الأربعاء، 5 مايو 2010

الغيرة جنون أم فنون

للغيرة أبواب عديدة تحيط أسوار العلاقات الإنسانية المتشعبة والمعقدة التفاصيل ، ولكن أعتقد أن البوابة الرئيسة للغيرة هي في جانب العلاقات القائمة بين الرجل والمرأة .

في الواقع عندما قررت الكتابة في هذا الموضوع وجدت نفسي مطاردا بمجموعة من التساؤلات المحيرة والتي يمكن تلخيصها بما يلي :

هل الغيرة عند الرجال أكثر وضوحا من الغيرة عند النساء ؟

هل يشعر الرجل بالسعادة والغبطة إذا لاحظ غيرة المرأة عليه ؟

هل المرأة تحب غيرة الرجل عليها أم أن تلك الغيرة تتسبب في تقييد حريتها وتمنعها من التصرف على سجيتها ؟

هل هنالك ثمة علاقة مابين الغيرة والشك ؟

أم أن الغيرة ترتبط بقضية الثقة بالنفس ؟

هل حقا الغيرة سكر الحب أم هي ملحه ؟

بهذه التساؤلات صدقا لا أعرف من أين أبدأ ولكن سأحاول أن أتناول وجهة نظر الطرفين من خلال مشاهداتي المتراكمة والتي ليست بالضرورة أن تكون قابلة للتعميم على المجتمع ككل .

المشهد الأول :

في سن المراهقة نجد في معظم البيوت صراعات ومشاجرات عنيفة بين الأخ وأخته وبخاصة إذا كان هنالك تقارب في العمر بينهما ، فإذا رن هاتف الأخت في المساء تجد الأخ وقد هاج وماج وبدأت عنده حالة الاستنفار القصوى التي لا تتوقف إلا عندما يطمئن ويتأكد بنفسه أن من يكلم شقيقته هو صوت أنثوي ، وكذلك إذا تأخرت أخته عن الحضور إلى المنزل في موعدها المعتاد بعد انتهاء الدوام المدرسي ولو لخمسة دقائق فقط تجده قد بدأ بإجراء تحقيق مطول لاينتهي لساعات عن سبب ذلك التأخير ، أما إذا أرادت أخته الخروج في نزهة مع صديقاتها فقد يخرج لمراقبتها دون علمها في حال فشله في إقناع والديه بعدم السماح لها بالخروج ، أيضا قد يضع برامج مراقبة على حاسوب أخته لمعرفة كافة تحركاتها على الشبكة العنكبوتية ، في الواقع بعد دراسة كل الظروف المحيطة بذلك الشاب تبين أنه على علاقة عاطفية بإحدى صديقات أخته .

المشهد الثاني :

رجل لديه مشكلة خلقية في وجهه وتزوج بامرأة وهبها الله تعالى جمالا تروى فيه الحكايا ، كان يحبها حبا شديدا ولايرفض لها طلبا مهما كان صغيرا أو كبيرا ، وكان يعاملها بكل رقة وحنان وحسن معاشرة تضرب بها الأمثال و تكاد تكون أقرب إلى المثالية في هذا الزمان ، ولكن مع كل هذه الإيجابيات فقد كان لديه شرط يجبرها على الالتزام به وهو عدم السماح لها بالخروج من المنزل لأي سبب كان ، فجواز سفرها صالح للذهاب فقط إلى بيت أهله أو أهلها وبالتأكيد ( رجلها على رجلو) شريطة أن يتواجد في أثناء تلك الزيارة والديه أو والديها فقط وقد يسمح بتواجد شقيقاتها أو شقيقاته ولكن دون وجود أزواجهن بالتأكيد .

المشهد الثالث :

رجل فرضت عليه ظروف الحياة أن يتشارك في المكتب الذي يعمل به مع أربعة نساء ، أما زوجته فهي ربة منزل مثالية وبكل المقاييس ، ولكن لديها طقوس يومية لابد من عملها تتلخص في الاتصال بزوجها على مكان عمله بين الدقيقة والأخرى لمعرفة ماذا يفعل ، تفقد سجل هاتفه الجوال طوال فترة تواجده في المنزل من بريد الرسائل المرسلة والواردة والمكالمات الصادرة والمستلمة وحتى المكالمات التي لم يتم الرد عليها ، ترفض السماح له بالذهاب إلى أية مناسبات إجتماعية إذا كانت مرتبطة بزملائه في العمل ، وإذا حاول التمرد أو عصيان الأوامر تحزم حقائبها فورا وتذهب إلى بيت أهلها .

