الأربعاء، 31 مارس 2010

اللد ... مدينة أجدادي

قبل عدة أيام توفي أكبر معمر في عائلتنا عن عمر يناهز ( 105 سنين ) تقريبا ، وقد توجهت أنا ووالدي وشقيقي لتقديم واجب العزاء لذويه حيث كان العزاء مقاما في جمعية اللد الخيرية .

وبمجرد دخولنا إلى قاعة الجمعية الرئيسة وقع نظري على صورة كبيرة كانت قد توسطت جدران القاعة وهي تشبه الصورة المرفقة في متن إدراج اليوم وهي صورة مسجد دهمش الكبير أو كما يلقبونه ( مسجد المذبحة ) وقبل أن أحدثكم عن قصة هذا المسجد سأحدثكم قليلا عن المدينة المتواجد فيها ذلك المسجد وهي مدينة اللد الفلسطينية .

اللد تعتبر من أقدم مدن فلسطين التاريخية وتقع على مسافة ( 16 كم ) جنوب شرق مدينة يافا و ( 5 كم ) شمال شرق مدينة الرملة ، وقد كانت اللد في عهد الفتوحات الاسلامية عاصمة جند فلسطين وفي عهد الدولة الأموية كانت عاصمة مؤقتة للخليفة سليمان بن عبد الملك وكذلك فقد ضمها السلطان الظاهر بيبرس لدولة المماليك بعد انتصاره على الصليبيين وبعد ذلك أصبحت اللد تحت الحكم العثماني لغاية الحرب العالمية الأولى حيث تم فرض الانتداب البريطاني عليها ، ولاحظوا معي من خلال تتبع كل تلك الفترات الزمنية أن اليهود لم يتواجدوا في هذه المدينة قط وهذه الحقيقة ليست حكرا على مدينة اللد وحدها بل هي الحقيقة التي لا تقبل الشك عند الحديث عن أي شبر من تراب فلسطين الطاهر .

في فترة الانتداب البريطاني على مدينة اللد كان والدي لايزال في فترة صباه ومن القصص الطريفة التي كان يذكرها لي دائما عن تلك الفترة أن شباب اللد كانوا يدفعون غرامة لحكومة الانتداب البريطاني في حال قيام أحدهم بلطم جندي بريطاني على وجهه ويطلقون سراحه بعدها ، وهكذا كان شباب اللد دائما يتسابقون ويتهافتون على ضرب الجنود البريطانيين كنوع من تفريغ شحنات الغضب التي كانت تلهب نفوسهم بسبب تواجد هؤلاء المحتلين على أرضهم بحجة الانتداب والوصاية .

ولكن هذا الوضع لم يدم طويلا فلقد كان هنالك من يتربص بهؤلاء الشباب وينتظر لحظة الهجوم والإعتداء عليهم وعلى آبائهم وأمهاتهم وشيوخهم وأطفالهم وهذا ما حدث فعلا في عام الحزن الأكبر ( عام 1948 ) عندما دخل اليهود الصهاينة إلى مدينة اللد بأسلحتهم وذخائرهم ومعداتهم العسكرية ليهاجموا المدنيين العزل ويهددون ويتوعدون بذبح وقتل أي شخص يرفض الرحيل عن المدينة ، وكم تسائلت وأبي يروي لي هذا المشهد الذي عاش كل تفاصيله عن طبيعة مشاعر أي شعب من شعوب البشرية يتعرض لمثل هذا الموقف الوحشي البشع فماذا تراه سيصنع ؟

حاول بعض سكان المدينة الحزينة أن يقاوم ويرفض الخروج والطرد القسري من مدينته ولكن وبكل أسف كانوا يقاومون وليس معهم سوى أيدي عارية من كل صنوف السلاح ، فكان المصير واضحا واستشهد كل من رفض الخروج ، اعتقد البعض أن اللجوء إلى المساجد والكنائس قد يوقف شلالات الدماء البشرية التي بدأت تتساقط في كل مكان ولكنهم أخطأوا في تقدير شراهة عدوهم في مشاهدة منظر الدماء ، فاقتحم الصهاينة كل من لاذ إلى مسجد دهمش الكبير وذبحوهم بدم بارد وهذه وبكل أسف حكاية الصورة التي مافارقتها عيوني أثناء جلوسي في العزاء .

يقول لي والدي أنه في ذلك اليوم المشؤوم لم يملك من أمره شيئا فخرج هو وعائلته وعائلات كثيرة من مدينة اللد حفاة الأقدام يسيرون إلى مصير مجهول ممزوجين بلوعة الألم والحسرة على فراق مدينتهم التي أصبحت في هذه الأيام جزء من دولة اسرائيل .

