الجمعة، 2 يوليو 2010

شهريار وجحا


قبل عدة أيام شاهدت فيلما مصريا بعنوان (( زي النهارده )) تدور أحداثه حول فتاة لاتكتمل فرحتها في الزواج من الشخص الذي أحبته بسبب وفاته ، وبعد ذلك تبدأ حياتها من جديد وتتعرف على شخص آخر يعرض عليها الزواج ولكنها كانت تلاحظ أمرا غريبا في أن الأحداث التي حصلت مع الشخص الأول تتكرر و بشكل مطابق جدا للأحداث التي تحصل مع الشخص الثاني فتصبح في حالة فزع وخوف شديدين أن تتكرر المأساة من جديد ويموت هذا الشخص أيضا .

لا أريد الخوض في أحداث الفيلم بالتفصيل ولكن ما أود التوقف عنده هو ذلك المشهد الذي تذهب فيه بطلة الفيلم لمقابلة أستاذ جامعي يشرح لها من خلال بعض الأمثلة التاريخية أن بعض الشخصيات تتكرر عبر الزمن وتحمل نفس الأفكار وتكون غالبا نهايتها بنفس الطريقة ومن تلك الشخصيات الشهيرة التي ذكرها (( نابليون وهتلر )) واللذان كانا يحلمان باحتلال العالم ولكنهما انهزما في نفس المكان وهو روسيا وكانت نهايتهما واحده وهي الانتحار ، وكذلك التشابه الغريب بين الرئيسان الامريكيان (( لينكون وكنيدي )) حيث يفصل بينهما في تاريخ تسلم الرئاسة الامريكية مائة عام حيث تم انتخاب لينكون في عام (( 1860 )) بينما تم انتخاب كيندي في عام (( 1960 )) ، كلاهما تورط بأمور عنصرية ضد الأمريكان الأفارقة وكلاهما أعلن رغبة في إحلال السلام بالعالم وكلاهما قتل في يوم جمعه وبرصاص من الخلف و في مكان عام كان يحمل نفس الإسم حيث مات (( لينكون )) في مسرح يدعى (( فورد )) أما (( كيندي)) فقتل أثناء تواجده في سيارة من نوع (( فورد )) .

هذا التشابه بين الشخصيات في الأفكار والمعتقدات وحتى في النهايات المشتركة التي تجمعها ليس موجودا في الغرب فقط بل هو موجود في عالمنا العربي أيضا ولكني في هذا الإدراج سأعرض أمثلة تتعلق بشخصيات من عالم الرجال والتي لا تزال تتكرر على الرغم من اختلاف الزمن ومضي القرون والأيام ولكنها حتما موجودة ولكن اختلفت فيها الأسماء فقط .

الشخصية الأولى (( الملك شهريار )) والذي بعد اكتشافه لخيانة زوجته وقتله لها قرر أن يتزوج في كل ليلة فتاة من مدينته ويقطع رأسها في الصباح انتقاما من كل النساء ، هذه الشخصية والتي قد يقول البعض أنها خيالية ولم تكن موجودة في ذلك الزمان تفرض نفسها وبقوة في عصرنا الحديث بين العديد من أنماط الرجال الذين إذا تعرضوا لموقف خيانة من امرأة ما ، يطلقون الحكم على أن جميع النساء كذلك ويبدأون بأذيتهم دون أي وجه حق من خلال التلاعب بمشاعرهم وأحاسيسهم و من ثم إذلالهن وبكل قسوة لإشباع تلك الرغبة المريضة في الانتقام من صورة تلك المرأة الخائنة .

الشخصية الثانية (( الشاعر عمر بن أبي ربيعه )) والذي كان شديد الاعجاب بنفسه حيث كان دائما يصور في أشعاره على أنه معشوق النساء وليس عاشقهن فيتهافتن عليه ويتنافسن في طلبه ، وبالطبع هذه الشخصية أيضا متواجدة وبقوة في مجتمعنا وكم صادفت في حياتي من تلك الأنماط التي ينحصر حديثها وبشكل دائم باستعراض البطولات في عشق النساء وهيامهن من أول نظرة من عيون تلك الشخصية الاستثنائية والتي أينما وطأت تكون محط أنظار النساء .