المشهد الرابع : ( اقتباس من حكاية شائعة )

زوجة كانت على فراش الموت فأوصت زوجها بأن لايتزوج من بعدها حتى تجف حجارة قبرها ، و بعد وفاتها بأسبوع ذهب الرجل إلى زيارة القبر فوجد أنه لا يزال رطبا ، واستمر على هذه الحال لمدة شهر كامل والقبر لايزال رطبا لاتجف حجارته ، وفي يوم من الأيام بعدما فقد الرجل الأمل في أن تجف حجارة القبر ، قرر الذهاب إلى هناك ليعتذر من زوجته ويخبرها أنه لن يتزوج من بعدها وبمجرد وصوله إلى هناك وجد شقيق زوجته يمسك بإبريق ماء ويسقي حجارة القبر وعندما سأله عن سبب فعله لذلك ، أخبره أن شقيقته قد أوصته قبل وفاتها بأن يواظب على سقاية حجارة القبر معللة ذلك برغبتها في الحفاظ على وعدها مع زوجها بأن يشاهد قبرها دائما كما يحب (( رطبا ونديا )) .

هناك 12 تعليقًا:

  1. و الله يا أشرف إنت دخّلتنا بمنطقة "صعبة" و وكر دبابير :)
    أظن مسألة الغيرة من المسائل التي تعصف ببيوت و علاقات إذا زادت عن حدّها، المشكلة في تحديد/تقنين حدّ الغيرة.
    و أيضا ً أظنّ أنّ الغيرة مسألة يجب أن تُأخذ على أساس (كل موقف على حدة)لأن ظروف كل موقف مختلفة و التعميمات و/أو المقارنات لا تفيد في إيجاد حلول.

    ردحذف
  2. كلامك ماخلالي اشي أحكيه.. كفيت ووفيت..
    أنا كتير بكرة الغيره.. النوع الغير مبرر ولي بقلب بالأخر لحالة جنون..

    ردحذف
  3. مساء الخير أشرف
    يذكرني إدراجك بأكثر من موضوع، فذات يوم قرأت في إحدى الصحف، خبر مفاده أن البنات في أوكرانيا أو كرواتيا، لا أذكر بالتحديد، أنهن يتفاخرن فيما بينهن بالعلامات التي تركتها صفعات أصدقائهن من الذكور، في إحد مظاهر التفاخر على أن أصدقائهم من الذكور يغارون عليهن!! ، ويذكرني أيضا في أغنية الفنانة "وردة الجزائرية" جرب نار الغيرة، والتي تحرفت فيما بعد إلى جرب طعم البيرة!!
    كل شيء أشرف باعتدال مقبول، فقليل من الغيرة شيء جميل، على أن لا تتحول تلك الغيرة إلى مرض عضال، فلتكن الغيرة دفء حنون وليست (نار) حارقة كما غنت "وردة"
    كل الود

    ردحذف
  4. مساء الخير أشرف

    اي شي بالحياه الوسط هو افضل حلوله, والغيره بنطبق عليها هالشي

    في غيره منطقيه, لازم يكون مرافقها ثقه متبادله و ثقه بالنفس.
    والغيره اللي بتخرّب البيوت هي الجنون بحد ذاته...

    ردحذف
  5. أهلا وسهلا أخي هيثم

    الحديث عن الغيرة فعلا كالدخول في وكر دبابير :)

    أتفق معك تماما أن الغيرة من المسائل التي تعصف بالعديد من البيوت وتهدد سلامة العلاقات الآمنة إذا زادت عن حدها .

    وبالتأكيد فإن المواقف تختلف وهذا يؤدي إلى صعوبة في إيجاد تعميمات أو مقارنات والتي في النهاية قد لاتساهم في إيجاد حلول منطقية .