استمر أبي في المسير حتى عبر ضفة نهر الأردن الشرقية واستقر في المدينة التي ولدت وترعرعت فيها وماعرفت غيرها مدينة ضمت كل أيامي وسنين حياتي ( عمان ) ، أما اللد فلا أعرف عنها سوى الصور واللوحات التي أشاهدها وهامش ذكريات يحدثني بها والدي بين الفينة والأخرى .

انتهت حكاية الصورة التي روى فيها أجدادي بدمائهم الطاهرة كل بقعة في مسجد دهمش الكبير ولكن لم تنتهي الحكاية بعد مع هؤلاء الصهاينة السفاحين .

لن أنساكي أبدا يا فلسطين فعلى الرغم من أنني من أبنائك الذين لم تضميهم يوما في ربوع أحضانك الدافئة ولكنك ستظلين أمي الحبيبة التي سأحلم في كل ليلة أن أعود إلى صدرها الحنون ، مهما طال الزمن لابد أن ألقاك يا أمي يا حبيبتي.... يا أغلى من روحي... يا فلسطين .

هناك 12 تعليقًا:

  1. مساء الخير أشرف
    للاسف صار ثالث بوست نازل في مدونتك ومش قارئتهم لسا :(

    الله يعطيك العافية, والي مرور قريب لاقرأهم بتركيز ان شاء الله, ما راح ارضى يروح علي شي :)

    ردحذف
  2. mar7ba ashraf
    allah yar7amk hada alsh5s alee twfa 3andkoom bel3ila wallah yad5lo be fas7 jantoo mashallah 3ash kter wa shaf kter.
    mashan ald fa yama sm3na 3an ahal ald betebt albkoom wa shmtkoom mashallah 3ailkoom a7asan nas .
    al7al meen ba3do ya ashraf kolna ba3tbar ma3'rbeen 3an falsteen wa kolna nafsna nrj3 lahonk mashan n3ish bass allah wa7doo ba3rf mata ra7 tafrj 3alehoom..inshallah allah b3tina 3omr wa banrj3 wa ban3rf awldna 3ala falsteen.

    allah ba3een wa inshallah betfrj

    ردحذف
  3. أهلا وسهلا ويسبر :)

    الله يعافيكي وعن جد افتقدت تعليقاتك اللي كتير بهتم إني أقرأها بعد كل إدراج بكتبو بس انشالله يكون المانع خير .

    بستناكي لا تطولي على مدونة أفكار وتساؤلات الغيبة :)

    نهارك سعيد

    ردحذف
  4. مرحبا نور

    في البداية بتمنى تكون صحتك صارت أحسن وياربي دايما تكوني بصحة وعافية ويبعد عنك شر الامراض .

    تسلمي يانور وياربي يرحم أمواتكم وأمواتنا وأموات المسلمين جميعا ويدخلهم فسيح جناته .

    شكرا يانور على كلامك الرقيق بحق أهل اللد :)

    فعلا الحال من بعضو مع جميع أبناء فلسطين المغربين عنها قسرا ولكن متل ماقلتي بنعيش على أمل الرجعه ورح انضل نتمنى اليوم اللي نحضن فيه تراب فلسطين الطاهر مهما طال الزمن .

    نهارك سعيد

    ردحذف
  5. صباح الأوطان أيها اللدي الصغير
    في كل مدينة من مدن فلسطين مسجد، وفي كل مسجد حكاية، ولا زالت متوالية الحكايات، بدء من "دهمش" مرورا بالحرم الأبراهيمي، وأخشى أن تنتهي بالأقصى.
    جميل أن في قلبك بقايا أمنية، هي أن تعود ذات يوم إلى صدر أمك الحنون، أما انا فتحايلت على تلك الهواجس والأمنيات في أخر زيارة إلى البحر، تركت الأمنيات تغرق، وعدت ماشيا على قدمي، فأمنياتي كادت تفضحني، وأخشى على مواطنتي، أخشى على رقمي الوطني، صلي ركعتين توبة لله على هذا الإدراج، وعاهد أن لا تكتب عن "لدايواتك" أبدا
    إما "عمان" وإما "اللد"
    فالبعض لا يؤمن بتعايش مدينتين في قلب واحد

    ردحذف
  6. أسعد الله صباحك

    أخي نادر صدقا ترقرقت العبرات في عيوني وأنا أقرأ حروف كلماتك فمن جانب ذكرتني بتوالي الحكايات على مساجد فلسطين والتي ذبحت كل قطعة في أجسادنا ولم يتبقى منها سوى قلوبنا التي تحتضن المسجد الأقصى .

