ليس ثمة ما يستدعي الكدر ، فهو لم يسأم بعد من المشي بجانب (( الحيطان )) ، ولم يتوانى عن ترديد الدعوة المتعارف عليها بين أوساط (( مشاة الحيطان )) في سره وعلنه ، أملا بإيجاد مكان (( النافذة المفتوحة )) ، بل إنه ولفرط ولائه وانتمائه ، قرر أن يشطب الصفحة التي تضم الجذر الثلاثي (( ع ص م )) من معجم لسان العرب ، والذي يحتفظ به في مكتبته الإلكترونية ، فهذه الأيام هي أيام الوشاة ، وهو يخاف على سيرته (( الحائطية )) أن تلوث .
لقد كان ولدا مطيعا لتوجيهات والده منذ صغره ، وسلمه الرأس خاليا ، ولم يجرؤ على استرداده إلا بعد اطمئنان والده بأنه قد امتلأ بقصصه وذكرياته (( الحائطية )) ، والتي كانت سببا في مكوثه نصف قرن على الحال ذاته ، ولذلك كان حريصا على أن لا يدخل مركزا أمنيا إلا كشاهد في قضايا هامشية ، أو كمراجع لإتمام معاملات روتينية ، ومع أن ذلك لم يكن سببا كافيا لمعاملته باحترام ، ولكنه مع هذا كان يغادر مطأطأ رأسه وملتصقا بالحائط ، وهو يتشكر الكتف الخالية من النجوم والتيجان ، دون اغفال لحساسية ذكر الألقاب ، والتي كان يعتقد أنها انقرضت من مفردات كلام العرب بعد سقوط عرش ملك مصر (( فاروق )) ، بيد أنه تذكر كلام والده ونصائحه في أهمية لقب (( الباشا والبيك والسيد )) كمرتكزات أساسية في قواعد السلامة العامة للمشي بجانب (( الحيطان )) .
في الجامعة كانت فرصته الذهبية لاكتساب المزيد من المهارات والخبرات في فنون المشي بجانب (( الحيطان )) ، وذلك عندما تم التعارف بينه وبين أساتذته الجامعيين ، المصاب معظمهم بمرض خطير يدعى (( بارانويا )) ، ولقد كان حديث العهد في طرائق التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص ، ولذلك لجأ إلى أعضاء (( الحزب الحائطي )) المتواجدين قبله في ذلك الصرح التعليمي المتميز ، كي يسلمهم حيزا جديدا من رأسه شبه الخالي ، ليحفظ فيه سيرة حائطية أخرى ، تكون له عونا في تعلم حذاقة التلقين والسمع والطاعة العمياء ، لكل كلمة ينطق بها أصحاب الأسماء المسبوقة بحرف (( الدال )) .
وعندما بدأ سيرته العملية ، سلم رأسه لشقيقه الأكبر ، والذي وضع له منهجا (( حائطيا )) مدهشا ، يكون فيه طريق الفلاح والنجاح ، ويضمن له عدم التحليق كالغربان في سماء البطالة ، فيما إذا أغضب مديره المباشر ، إذ أن اندفاع الشباب يتوجب حصره في حراثة العمل المتراكم على مدرائهم دون تذمر ولا شكوى ، ولا بأس أبدا أن يكون الراتب أقل من راتب المدير بعشرين ضعفا ، كحد أدنى للأجور ، فمهام ومسؤوليات المدير والسياسات العامة التي يخطط لها ، تتطلب منه مجهودا خارقا ، وبخاصة عندما تكون في سهرات العمل المصيرية في صالات الملاهي الليلة وحانات الفنادق .