    نهارك سعيد

    ردحذف
  6. أهلا وسهلا رلا

    في الواقع قلت كلمة جوهرية (الغيرة غير المبررة ) وبصراحه أعتقد أن أغلب المشاكل التي تتسبب بها الغيرة تكون من ذلك النوع غير المبرر والذي تكون نتيجته وبكل أسف إما إنهيار العلاقة أو الجنون .

    نهارك سعيد

    ردحذف
  7. مرحبا بالحكيم الساخر نادر

    يعني ذكرت صورتين هما فعلا تمثلان النقيض تماما لوجود الغيرة أو انعدامها ، فكثير من فتيات الغرب يمنين النفس ( بحبة غيرة ) من رجالهن وفي الشرق غيرة بلا حدود تمثل سجنا للفتيات يصعب التحرر منه ولذلك فالاعتدال فعلا مطلوب لتكون الغيرة كما قلت دفء حنون وليس نار حارقةعلى رأي وردة الجزائرية .

    نهارك سعيد

    ردحذف
  8. أهلا وسهلا ويسبر

    بالتأكيد الوسطية مطلوبة في كل جوانب الحياة ونواحيها وليست الغيرة إلا إحدى تلك الجوانب .

    وكما قلت فإن الغيرة تكون في أبهى صورها إذا رافقتها الثقة المتبادلة من جانب والثقة بالنفس من الجانب الآخر وهذا هو عين الحكمة في التخطيط السليم لعلاقات طويلة الأمد لاتهزها أية رياح أو تحرقها أية نيران غيرة عمياء وبخلاف ذلك فهي تصبح الغيرة المجنونة التي حتما ستؤدي إلى خراب البيوت .

    نهارك سعيد

    ردحذف
  9. صباح الخير اشرف...

    كيفك ؟

    الغيره عندنا يسموها مرات حريقه ههههه
    وهيا فعلا حقيقه تصير حريقه لو تجاوزت حد المعقول والمطلوب

    واعتقد سببها يفند لأمرين ..
    _ اما لشعور احد الطرفين بالنقص وانعدام الثقه بالذات
    _واما لخلل في بنيان العلاقه بين الطرفين يعني اساسها مش متين ولا صحيح

    لما اي علاقه تتبني على اساس قوي من صدق وثقه ووفاء الاكيد صعب جدا انو يتخللها شك وغيره مجنونه

    والغيره مطلوبه في بعض الاحيان وانا بتفق مع الاخ نادر فقد وفق في وصفه
    والاكيد دائما الوسطيه هيا خير الامور .

    اما بالنسبه للغيره القاتله والجارحه سواء كانت من رجل او امرأة اتمنى يراجعو انفسهم اكثر ويتخطوها لانها اكيد سبب كبير في تدمير اي علاقه بين اثنين خصوصا لو كان في حب كبير لانو الاكيد حرام يخسرو حبهم بسببب زوبعه من صنع احدى الطرفين .

    اعتقد الغيره اشبه ماتكون بمن يقذفنا للعتمه والضبابيه لحجم الحقائق عن طبيعتها وصحتها
    ومتى ماتاهت الحقيقه وغابت عن اعيننا تهنا عن الصواب وحسن التصرف والعقلانيه
    اذن الامر يحتاج للكثير من التأني والرويه ومراجعة النفس وتصحيح مسارها وعند اي مدى عليها ان تتوقف .

    والغيره هيا كمفتاح للقلوب ..
    اما .. ان نتسلل بها لقللب الطرف الاخر بكل حب ودفء
    واما .. اننا تسللنا لقلب الطرف الاخر واشعلنا فتيل الحصار والحرب طبعا ويتبعها تدمير العلاقه وبشائر اللاخير بنهاية هذه العلاقه
    والنهايه تكون كارثه اما نهايه فعليه .
    واما نهايه للتواصل والحب والحوار بين الطرفين مع اكمال مسار الحياه ببرود قاتل وهيا اشبه بعلاقه ميته ولكن في مضمار حياتهم لا يوجد نهايه فعليه كما يجب ان تكون .