    هل حقا يا صديقي غرقت أمانينا في بحور اليأس من هذه الأمة وانحصرت صراعات البقاء لدينا في حقوق مواطنة وأرقام وطنية نزين بها هوياتنا الشخصية ؟

    هل حقا علينا أن نتوب عن حب فلسطين ؟

    وأنه لا يمكن لأكثر من امرأة أن تعيش في قلب رجل واحد ؟

    صدقا لست أدري ماذا سأقول يا صديقي ولكني نظرت إلى قلبي فوجدته زيرا للنساء قد تعلق بمحبة كافة مدن وأمصار أمتي العربية والاسلامية :)

    تحية يا صديقي .

    ردحذف
  7. مساء الخير
    اول شي عظّم الله اجركم و يرحم ما فقدتو

    بس الناس ترجع لدينها وتعاليمه راح نرجع ان شاء الله
    وانا متفائلة خير :)

    زكرتني بقصص بابا عن هديك الايام, هلأ بابا بندم عاليوم اللي طلع فيه من فلسطين

    الله يفرجها عن قريب

    عفكرة انا من يافا....يعني جيران :)

    ردحذف
  8. أهلا وسهلا ويسبر

    شكر الله سعيكم ورحم الله أمواتكم وأموات المسلمين أجمعين وأدخلهم فسيح جناته .

    صدقا ماتقولينه هو ما أنا مقتنع به تماما فعودة الناس لدينها هو الطريق الوحيد لتخليص الأقصى الاسير ومن ينظر في التاريخ يتأكد من تلك الحقيقة التي لا تقبل الشك .

    يعني بالاضافة إلى إنو نحن جيران فأيضا أنا نصفي من بلدكم لانو خوالي من يافا :)

    نهارك سعيد

    ردحذف
  9. أشرف ما أجمل و اشرف أن يكون لك أصل فلسطيني فبقدر ما حزنت و أنت تحكي قصة إنتهاك و طرد أهل "للد" من قبل العدو الصهيوني...بقدر ما شعرت بكم الفخر الذي ممكن أن يشعر به كل من كان له أصل فلسطيني تلك البلده التي تحتل جزء من قلب كل عربي و تهفوا أرواحنا لها في كل وقت و ندعو لها في كل صلاه.
    ستلقاها يوماً مُحرره إن شاء الله يا أشرف..أتمنى من كل قلبي أن تلقى حبيبتك و وطننا الغالي فلسطين.
    عجبني تعليقك أن قلبك زير نساء في حب المدن العربيه :)) فعلاً المدن العربيه تتمتع بالسحر بنكهات مختلفه رائعه :)
    لكن ما حكاية أصولك التركيه؟
    أنا جدي لأبي قاهري من الأزهر تحديداً أم جدي لأمي فهو من سوريا دمشق تحديداً و كم أتمنى و أحلم بزيارتها.

    أنا مثلك أحب كل المدن العربيه :)
    تحياتي كاتبي المفضل

    شيرين

    ردحذف
  10. فراشة التدوين :)

    اتمنى أن اكون على قيد الحياة حين يأتي ذلك اليوم الذي نعود فيه بإذن الله تعالى إلى ارض فلسطين الحبيبة :)

    نعم قلبي زير نساء في حب المدن العربية دون استثناء :)

    اصولي التركيه تعود لجدتي من امي :)

    اذن انت مصرية وشاميه في آن واحد :)

    دمشق ذكرتني بها ... كم اشتاقها واشتاق ماردها جبل قاسيون وجامعها الاموي وساحاتها وازقتها ... انشالله عندما تزورينها يا شيرين مستقبلا انا متأكد انك ستحبينها كثيرا :)

    لك مني كل الود

    ردحذف
  11. بسم الله وبعد
    ستعودون لأرض فلسطين قريبا بإذن الله
    مدينة اللد تبعد عنا 8 كم هوائي
    تشرفت بأننا جيران
    تحياتنا واحترامنا وتقديرنا لك

    ردحذف
    الردود
    1. أخي أبو مجاهد

      انشالله تعالى سنعود ... هذا هو الحلم الأغلى على قلوبنا يا أخي العزيز ...

      نحن من تشرفنا بجيرتك وصداقتك :)

      لك مني كل التقدير والاحترام

      حذف