وبعد عقدين من سيرته (( الحائطية )) المذهلة ، وجد أنه مثقل بالديون ، ومطرود من عمله بسبب دخوله المفاجىء لغرفة المدير وهو في خلوة عاطفية مع السكرتيرة ، ويسكن في غرفة على سطح بناء يتجاوز عمره النصف قرن ، ومهدد بالإخلاء مع صدور القوانين التي سترد الظلم عن أصحاب العقارات والأملاك ، وليس لديه حزام يضبط فيه إيقاع رقصات نفقاته المتسارعة كل يوم ، فكيف سيتمكن من المشي بجانب (( الحيطان )) بعد اليوم ؟
هو الآن في أمس الحاجة لشطب كل ماتم تلقينه لرأسه منذ الصغر ، وأن يتمرد على تلك النقوش المحفورة فيه كالحجر ، ولذلك فقد أقسم أن لا يسلم رأسه بعد اليوم لأبطال (( السير الحائطية )) ، وأن لا يجعله بعد اليوم إلا غافيا بين يدي امرأته الأسطورية ، وهي تهمس في أذنه بأنفاس محمومة وملتهبة ، بكلمة تضاهي كل الكلام الذي جهد (( ابن منظور )) بتفسير معانيه في (( لسان العرب )) ، ولذلك فعندما قالت له : (( بحبك )) لم يسألها إن كان من ثمة بقية ستأتي ، فهي الوحيدة التي جعلته يحس بأنه إنسان ، حتى ولو كان ذلك للحظات .
لقد كان ولدا مطيعا لتوجيهات والده منذ صغره ، وسلمه الرأس خاليا ، ولم يجرؤ على استرداده إلا بعد اطمئنان والده بأنه قد امتلأ بقصصه وذكرياته (( الحائطية )) ، والتي كانت سببا في مكوثه نصف قرن على الحال ذاته ، ولذلك كان حريصا على أن لا يدخل مركزا أمنيا إلا كشاهد في قضايا هامشية ، أو كمراجع لإتمام معاملات روتينية ، ومع أن ذلك لم يكن سببا كافيا لمعاملته باحترام ، ولكنه مع هذا كان يغادر مطأطأ رأسه وملتصقا بالحائط ، وهو يتشكر الكتف الخالية من النجوم والتيجان ، دون اغفال لحساسية ذكر الألقاب ، والتي كان يعتقد أنها انقرضت من مفردات كلام العرب بعد سقوط عرش ملك مصر (( فاروق )) ، بيد أنه تذكر كلام والده ونصائحه في أهمية لقب (( الباشا والبيك والسيد )) كمرتكزات أساسية في قواعد السلامة العامة للمشي بجانب (( الحيطان )) .
في الجامعة كانت فرصته الذهبية لاكتساب المزيد من المهارات والخبرات في فنون المشي بجانب (( الحيطان )) ، وذلك عندما تم التعارف بينه وبين أساتذته الجامعيين ، المصاب معظمهم بمرض خطير يدعى (( بارانويا )) ، ولقد كان حديث العهد في طرائق التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص ، ولذلك لجأ إلى أعضاء (( الحزب الحائطي )) المتواجدين قبله في ذلك الصرح التعليمي المتميز ، كي يسلمهم حيزا جديدا من رأسه شبه الخالي ، ليحفظ فيه سيرة حائطية أخرى ، تكون له عونا في تعلم حذاقة التلقين والسمع والطاعة العمياء ، لكل كلمة ينطق بها أصحاب الأسماء المسبوقة بحرف (( الدال )) .
وعندما بدأ سيرته العملية ، سلم رأسه لشقيقه الأكبر ، والذي وضع له منهجا (( حائطيا )) مدهشا ، يكون فيه طريق الفلاح والنجاح ، ويضمن له عدم التحليق كالغربان في سماء البطالة ، فيما إذا أغضب مديره المباشر ، إذ أن اندفاع الشباب يتوجب حصره في حراثة العمل المتراكم على مدرائهم دون تذمر ولا شكوى ، ولا بأس أبدا أن يكون الراتب أقل من راتب المدير بعشرين ضعفا ، كحد أدنى للأجور ، فمهام ومسؤوليات المدير والسياسات العامة التي يخطط لها ، تتطلب منه مجهودا خارقا ، وبخاصة عندما تكون في سهرات العمل المصيرية في صالات الملاهي الليلة وحانات الفنادق .