    اذن الوسطيه هيا خير الامور
    حتى بالدين وصينا فيه بالوسطييه
    اذن لا ضرر ولا ضرار


    واخيرا ...
    بتوقف من جديد حتى اشكرك ع المقال الحساس جدا


    تحياتي وتقديري وكامل اعجابي بما تخط يداك وباسلوبك المميز دائما والراقي .

    دمت بكل الخير ... استاذي ومعلمي

    ردحذف
  10. أسعد الله صباحك الجميل يا toota

    أشكرك من كل قلبي على اهتمامك الجميل والرقيق دائما في الاطمئنان عليي وأتمنى أن تكون بصحة وعافية وتقضين أوقاتا ممتعة في إجازة نهاية هذا الاسبوع :)

    في الواقع الغيرة حقا هي ( حريقة ومولعه كمان ) عند تجاوزها حد المعقول والمطلوب وأتفق معك تماما أن أسبابها الرئيسة تعود للأمرين اللذين ذكرتهما فمن جهة هنالك قضية انعدام الثقة بالنفس أو الذات والشعور الدائم بالنقص وهنالك من جهة أخرى خلل في أساس متانة العلاقة والذي يكون سببه في معظم الأحيان عدم توافر الثقة المتبادلة بين الطرفين .

    بالتأكيد أن الوسطية في كافة الأمور ترجح كفة ميزان العلاقات الإنسانية ومشاعرها في مختلف الجوانب وهذا أمر لايختلف عليه اثنين وأعتقد أنك والإخوة المعلقون أجزمتم جميعا في هذا الجانب .

    أعجبتني كثيرا مقولتك حول ما يسمى بالغيرة القاتلة والتي تكون سببا في هدم أركان بنيان حب كبير وبصراحة مهما كانت قوة الحب ومتانته فإن تسلل هذا النوع من الغيرة إليه من قبل أحد الطرفين سيؤدي إلى ضعفه وهشاشته بكل تأكيد .

    في الواقع أنت تقدمين وبشكل متميز جدا حلول واقعية لضبط جماح مشاعر الغيرة عندما تزداد عن حدودها وذلك من خلال توافر التأني والروية ومراجعة النفس من قبل الطرفين قبل صدور أي قول أو فعل وهذا بالتأكيد سيساهم وبشكل كبير في التخفيف من حدة وتيرة الغيرة وآثارها السلبية .

    أعتقد أن الغيرة تكون دافئة وحنونة في حدودها المعقولة وذلك لأنها تعبر عن صورة جميلة لمحبة كل طرف للآخر وتعلقه به ولكن كما قلت شريطة أن لا تتحول إلى نيران وحروب تدمر كل شيء جميل في تلك العلاقة .

    في الواقع أنا من يود شكرك وبعمق على تلك الرؤيا الجميلة والدقيقة دائما لما أكتب ولايسعني إلا أن أقول أنك تلميذتي المتفوقة ومعلمتي الرائعة في آن واحد يا toota :)

    كل التقدير والمحبة والاحترام

    نهارك سعيد :)

    ردحذف
  11. مساء الخير اشرف
    الغيره لو كانت بدافع الاهتمام بالشخص فهي مطلوبه ومحببه واعتبرها مطلوبه ومظهر من مظاهر التعبير عن الحب...أما الغيره النابعه من حب التملك على اعتبار ان هذا الذي نغار عليه او عليها من ممتلكاتنا الشخصيه ولا يحق لاحد الاقتراب منه فهذه نوع من المرض ونقص ثقه بالنفس وللاسف في شرقنا ....معظمها من النوع التاني

    ردحذف
  12. يسعد مساك نيسان

    فعلا الغيرة التي تكون بدافع الاهتمام هي الغيرة المطلوبة والمحببة أما النوع الثاني وقد أعجبني جدا وصفك الدقيق له حيث تكون الغيرة نابعة من حب التملك وذلك بالتأكيد هو المرض بحد ذاته و الذي يفتك بالعديد من العلاقات وهو النوع الأكثر انتشارا في الشرق وبكل أسف .

    كل الود

    ردحذف