he can just wait for love to come to him rather than searching for it. I think this would be better. pretending to be someone else will really be obvious to everyone and people don't like pretentious :)
    Sereen = S

    ردحذف
    الردود
    1. أهلا أهلا سيرين :)

      ربما بالفعل عليه في هذه المرة الانتظار لعل وعسى يجد ضالته في امرأة تتمكن من فهم شخصيته المعقدة جدا :)

      فهو لم يعد قادرا على التظاهر بملامح شخصيات لاينتمي لها ويمني نفسه بالظهور دون أقنعة بعد اليوم :)

      لك مني خالص الود

      حذف
  8. Hello Ashraf, It seems I have been absent and missed a lot of your wonderful posts :)
    Maybe all that you described can lead to a woman heart but trust me it will be a very short stay. Only simplicity, honesty and being who you truly are can insure deeper love and connection..

    I love "afkar fee el7ob" , it is so true :).. I am looking forward for your post today :)

    Noura

    ردحذف
  9. مرحبا مرحبا بنورا :)

    اشتقنالك كتير :)

    البساطة والصدق كلمتان نسمعهما ونرددهما ولكن من بمقدروه تطبيقهما دون تكلف و دون أقنعة زائفة ... كم هو محظوظ من يجد حبيبا في هذه الأيام يكون كذلك :)

    لقد أعجبتني كثيرا مقولة أفكار في الحب لهذا الاسبوع فهي بالفعل صحيحة جدا فمن لا يكترث لغيابك أو خسارتك هو بالتأكيد شخص ما احبك في يوم من الايام ...

    لك مني خالص موده

    ردحذف