الشخصية الثالثة (( كليب بن ربيعة التغلبي )) والذي بعد أن اختاره قومه ليصبح ملكا عليهم أصبح مغرورا جدا بنفسه واعتقد أنه ليس له مثيل في الدنيا بالفروسية والشجاعة وأن قومه بدونه ليس لهم أي عز ولاكرامه وهذا الزهو الشديد بنفسه تحول إلى ظلم وجور وغطرسة على كل من حوله حتى كانت نهايته القتل على يدي شقيق زوجته ، بالتأكيد هذه الشخصية من الشخصيات الشائعة جدا في مجتمعاتنا وتتكرر بشكل دائم ، فمثلا بعض الاشخاص إذا تولى منصبا ما يصبح تماما (( ككليب )) شديد الغرور والإعجاب بنفسه ولايتورع عن أذية أقرب الناس إليه إذا حاول أحدهم التقليل من شأنه أو نقده في أي أمر من الأمور ، تماما كما فعلت (( جليله زوجة كليب )) عندما مدحت شقيقها (( جساس )) أمام زوجها .

الشخصية الرابعة (( الحجاج بن يوسف الثقفي )) تلك الشخصية الجدلية التي جمعت بين الجبروت والظلم وسفك الدماء وبين كثرة تلاوة القرآن وتجنب المحارم ولكن ما أود التوقف عنده في شخصية (( الحجاج )) هي العلاقة الغريبة والعجيبة التي كانت بينه وبين أهل العراق فقد أصبح واليا عليهم على الرغم من مشاعر الكره المتبادل بين الطرفين والتي لم يكن هنالك من سبيل للخلاص منها إلا بموت أحد الطرفين وبالطبع فإن هذه العلاقة وتلك الشخصية لاتزال تتكرر في كل يوم وفي كثير من الأماكن في مجتمعنا ، فمثلا في الشركات تجد دائما أنه عندما يصبح مكان رئيس أحد أقسامها شاغرا وتكون هنالك رغبة في ترشيح شخص من داخل الشركة لذلك المنصب يتم الاختيار بناء على تلك القاعدة وهي أن يكون أكثر شخص مكروه بينهم هو الرئيس عليهم وهكذا ترتبط العلاقات بين الرؤساء والمروؤسين في الوطن العربي من خلال قاعدة علاقة (( الحجاج بأهل العراق )) .

الشخصية الأخيرة التي أود ذكرها هي شخصية (( جحا )) والذي لم يكن مجنونا أو أحمقا أبدا بل على العكس كان شديد الذكاء لأنه تظاهر بالغباء والغفلة لكي يتمكن من عرض آرائه الناقدة والساخرة والناقمة على الظلم والجور الذي كان يحدث في زمانه بحرية تامة ودون أن يتعرض للأذى ، وأعتقد أن (( جحا )) أصبح يفرض نفسه بقوة في مجتمعاتنا العربية في هذا الزمان ، فالذي يود الاعتراض على أمر ما يتوجب أن يكون (( كجحا )) حتى لايتعرض للأذية ، أما من يود أن يكون عاقلا فعليه أن يرفع دائما شعارا واحدا هو (( السمع والطاعة )) وهذه هي الديمقراطية التي تصلح فقط في عالمنا العربي ولذلك عندما حاول أحدهم ممازحة (( جحا )) قائلا له أننا عرفنا حمارك ولم نعرفك رد عليه (( جحا )) قائلا : هذا أمر طبيعي لأن الحمير تعرف بعضها ، ولا زلت أسأل نفسي لهذه اللحظة من كان الحمار ؟ هل هو جحا ؟ أم ذلك الشخص ؟

هناك 14 تعليقًا:

  1. حلوه الامثله ولاحلى الفكره...الفكره مبتكره وبتفتح لنفس ان الواحد يقرأ ويبحث عن هيك نماذج متشابهه...الله يفتح عليك ابواب علمه يا اشرف
    بالنسبه لجحا....كتير مرات بتمنى اكون متله لانه بتبقى طول عمرك عاقل وعلى رأيك مؤدي فروض الولاء والطاعه واول ما تقصر شوي بتنقلب كل الناس ضدك ...أما اللي بايعها زي جحا...فالعتب عنه مرفوع ايش ما قال وايش ما عمل
    مساء الفل اشرف

    ردحذف
  2. مساء الخير أشرف


    جميلة جدا النماذج اللي ذكرتها, ومعلومات جديده و مفيده اول مره بعرفها عن بعض الشخصيات

    شخصية الحجاج كتير بتستوقفني, وجد مش عارفه احدد هل كان شخص سيء او لأ!!!

