الجمعة، 4 يناير 2013

طباخة الحب

كنت مثابرا على الدوام في متابعة كل برامج الطبخ منذ عصر القنوات الأرضية الغابر ، حين كانت تطل علينا في القناة الرسمية الأولى ، مذيعة مشتق اسمها الأول من الوفاء ، وينتهي مقطعه الأخير بحرف نداء متصل بكناية لفظية من اسم المحامي الشهير الذي عجز " عادل إمام " عن حفظه في مسرحيته الشهيرة " شاهد ماشفش حاجه " ، بعد أن كانت تستضيف في كل يوم رمضاني قبل موعد الإفطار ببضع ساعات ، طهاة الفنادق بنجومها الخمس ، فيسيل لعابي وتتمادى معدتي في البكاء ، وهي تتمنى تذوق تلك الأطباق الشهية بلحومها الحمراء والبيضاء ، مشوية كانت أم مقلية ، وتغوص حتى آخر نفس بين أطباق الأرز والمعكرونة حتى التخامه ، ثم لتتلاعب بعناقيد المحاشي ومشتقاتها من ورق العنب والكوسا والباذنجان ، وتختمها بمسك الحلويات التي لن تسبب السكري بقليل منها أو حتى كثير ، وعندما تبتسم لي من وراء الشاشة وتعيد تلقين المقادير ، تودعني متمنية لي الصحة والعافية ، وأنا في الواقع لم أتذوق شيئا من كل ما شاهدته عيوني ، بل اكتفيت بالتحديق في المذيعة والطعام ، وخسرت الرهان بعد موعد الإفطار مع أصدقائي الذين اجتهدوا في تفسير شخصية الشاب المقصود من ابتسامة المذيعة التي ذاع صيتها في تلك الحقبة الزمنية المنغلقة على ذاتها بـ " حسناء الشاشة " .

ثم جاء عصر الفضائيات ، وأصبح يسيرا مشاهدة برامج الطبخ على مدار العام دون انتظار شهر رمضان ، ولم يعد لزاما التقيد بمتابعة مطبخ بلد بعينها ، فكبسة زر واحدة ، كانت تكفي لرحلتي بين مطابخ العالم من مشرقها إلى مغربها ، وحسناء الشاشة قديما ، هرمت أمام مذيعات الفضائيات المتفق عالميا على كفاية حضورهن أمام أي مائدة طعام ، لتكون كفيلة بفتح شهية المرء إلى أجل غير مسمى ، ولكن ظل التساؤل قائما ، وغيوم الحيرة لم تبددها شمس التجارب الفعلية بتذوق كل هذه الأطباق المعدة بحرفية ومهارة تزيغ بالأبصار ذهولا وبالمعدة لهفة على قضمها حتى آخر لعقة بالأواني الفاخرة التي تزينها وتبهر كل من يواجهها في حالة جوع أو حتى في حالة شبع . 

أنت يا عزيزتي تشبهين هؤلاء الطباخين تماما ، كل من يراك ينبهر بطريقتك في الحديث عن الحب ، توهمين العشاق بهيئتك الرومانسية ، وقلبك الحساس ، ومشاعرك المرهفة المتداعية بين حروف العشق ، تصورين مشاهد المرأة الأسطورية المنبعثة من بين دفاتر شعر نزاري ولحن كاظمي يجعلك كحلم اجتهد في وصفه جحافلة الأدب الرومانسي ، وتنامين قريرة العين ، حين تحتشد القلوب التي تعاني من مجاعات عاطفية ، لتتذوق معك لحظة حب ، وأنا أعترف اليوم أنك تجيدين طبخ الحب ووضعه في قوالب كلامية فاخرة ، ولكن يظل التساؤل عن مذاقه إن كان شهيا ، أم أن القلب سيلفظه بعد أول قضمة عاطفية ؟ تماما كالطعام الذي كنت أتوق لتذوقه في كل برامج فنون الطبخ التلفازية .