وبعد عقدين من سيرته (( الحائطية )) المذهلة ، وجد أنه مثقل بالديون ، ومطرود من عمله بسبب دخوله المفاجىء لغرفة المدير وهو في خلوة عاطفية مع السكرتيرة ، ويسكن في غرفة على سطح بناء يتجاوز عمره النصف قرن ، ومهدد بالإخلاء مع صدور القوانين التي سترد الظلم عن أصحاب العقارات والأملاك ، وليس لديه حزام يضبط فيه إيقاع رقصات نفقاته المتسارعة كل يوم ، فكيف سيتمكن من المشي بجانب (( الحيطان )) بعد اليوم ؟
هو الآن في أمس الحاجة لشطب كل ماتم تلقينه لرأسه منذ الصغر ، وأن يتمرد على تلك النقوش المحفورة فيه كالحجر ، ولذلك فقد أقسم أن لا يسلم رأسه بعد اليوم لأبطال (( السير الحائطية )) ، وأن لا يجعله بعد اليوم إلا غافيا بين يدي امرأته الأسطورية ، وهي تهمس في أذنه بأنفاس محمومة وملتهبة ، بكلمة تضاهي كل الكلام الذي جهد (( ابن منظور )) بتفسير معانيه في (( لسان العرب )) ، ولذلك فعندما قالت له : (( بحبك )) لم يسألها إن كان من ثمة بقية ستأتي ، فهي الوحيدة التي جعلته يحس بأنه إنسان ، حتى ولو كان ذلك للحظات .
ردحذفالسلام عليكم
الله.. الله.. الله..
جميلة أخي أشرف.. وتطرق على نموذج مهم ومتواجد بوفرة غير طبيعية في أوطاننا.. بالتأكيد الثورات الحالية قلصت العدد كثيرا.. لكنه للأسف ما زال موجودا..!!
كالعادة أحسدك (أقصد أغبطك :)) على تعبراتك المبتكرة..
دمتَ مبدعا أخي الكريم..
ليس فقط هو بأمس الحاجة لذلك يا أشرف.. كلنا بحاجة لذلك و فضلا ً كلنا بحاجة لبعضنا أن يفعل ذلك!
ردحذفأخى الفاضل: أ/ أشرف
ردحذفالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أراك جراحاً ماهراً يمسك بمشرطه بثبات واقتدار ويمارس هوايته التى برع فيها واتقن الولوج إلى أعماقها كاشفاً عن مواطن الداء واستئصال كل الأوجاع بحنكة وبراعة دون أن يسبب أية آلام أو يترك وراءه جراح .
تقديرى واحترامى
بارك الله فيك وأعزك
السيره الحائطيه= السيره العربيه(في السنوات الماضيه)
ردحذفتعبير جديد غريب لكنه أصدق و أروع تعبير عن حالنا كعرب منذ سنوات عديده اسمحلي أن أكتب لك جزء من قصيدة جحا لهشام الجخ شاعري المفضل
علمونا بالعصاية
ورضعونا الخوف رضاعة
علمونا فى المدارس
يعنى ايه كلمة قيام
علمونا نخاف من الناظر
...فيتمنع الكلام
علمونا ازاى نخاف
وازاى نكش
بس نسيوا يعلمونا الاحترام
فمتزعلوش
لما ابقى مش باسمع كلامكم
وماتزعلوش لما ابقى خارج عن النظام
تعزف على نفس أوتار كلماتك
تحياتي الخالصه لك
و دمت بخير و سعاده و متميز كعادتك :)
السلام عليكم يا عفريت الكلمة
ردحذفكلما توغلت في غابات الفاظك اجدك تبدع اكثر وتتفنن في تقريب موضوع ممتنع الى عقولنا وقلوبنا
فكل ما تخطه يداك له نواذ كثيرة تطل على جميعالمنااظر
تحاتي فعلا لقلمك
اعتقد ان هذا الرأس قد فات عليه الاوان لكي يعود فارغا و يقوم باعادة تخطيط منهجه!
ردحذفأبدعت استاذي!