    شخصيه جحا متواجده حوالينا و بكثرة هالايام, ولكن في ناس اللؤم زياده عندهم


    انا حضرت الفيلم وبعرف ان الفيلم مش اساس الادراج بس بدي احكي اني حبيت الفيلم كتير وخصوصا انه ظهر في فترة الافلام الغبية اللي ما بتهدف ولا لشي غير للوقاحه و قلة الادب

    ردحذف
  3. اكثر ما بيعجبني فيك يا اشرف هي الصراحة التامة، عندك الاستعداد تنتقد ابناء جنسك بكل صراحة وموضوعية ودون محاباة وتعصب لجنس الرجال. عجبتني جدا الامثلة الشبيهة بشهريار وعمر بن ابي ربيعة، الحمدلله كثير كثير عنا من هالاشكال.
    وشخصية الحجاج صحيح مية بالمة دايما الرئاسة بايد اكثر شخص مكروه من المرؤوسين، ليش يا ترى؟ أكيد مقصودة!
    فكرة جميلة، تسلم ايديك

    ردحذف
  4. يسعد مساكي نيسان

    سعيد جدا بأن الفكرة والأمثلة التي تم ذكرها قد نالت إعجاب نيسانة المدونين فهذا شرف كبير جدا :)

    جحا يمثل الشخصية الوحيدة القادرة في هذا الزمان على الاعتراض في وقت ليس لأحد فيه أدنى حق من الاعتراض ولذلك من أراد قول كلمة (( لا )) يتوجب أن يتقمص شخصية جحا في البداية :)

    كل الود

    ردحذف
  5. يسعد مساكي ويسبر

    بما أن الامثلة التي ذكرت في الادراج والمعلومات التي تتعلق بها نالت إعجابك أنت أيضا يا ويسبر فهذا يعني أنني حصلت على شهادتين كبيرتين أعتز بهما كثيرا :)

    الحجاج هو فعلا شخصية جدلية ومن الصعب فعلا تحديد ما إن كان شخصا سيئا أم لا فهو أيضا له العديد من المواقف التي كانت في صالح توحيد الخلافة الاسلامية في ذلك الوقت .

    أما جحا فهو فعلا كماقلتي يتم استغلال شخصيته في بعض الاحيان ولكن بطريقة مؤذية للآخرين وليس لغاية نقد الخطأ فقط .

    الفيلم فعلا يحمل قصة جديدة ومشوقة أتفق معك تماما على ذلك .

    كل الود

    ردحذف
  6. مرحبا آنسه كياله

    بالتأكيد أنا محظوظ جدا في هذا الادراج بما أن هنالك شهادة أخرى أعتز بها كثيرا تأتي منك أنت :)

    في الواقع عندما بدأت التدوين رفعت شعارا واحدا وهو الموضوعية المطلقة في أي فكرة أود طرحها حتى لو كان ذلك على حساب نقد نفسي :)

    هذه الشخصيات ستتكرر كثيرا في مجتمعاتنا طالما أن العقول العربية ترفض الانعتاق من سجن أفكارها ومعتقداتها التي أكل الزمن عليها وشرب .

