الجمعة، 28 سبتمبر 2012

يوم الجمعة ... في دفاتر أيامي


قبل بلوغنا موعد التكليف الشرعي في مواقيت أعمارنا ، كنا نتسابق في إتمام ركعتي السنة بعد سلام الإمام في صلاة الجمعة ، وكنا نزاحم المصلين عند أبواب المسجد كي يفسحوا لنا طريقا للخروج الذي ينقصه الكثير من الخشوع ، ثم ننطلق عدوا على الطرقات الإسفلتية كخيول جامحة بلا لجام يوقفها ، قاصدين السور الحجري الذي يرقد بجوار دكان الحارة ، لتكون جائزة السباق مشروب غازي لأولنا بنقود آخرنا ، ثم نتبادل الخطط في كيفية التملص من نزهة إجبارية مع أهلنا في موعدها الثابت من كل يوم جمعة ، لعلنا بذلك نتمكن من إقامة مباراة في كرة القدم مع أولاد الحارة المجاورة ، وما أن تجتمع الحشود وهي تتهيأ لصافرة البداية ، حتى نفر إلى منازلنا بعد أول نداء من أمهاتنا ، كي نساعد آباءنا في نقل متاع الرحلة إلى صندوق السيارة .

وبعد بضع أعوام ، وجدنا أنفسنا نطير مع الإمام إلى سقف قبة المسجد ، وهو يسرد لنا أمجاد تاريخ أمتنا ودولتها العظيمة التي طرقت أوروبا من أوسع أبوابها ، فلم نجد حينها في صدورنا حرجا بعد انقضاء الصلاة من السير برؤوس عالية الجبين ، فقد اتخمتنا الكلمات زهوا وغرورا وكبرياء ، وأصبحنا نعود إلى سور الحارة كالطواويس ، ولا نكترث إلى نداءات أمهاتنا ولو تتابع فيها التهديد والوعيد ، فنحن منذ الآن على موعد مع التاريخ ، وهو ينتظرنا لكتابة أسمائنا بين دفتيه ونحن نحرر فلسطين .

وزاد ميزان العمر بمثقال من أعوام أخر ، وانتصف بنا عمر الشباب إلى أول أرباع القرن ، وكبرنا خلف الإمام بعد تكبيرة الإحرام والقيام ، ونحن على ثقة بالنصر على أعدائنا في العراق ، وخرجنا في جماعة من المسجد نهتف بتراب بغداد ونخيل دجلة والفرات ، وحين وصلنا إلى سور الحارة ، كتبنا على جدرانه عبارات تشتم أمريكا واسرائيل ، وأحرقنا أعلامهما و داست أقدامنا بهما نواصي الشوارع الإسفلتية الثائرة ، ولما سمعنا نداءات أمهاتنا وهي تتوسلنا بالعودة إلى المنزل وتجنب الانزلاق في وديان السياسة السحيقة ، رفضنا الإذعان وطأطأة الرؤوس ، حتى أكملنا تكبيرات العيد ، واحتفل الأعداء بأضحية الرئيس العراقي المخلوع . 

ثم ابتعد بنا العمر في دروب السنين والأيام ، وتعددت المنعطفات التي نسير بها إلى الصلاة ، فتفرقنا بين المساجد ، وعدنا إلى سور الحارة ، ليردد كل منا كلمات الإمام الذي ولاه أمره في التفكير والتدبير ، و شطرنا أنفسنا إلى شيع ومذاهب ما أنزل الله بها من سلطان ، وصافحنا أعداءنا ، وأعلنا الحرب على أنفسنا ، لنصبح في زمن الأخوة الأعداء ، وتتابع نحيب أمهاتنا في جنازات صنعناها بأيدينا في كل يوم جمعة ، فعذرا من عقوقنا لك يا دين الإسلام ...      

هناك 10 تعليقات:

  1. الله ... الله ... الله عليك يا أشرف
    رائع

    ردحذف
    الردود
    1. غير معرف :)

      كلماتكم وتعليقاتكم الرائعة هي دوما زاد الكتابة و الالهام لدينا :)

      كل الود والتقدير

      حذف
  2. ما أكثر أيام الجمعة
    تمتد عبر مراحل العمر كلها
    ربطت المراحل منذ طفولتك إلى شبابك بمحطات
    مختلطة تحمل أفكار أكثر اختلاطا وتشتتا
    بين ماضي بسيط .. ومجد وتارخ
    ثم عار الفرقة الذي يكتنفنا
    و الشيع التي كل يوم تزيد
    وأعيادنا التي شهدت مآتمنا
    و ذلنا

    أشكر غزارة الفكر
    وجمال السرد

    ردحذف
    الردود
    1. زينه :)

      وأنا بدوري أشكر كل حرف وكل كلمة يكون اشتقاقها دوما حروف اسمك وهي تزين كل تدوينة أكتبها :)

      لك مني كل الود والتقدير

      حذف
  3. تسلسل منطقي وواقعي للأحداث!
    زيارتي الأولى وليست الأخيرة بالتأكيد :) بانتظار زيارتك لمدونتي.

    ردحذف
    الردود
    1. مروه :)

      أرحب بك أجمل ترحيب في مدونة أفكار وتساؤلات ... تشرفت وجدا بزيارتك الكريمة لي ... وأهلا وسهلا بك دوما :)

      للتو وقبل كتابتي لهذا التعليق قمت بزيارة خاطفة لمدونتك ولاحظت قلما مميزا يستحق كل التقدير والاحترام ... بالطبع سيكون لي وبكل تأكيد زيارات متتابعة لمدونتك في المستقبل انشالله ولكن اعذريني لعدم تمكني من التعليق على تدوينتك الأخيرة لأنني كتبت رأيي في القضية السورية في شهر آذار الماضي بتدوينة عنوانها (( شامك شامي يا ام الاولاد )) ووعدت نفسي من بعدها أن ألازم الصمت حول هذه القضية بالذات ... فدمشق ليست بالنسبة لي كما يراها السياسيون وجحافلة الإعلام العربي ... إذا سألتي جبل قاسيون سيخبرك ماذا تكون لي دمشق ...

      نزفت ذاكرتي مجددا وخصوصا بعد العبارة التي قالتها لك ابنة خالك ... كان الله في عونهم ...

      لك مني كل التقدير والاحترام

      حذف
  4. دائماً قلمك ينغمس بداخل واقعنا ويكشف لنا عن الكثير من المساؤى.....

    تقبل خالص تقديرى واحترامى
    وبارك الله فيك وأعزك
    وعذراً على الغياب

    ردحذف
    الردود
    1. أستاذي العزيز محمد :)

      كم اشتقت لتواجدك على صفحات مدونتي ... صدقا لا اتكلم عن تلك المساوىء إلا من حرقة على ما يحدث لأمتنا من انقسام وفرقة ومذلة ...

      لا تحرمنا زيارتك الكريمة ... فأنت تعلم كم يسعدني ويشرفني تواجدك هنا :)

      لك مني كل الود والتقدير والاحترام

      حذف
  5. وأنا أيضاً أخى الكريم يسعدنى ويشرفنى التواجد هنا بين أفكارك وتساؤلاتك......

    ردحذف
    الردود
    1. على الرحب والسعة دائما يا أستاذي العزيز :)

      حذف