عجبتني التسمية
ردحذفابطال السيرة الحائطية
لازم تنسب الك و يكون الك حقوق فيها
تحية اشرف مبدع كالعادة
jafra78
أستاذي العزيز ماجد القاضي
ردحذفوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... دوما شهادتك فيما أكتب لها مكانة غالية وجدا ... إن ذلك النموذج هو من النماذج الذائعة الصيت في أوطاننا ولكن آن الأوان لكسر كل الجدران لعلنا نرى الشمس التي تحترم الإنسان .
تعبيراتي ما كانت لتكون مبتكره لولا ثقتكم ودعمكم الغالي لمدونتي :)
لك مني كل التقدير والاحترام
هيثم
ردحذفنعم يا صديقي لابد من عمل (( فورمات سريع )) لما علق في رؤوسنا من خنوع واستسلام وانهزام وتشبث بتلك الجدران التي ما زادتنا إلا ذلا وهوانا .
لك مني كل التقدير والاحترام
أستاذي العزيز محمد الجرايحي
ردحذفوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... كم اسعدتني بذلك الوصف وشرفتني به حقا ... إذن أفهم من كلامك أنني أحظى بلقب جديد (( طبيب الكلام الجراح )) :)
لك مني كل التقدير والاحترام
فراشة التدوين
ردحذفلخصت فكرة الادراج بهذا السطر الرائع فعلا :
" السيره الحائطيه= السيره العربيه(في السنوات الماضيه) "
أشكرك وجدا على مشاركتنا بأبيات هذا الشاعر الرائع والتي تنطق تماما بكل ما خالجني من أحاسيس وأنا أكتب سطور هذا الادراج :)
دمت لنا أيضا يا فراشة التدوين محلقة في سماء الابداع والتميز :)
لك مني كل التقدير والاحترام
شهرزاد التدوين
ردحذفوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... بين تلك الغابات يوجد قصر تقطن فيه سلطانة الكلمات والحكايا ... أتسلل بالقرب من جدرانه واسترق السمع لكل ابداعاتها ولكنني أخشى الولوج مقتربا أكثر كي أتسلق تلك الجدران وأرى نور كلماتها فأمثالي باتوا من فرط الخوف كالخفافيش لا يتمكنون من الحراك إلا في الظلام :)
دمتي سلطانة الكلمات والابداعات يا شهرزاد التدوين
طبيبنا الحكيم
ردحذفلابد لعقولنا أن تولد من جديد وتطهر كل ماحاول الآخرون تثبيته فيها على مر السنين ... فنحن الآن لابد أن نكون أو لا نكون ...
لك مني كل التقدير والاحترام
جفرا
ردحذفاشتقنالك :)
بما أن التسمية قد أعجبتك فهذا وبكل تأكيد يرفع من قيمة أسهمها في بورصة التدوين ... إذ أن كلماتك المتميزة والجميلة لها دوما مكانة مرموقة بين كبرى القطاعات التدوينية في تلك البورصه :)
لك مني كل التقدير والاحترام
يعني بالاخر برضه قرر يسلم راسه :)
ردحذف"حط راسك بين الروس و قول يا قطاعين الروس"
و امشي الحيط للحيط و قول يا رب الستر
اقوال من المبادى اللي مشي عليها صديقنا بطل هالبوست
الكل تفنن بتعبايته بامور ثبت فشلها في ماضيهم و لكن راح يضلو يجربو نفس الطريقه لان التغيير ضد مبادئهم اكيد و التطوير عدو لدود الهم
و هو بدوره بس يظهر الجيل الجديد في حياته راح يمارس نفس الاسلوب....
طول عمرها السلبيه مريحه بالحياه و امثال صديقنا صعب جدا يتغيرو مدام ما ثارو على واقعهم من الاول
ويسبر
ردحذففي البداية ولو إنها متأخره شويه (( كل سنه وانت سالمه يا رب )) :)
بالفعل الأقوال التي ذكرتها هي من المبادىء الأساسية التي نشأ عليها أبطال السير الحائطية .
ولكن يبقى الأمل بالتغيير ممكنا عندما يبدأ المرء بشطب كل ما ظل عالقا في تفكيره من نظريات الحيطان التي لم تسمن ولم تغني من جوع في مشوار حياته .
كل الود لحضورك