    كل الود

    ردحذف
  7. :(
    وين راح تعليقي ؟؟؟؟

    طبعا الفيلم حلو كتير و اظن اني شفت شبيه بالفكرة بفيلم اجنبي من زمان
    بس بالفكرة اما الاحداث و غيروا ما كانت متشابهة

    على العموم الشخصية الغالبة في زمنا هلا جحا الكل عم يستهبل و بلاش الكل يعني الاغلبية عم تسوق الاستهبال لانو مريح
    و معبر و ما حدا رح يحاسب عليه
    التدوينة حلوة و غنية

    ردحذف
  8. أهلا وسهلا جفرا

    أرجو أن تتقبلي إعتذاري الشديد عن أي خطأ حصل في الموقع وأدى إلى عدم ظهور تعليقك في البداية ولكن على مايبدو أن المدير التقني الجديد للموقع كجحا يدعي الغباء وأنه ليس له علاقه بما حصل وبما أنه مرفوع عنه القلم فأرجو أن تسامحيه :)

    الافلام العربية بدأت وبشكل ملاحظ باقتباس أفكار بعض الافلام الاجنبية وهذه نقطة أتفق معك عليها كثيرا :)

    ومثلما قلتي فقد أصبحت شخصية جحا هي الشخصية التي يحاول الكثيرون تقمصها للتعبير عن آرائهم بحرية دون التعرض للأذى .

    سعيد جدا أن التدوينة نالت إعجابك :)

    نهارك سعيد

    ردحذف
  9. أمثلة جميلة و معبّرة جدا ً يا أشرف، شكرا ً لك، جزيلا ً :)

    بدي أطلب منك تعطينا update عن الوزارات و المؤسسات العامة اللي بالبيت عندك! (و اللا العائلة الكريمة عادت؟)
    العيلة عندي مسافرين كمان 16 يوم! :( .... بدّي نصائح و تقنيات للصبر و ..... الأكل ;)

    ردحذف
  10. أهلا وسهلا هيثم

    عائلتي راجعه انشالله يوم الاربعاء :)

    وبما إنو نحن السابقون وانتم اللاحقون فنصائحي لك يا عزيزي هي :

    - إلغي وجبات الاكل في البيت عشان ترتاح قدر الامكان من الجلي :)

    - بالنسبة للغسيل بصراحه ماوفت معي بعد أول اسبوع وصرت ابعت الاواعي على الدراي كلين :)

    - شوف تنظيف الغبرة شر لابد منو بس لو عملت تنفيض اسبوعي مو مشكله :)

    - أما مسح الارضيات فأنا عندي في الحاره خبير باكستاني قام بالواجب وزياده وبنصحك تدور على واحد على البدري :)

    أتمنى لك يا صديقي أيام عزوبيه سعيده وانشالله العيلة الكريمة تروح وترجع بالسلامه ويكون راضيين تماما عن أداء الحكومة المؤقته :)

    كل الود

    ردحذف
  11. هاد نوع من تقاطع الشخصيات اللي حكيت عنه قبل فترة
    انه في شخص اكبر من ب 3 سنين
    احداث صارت معي صارت معه والفرق بس 3 سنين
    واشياء لا تصدق
    ارقام متشابها بحذافيرها
    لهيك تأكدت من انه العشوائية بهالعالم ما هي الا نوع من النظام والتكرارات غير المفهومة .. ومافي شي اسمه صدفة

    ردحذف
  12. أهلا وسهلا أحمد

    أتفق معك تماما فهنالك فعلا تقاطع غريب يحدث بين الشخصيات بمراحل زمنية مختلفة وهذا يؤكد أن الصدفة مصطلح مستخدم فقط ولكن الواقع هو بخلاف ذلك .

    نهارك سعيد

    ردحذف
  13. إدراج رائع كالعاده..
    وشكرا كتير عالمعلومات.. أنا كتير بسمع بقصص ألف ليله وليله بس ما كنت أعرف الشبب إنو ليش بقتلهم :)

    عجبتني فكرة:
    "أكثر شخص مكروه بينهم هو الرئيس عليهم"

    ردحذف
  14. أهلا وسهلا رولا

    سعيد جدا أن الإدراج قد نال إعجابك :)

    وصدقا أنا أعتبر هذا الادراج بأفكاره ومعلوماته قد نال الحظ الوفير ولكن اعتقد أن حظه اكتمل تماما بعد قدوم شهادة استثنائية منك يا رولا فأشكرك وجدا وأتمنى دائما أن تجدي في إدراجاتي ما يعجبك :)

    كل الود

    ردحذف