هناك 30 تعليقًا:

  1. عجبنى تشبيهك للحب بأنه يطبخ ويوضع فى قوالب كلاميه تشبيه جديد ومختلف
    اما سؤالك عن مذاق الحب فقد يكون مذاقه شهى يجعلك تلتهمه كاملا ويصبح لديك رغبه فى طلب المزيد وقد يلفظه القلب من اول قطمه كما ذكرت
    بوست رائع استمتعت هنا جدااا

    ردحذف
    الردود
    1. هبه :)

      وأنا استمتعت أكثر بقراءة حروف تعليقك ... يسعدني أن الإدراج قد نال إعجابك :)

      لك مني كل الود

      حذف
  2. حب شعور الحب = إلى متى هذه (الفاجرة) ! :]
    ------
    اعتراضي الوحيد على ورود الأخ/الأخت باذنجان! :نغاشة:

    ردحذف
    الردود
    1. السيد هيثم :)

      أنا زلمه فهمي على قدي ... فلو سمحت تعيد من أول وحبه وحبه يا علام :)

      حذف
    2. أنا مصدقك على كلّ :)

      حذف
  3. بعض وصفات الحب لا تليق علينا ,فالمعدة خالية من تلك التضاريس التي تجعلها تندرج تحتها في مرونة ,ولكن بما أنها ربما تظل عالقة هكذا فنصيحة طبية البعد عنه إذن!

    ردحذف
    الردود
    1. ياسمين :)

      أنا أتفق معك في الابتعاد عن تلك الوصفات التي قد تسبب الكوليسترول العاطفي وتسبب في ارتفاع الضغط والسكري في شرايين القلب :)

      لك مني كل الود

      حذف
  4. صباح الفل اشرف
    ادخلت في هذا الادراج حزوره رمضانيه لتعود بنا الى اجواء رمضان ايام زمان :) فكره عبقريه أهنئك عليها ,
    حيرتني شوي لكن عرفتها:
    إخلاص يخلف
    يالله بدي الجائزه الاولى

    ربطك الحب بالطبخ كمان فكره عبقريه واعجبتني جداً وتستحق عليها الجائزه الاولى مني ,,,

    طلعنا متعادلين :)

    ردحذف
    الردود
    1. شو هو اللي الجائزة الأولى! :سمايلي مكشّر:

      ما كلنا (تقريبًا) عارفين إنها إخلاص يخلف العبادي .. ملكة ملكات الشاشة :)

      حذف
    2. نيسانة التدوين :)

      أنا بالنسبة إلي أخدت جائزتي وزياده ... عودتك لكتابة سلسلة (( ايش طابخين اليوم )) بس يا ريت تكمل معنا الجائزة وتعزمينا عن جد على طبخه من هالطبخات عشان ما يصير فينا زي ما كان يصير فينا أيام التلفزيون :)

      حذف
  5. من ناحية ملكه فهي ...اينعم:) كانت ملكة الشاشه
    بس من ناحية كنت عارف,,, فليش ما تفصحنت وحكيت قبلي...
    غشااااش

    ردحذف
    الردود
    1. الحزيرة -حسب فهمي- كانت لغير الأردميين.. من باب مشاركة الألم ، قصدي الأمل و روائع الطبيخ.. :]

      حذف
  6. (كان لازم أفكر أكثر قبل ما اكتب = "حسب فهمي") !

    ردحذف
    الردود
    1. هيثم :)

      أنا متضامن مع نيسان ... إنت غشيت الجواب :)

      حذف
    2. كل هاظ عشان مقلوبة!

      ما كلها صور يا صاحبي

      و لا شمينا إشي!
      هههههههه

      *هيثم يغمز أشرف آملًا أن تنجح الخطة*

      حذف
    3. أزال المؤلف هذا التعليق.

      حذف
    4. هيثم :)

      رح تنجح يا صاحبي ... انت قول يارب :)

      بس يا خوفي بعد كل هـ التلميحات نصير أنا وياك مقلوبه :)

      حذف